قراءة في كتاب
عباس علي مراد: قراءة في كتاب شحادي الغاوي..
نقد الفكر الديني في التوراة والإنجيل ونشوء الصهيونية المسيحية
يبذل شحادة الغاوي جهدا مميزا لدحض السردية الكنسية الرسمية والتي تتبنى مقولة العهد القديم والعهد الجديد، وكما يصفه بالوصل القسري بين اليهودية والمسيحية، لانه لا يوجد توافق بينهما بل يوجد تناقض.
ويقدم الكاتب شرحاً عن أصول هذه "الاعتقادات الدينية" المسيحية والتي يريد البرهنة على أنها ليست أصيلة في تعاليم المسيح يسوع، بل هي دخيلة عليها من خارجها.
يركز الكاتب على هوية يسوع التي يتبناها بعيداً عن مقولة المسيح المنتظر التي جاءت في التوراة، التي يعتبرها الكاتب باطلة لما يحتويه العهد القديم من الاكاذيب والتلفيقات والخرفات وجرائم ورذائل وسرقات، بما يتناقض مع تعاليم يسوع، وينتقد تبني الكنيسة كتاب التوراة ككتاب مقدس التي يركز عليها الكاتب في أكثر من مكان في الكتاب، ويتطرق الكاتب الى مسالة تقديس القرآن للتورة.
يوضح الكاتب كيف تبنت الكنيسة الاناجيل الاربعة (متى، مرقس، لوقا، ويوحنا) من أصل أربعين انجيلاً، حيث كانت تهدف الى جلب اليهود الى تعاليم يسوع ولتحقيق ذلك الهدف لم تجد الكنيسة سبيلاً لإقناع اليهود ان المسيح هو أبن داوود الذي تنبأت به التوراة قد أتى.
ويناقش الكاتب بدءاً من صفحة 102الاناجيل الاربعة التي اعتمدتها الكنيسة كأناجيل "قانونية" من بين حوالي اربعين إنجيلاً "منحولاً" والتي كان الهدف منها جعل رسالة يسوع، حسب تلك الأناجيل، هو استمرار للتوراة وتكملة له.
يؤكد الكاتب ان كتابه ليس مجرد كتاب في الدين ويقول أنه بحث موضوعي في دور الدين في السياسية، وفعل السياسية في الدين، لكن الكاتب يريد ان يحث المؤمنين ان يؤمنوا بعقلانية، أي عن معرفة بما هو حقيقي وما هو خرافة، كخرفة شعب الله المختار الموعود بأرض الشعب الملعون...هذه الخرافة التي تستهدف أمة الكاتب وتعتدي عليها وتسلب منها وطنها(ص21).
في مقاربته ينفي الكاتب ان يكون معادياً لليهود، وبذلك يضع حدا لأي نقاش جانبي قد يأخذ الكتاب والهدف منه في اتجاهات ذات ابعاد سياسية مغايرة للهدف من الكتاب، وهو البحث في "الصهيونية المسيحية" وما هي وما علاقتها بالصهيونية العالمية، وكيف نشأت وما هي أسباب نشوئها وما هي أهدافها الحقيقية ولماذا تؤيد إسرائيل وتدعمها بقوة (ص16).
يستعمل الغاوي اسلوب التعزيز بالتكرار للأفكار في اكثر من موقع في الكتاب، لتعزيز الهدف من الكتاب وترسيخه في ذهن المتلقي، مع سرد الحقائق وما يقابلها من خرفات مقدسة كما يسميها الكاتب(ص45) او تحريف وتضليل وتواطؤ ذات أبعاد سياسية على حساب الحقائق.
يقول الكاتب ان الكتب المنسوبة الى موسى قد كُتبت بعد موت موسى بكثير وبعد دخول اليهود الى فلسطين واحتكاكهم بالكنعانيين والاقتباس منهم، ثم بعد السبي البابلي والاقتباس من البابليين، والدليل هو أخبار الكنعانيين والبابليين التي تحتويها تلك الكتب (ص 36). ولتعزيز فكرته يستشهد الكاتب بابحاث بعض المؤرخين التي تؤكد مقولته.
يكرس الكاتب الفصل الثالث من الكتاب للمقارنة بين الله رب العالمين وبين يهوه إله إسرائيل ويقول الكاتب بهذا الخصوص ان الهدف من هذه المقارنة ليس"ذم اليهود" كما يظن البعض، بل الهدف هو بيان الخطأ الفظيع الذي ارتكبته السلطات الكنسية المسيحية عدما تبنت التوراة كتاباً مقدساً على المسيحيين الإيمان به وبقداسته...
الفصل الرابع يعرض للأصول السورية للمفاهيم المسيحية في الحبل بلا دنس والموت والقيامة في اليوم الثالث يسوع السوري وفي الصفحة 171 يقول الكاتب: والآن سنثبت شهادة من الإنجيل عن الهوية السورية ليسوع، وايضاً شهادة من التوراة نفسها عن الهوية حتى للمسيح المنتظر!!!
وليعطي الكاتب القارئ فكرة عن نشوء الصهيونية المسيحية، يشرح في الفصل الخامس كيفية نشوء الصهيونية العالمية التي تأسست في مؤتمر عقد في مدينة بازل في سويسرا سنة 1897 الذي ترأسه تيودر هرتزل الذي أعتبر المؤسس للحركة الصهيونية.
والهدف المعلن للحركة الصهيونية العالمية تحرير اليهود من الظلم الواقع عليهم وتجميعهم في فلسطين باعتبارها "ألاض أسرائيل".
وعن الصهيونية المسيحية يقول: ليست مؤسسة نشأت في وقت ومكان معينين او على يد أشخاص معينين، بل هي مذهب وتأويل يعتمده بعض المسيحيين للعلاقة بين المسيحية واليهودية...(ص210)
وفي هذا الفصل يشرح الكاتب ما هي العقيدة اليهودية والتاريخ القديم لليهود.
وبعد ان يؤكد ان المسيحيون ليسوا كلهم صهيونيين مسيحيين، يقول ان الصهيونية المسيحية هي تزوير لرسالة المسيح يسوع وتزوير للتاريخ.
يستمر الكاتب تركيزه على تشريح الخرافة الدينية تشريحاً علمياً، كما سيشرح الخلفية الدينية للمواقف السياسية الداعمة لدولة إسرائيل الحالية.
وفي الصفحة 276 يعنون الكاتب الصهيونية الأسلامية ؟ ويرى الكاتب انه حتى يكتمل هذا الموضوع يجب بحث ما يمكن أن نسميه "الأسرائيليات" في القرآن، ويرى الكاتب أن القرآن أيضاً يسير على منوال الكنيسة ويتبنى الكثير من القصص التوراتية...
يرى الكاتب أنه من الضرورة بحث واستقصاء متأن للصهيونية الإسلامية وجذورها في النصوص القرآنية ويتساءل هل من مستجيب لهذه المهمة الصعبة؟ ويضيف نحن لن نتطرق هنا لأكثر مما قلناه في هذا الصدد، لأننا لا ندعي أننا مؤهلون لأكثر من ذلك، ونترك للمؤهلين أصحاب المعرفة المتعمقة في القرآن أن يبحثوا فيه(ص280)
وعن كيفية مواجهة الصهيونية المسيحية يقول الكاتب: أن المواجهة الحقيقة تبدأ من قيام الكنائس المسيحية بأعادة النظر في هذا التبني (لقداسة التوراة) والتراجع عنه لأنه السبب الحقيقي الذي أدى الى هذا التاريخ الطويل من المظالم الفظيعة التي حلت بالبشرية منذ أكثر من ألفين من السنين(ص245).
وفي الخاتمة صفحة 282 يقول: هل مسؤولية الكنيسة هي فقط انتخاب البابا وتعيين البطاركة ... وإدارة أملاك الكنيسة وإجراء مراسم الزواج والعمادة والوفاة.. وإقامة القداديس...
صدر الكتاب عن دار أبعاد للطباعة والنشر في طبعته الأولى عام 2025 ويقع في 285 صفحة وخمسة فصول بالإضافة الى الإهداء وشكر وتنويه ومقدمة وخاتمة.
أخيراً، الكتاب غني بالكثير من المعلومات التي تغني القارئ عن مراجعة العديد من الكتب كما يقول كاتبه ولا شك أن هذا العرض لا يغني عن قراته والاطلاع على المزيد من الحقائق التاريخية وبمقاربة علمية.
***
كتب عباس علي مراد






