قراءة في كتاب

أكرم عثمان: عن كتاب أسرار السعادة الزوجية

مقدّمة: يقولون "كل ما كبر ابنك بكبر همه معاه"، مثل عربي فيه من الحكمة والتجربة من أشخاص مجربين خبروا التربية وفقهوا أبعادها ومراميها وكنهها، أنها حياة غاية في الصعوبة والمراس الذي يعجز العارفون به قبل الغارقين في جهله وأخطائه.  إذا كان فهم خصائص ومتطلبات مراحل الأبناء في شتى مناحي الأعمار، يتطلب منا فهماً عميقاً دقيقاً حاذقاً لكل مرحلة وحاجاتها ومتطلباتها وما يلزمها من أبعاد نفسية وذهنية واجتماعية، تحير اللبيب وصاحب العقل الأريب والراجح، فما بالنا بمن يجهل مرامي مراحل النمو من طفولة بريئة غاية في البساطة والسذاجة، إلى مراهقة تتعب المربي قبل أن ترهق صاحبها؛ متطلبات تحتاج منا إلى جهود ونشاطات تضبط سلوك أبنائنا، وتسهل مسار حياتهم، وتخرجهم من طور المشكلة والأزمة إلى بر آمن ينعم به سوية واستقامة وهدوءاً وتوازناً في عقله ونفسه وعلاقاته الاجتماعية، وسلوكيات توصل في النهاية إلى أهدافه، ومستقبل ينشده وحاضر يعيش فيه بسلام وطمأنينة.

نعم! إذا كانت هذه التربية ترهق وتضني وتقود إلى خلافات وصراعات وتحديات، فما بالنا عندما نريد أن نسهم في وعي أبنائنا عقلياً ونفسياً واجتماعياً وجنسياً، نفهمهم هذه المرحلة بحيث يتجاوزونها بوعي ومعرفة، وتعقل، دون أن يلجأوا إلى الأصدقاء ويفسدون عليهم براءتهم ويدمرون فهمهم وعقلهم ونفسيتهم.  صعوبة بالغة يحتار منها الحليم، وأسئلة تراودنا وهواجس تنتابنا من قلة وعينا وافتقارنا للعلم الذي يوصلنا إلى أبنائنا، وضعف الأساليب التي نفتقرها في إيصال تربية متكاملة توقظ عقول الأبناء وممارساتهم بنور وطريق واضح سهل المرامي والأطراف.  نعجز عن بناء معرفتهم وأنماط الشخصية بين الجنسين، والفروق المتفاوتة بينهما على المستوى الذهني والنفسي والاجتماعي، واختلاف متطلبات كل جنس عن الآخر اختلافاً بيناً وجذرياً.  إن غياب دور المؤسسات والمنظمات التي تعنى بهذه الأبعاد، يجعل رسالة البيت مهمة، ودور الآباء والمربين عظيماً لهذا النوع من التربية التي نعتبرها محيرة، وتحتاج إلى علم ودراية ومنهجية، نجد من الصعوبة بمكان إدراك مراميها وخفايا موضوعاتها وتفاصيلها، ناهيك عن أن القضايا التي تعنى بالتربية والثقافة الجنسية تعتبرها المجتمعات الشرقية والمنغلقة تابوهات مغلقة، وصناديق لا تظهر للعيان، ومن المعيب التحدث عنها والمفاتحة فيها، اللهم إذا حدثت مصيبة وكارثة طفت على السطح، وأفرزت تحديات لأفرادها وجماعاتها تستعصي على صاحب الشأن والعلاقة؛ حينئذٍ، نبحث عن حلول للخروج من الأزمات التي تؤرق مضاجعنا، وتنغص علينا حياتنا، وتضعنا نحن ومن يتربى في كنفنا ودائرتنا في مكان لا نحسد عليه.

كثير منا يعجز عن الرد في إعداد وتأهيل الأبناء والشباب والشابات نحو الحياة، أسئلة الأبناء أو المحيطين بنا عندما يريدون توضيحاً من أين أتينا؟ أو من أين جئنا؟ يتهرب الكثير من الإجابة كذباً وضعفاً وخذلاناً بقولهم "أتينا بكم من السوبرماركت، أو وجدناكم على قارعة الطريق"، وإجابات كهذه غير مقنعة وخجلة، تشعرنا بضعف وخيبة من ردود أفعالنا وأقوالنا التي لا يصدقها الغافل والجاهل قبل العاقل من أطفالنا، نعجز كثيراً ونقف حائرين من قلة الإدراك ومعرفة الطريقة التي نبدأ بها.  نحن بحاجة للتربية الأسرية والذهنية والنفسية والجنسية والثقافة التي تسهم في الوعي والفهم، والانتقال من مرحلة إلى أخرى بسهولة دون انحراف أو تخبط أو مصيبة تحل بنا أو بغيرنا.  نريد كتاباً يسهم في تتبع خطى من نحبهم، ونود لهم كل الخير في عالم بريء وجميل، ويوفر لهم الحماية ويزودهم بالوعي دون أن يتعرضوا للابتزاز والتحرش الجنسي أو الاعتداء والاستدراج للتنمر عليهم وتعنيفهم، نريد أبناء حاذقين أذكياء يفهمون كل مرحلة من مراحل نموهم دون أن يكون هناك ثمن ضخم يدفعون فاتورته من حياتهم، أو عقولهم، أو نفسيتهم، قهراً وظلماً وعدواناً.

هذا ناهيك عن جهل الأبناء بمخاطر مراحل الثانوية والجامعة، وما يعقبها من تخبط وقلة وعي في موضوعات الثقافة الأسرية والجنسية.  ربما يُشبع البعض حب الاستطلاع لديه من الإنترنت، أو من الأصدقاء والزملاء في مقاعد الدراسة، أو من خلال علاقات سطحية عاطفية مع الجنس الآخر، فعندما يفتقر لبناء الرقابة الذاتية، ويضعف لديه وخز الضمير، أو تقل لديه الخشية من الله تعالى، لا يدرك أبعاد ونتائج تصرفاته ومسلكياته.  وقد يبدو هشاً متهالكاً معرضاً للتيارات التي تجرفه وتدفعه للمهالك والردى، فيتراجع تحصيله الأكاديمي، وربما يتعرض لمشكلات كبيرة وشائكة يكون فيها ضحية جهل مطبق وصحبة تجرفه إلى دركات وحفر تشكل تهديداً لحياته، أو تحيط مستقبله المنشود بالضبابية، بعيداً عن أسس النجاح والسعادة والرفاهية التي كان ينشدها في مقتبل عمره.

يتهيأ لدخول الجامعة، والعيش في كنفها، وربما يتخرج منها وهو يجهل صنوف الحياة مع الجنس الآخر، ولا يعي ثقافة وتربية التعامل مع الحياة الزوجية، ومفردات العلاقة والتفاهم مع الشريك المستقبلي.  يفتقر إلى أقل شيء يدخل السعادة والهناء في هذه الحياة التي تصبح عبئاً عليه لقلة ما يعرفه عنها من أساليب التعامل لإسعاد نفسه وغيره ممن ارتضى أن يكون جزءاً مهماً في حياته.  ونظراً لقلة الوعي في مسائل العلاقة الزوجية، وممارسة الحب مع شريك يتمنى السعادة، فإنه، مع مرور الأوقات، تتشابك معضلات واختلافات تصل في نهاية المسار إلى مشكلات وهجران، وربما يصبح العنف عنواناً للحلول المبتورة والسريعة.  فالشباب يفتقرون أساسيات مهمة في علاقاتهم مع شريك الحياة، وتبقى هذه الأسرار مبهمة وغير معلنة، نظراً لحساسيتها وضعف القدرة والخجل أحياناً من إطلاع أحد عليها.  تتأزم الحياة وتصبح العوائق فيها شوكاً متراكماً يصعب قلعه، وتتوالى الهزات والنكسات، ما يجعل الزوجة مرة تذهب إلى بيت أهلها، ومرة تهجر نفسها، ومرة تخاصم ذاتها، ومرة تدعو نفسها للسؤال ومعرفة الجواب، تنصدم بقلة الحيلة والجرأة في طلب المساعدة من أطراف لا يبدو عليهم أنهم شركاء ناصحون وعارفون، بدل أن تحل عقداً تتوالى وتتشابك مرات ومرات، وتبقى العلاقة تدور في رحى الحياة دون حلول أو مرشد يدل على سبل النجاة والنجاح والاستقرار.  يكثر الطلاق العاطفي بين الأزواج، وتتوالى نكسات العلاقة وهبوط منسوبها فشلاً وتراجعاً لقلة وضعف الاقتراب من السؤال، أو عدم اللجوء لأصحاب الخبرة والعلم والمعرفة.

نكبر وتتوالى حياتنا، ويكثر أولادنا، وتضعف العلاقة وتتآكل العواطف والمشاعر التي كانت حلماً يراود صاحبها عندما أقبل على الزواج من فتاة اختارها حباً أو معرفة، أو تزوج منها بأسلوب تقليدي، من خلال معرفة الأهل أو الأقارب والأصدقاء.  يبدو أن الاهتمام في منتصف العمر عندما تتجاوز المرأة الأربعين خريفاً، ينصب عند البعض من الزوجات أو نسبة منهن لا بأس بها، على الاعتناء بتقربها إلى الله، عزَّ وجلَّ، صلاة وصياماً وقياماً، وتنشغل في تربية الأولاد والقيام بواجبها وبيتها، وتهمل نفسها وزوجها، وتتراجع العلاقات والمشاعر بين الزوجين، فتكون هي في جانب، والزوج في جانب آخر.  فتتباعد بينهما العواطف والأحاسيس تباعداً فارقاً، ويهمل كل منهما الآخر بقصد أو دون قصد، وتتوالى المعاناة والشقة بينهما، وتبعد المسافات أميالاً وأميالاً، كل منهما في عالمه؛ المرأة في عناية ببيتها وأولادها وتراجع إقبالها على الرومانسية مع زوجها بروتين الحياة القاتل أحياناً، ورتابة العيش النكد أحياناً أخرى، فتضعف الفسح والرحلات وتتلاشى أماكن الترفيه والاستجمام والاستمتاع من قاموس وسجلات الأزواج، ويبقى الفراغ القاتل سيفاً مسلطاً يهدد حياة استمرت سنوات. وإن فاتحها الرجل بكلمة عابرة مثل (بحبك)، ضحكت باستهزاء وسخرية وترد عليه بقولها "ما بسمع منك إلا الحكي"، أما الرجل فينتفض مطالباً بحقوقه، ويبدأ يسترجع الأيام الخوالي التي عاشها برومانسية واهتمام من الزوجة، وغالباً ما يبدأ الفتور بينهما، وتزداد حدة الابتعاد بينهما تباعاً، ما يدفع الزوج إلى الزواج من أخرى، أو يعيش وحيداً كارهاً للبيت وما حواه، أو قد يلجأ البعض إلى العلاقات الغرامية والخيانات الزوجية هروباً من واقع نكد ألقى بظلاله على حياة رتيبة وجامدة تبخرت منها الأماني والطموحات المستقبلية، والواقع الذي يدخل سروراً على الشريكين، وبخاصة إذا ما علمنا أن قوة الرجل الجنسية لا يصيبها التراجع أو الضعف في تلك المرحلة من العمر، بل يبقى يحتفظ بلياقته الجنسية وشغفه واهتمامه بنفسه وأناقته.  ويطلق البعض على هذه المرحلة التي يعيشها الرجل، المراهقة الثانية، أو أزمة منتصف العمر عند بعض الرجال، نظراً للبون الشاسع بين رغبة الزوج في ممارسة الجنس وديمومته، وتراجع تلك الرغبة لدى الزوجة نظراً لانقطاع فترة الحيض التي تؤثر على الرغبة والشهوة الجنسية لديها، ويتزايد اهتمامها ببيتها وأبنائها على حساب اهتمامها بأنوثتها وزوجها كما أسلفنا سابقاً.

وتتوالى حياة كلها تحديات، ويكبر همنا ومشاكلنا توالياً، وعندما يتقدم المرء ويدخل عامه الستين، ينتابه خوف كبير من وهمه، وربما مرضه، من عدم مواصلة حياته مع الشريك، ويتلقى غمزات ولمزات أبناء عمره وسنه، يكتئب على نفسه معزولاً طارداً نفسه من حياة تضعف فيها مشاعره وأحاسيسه، ويتراجع فيها مستواه ولياقته الجنسية، وبخاصة عندما تتوفى زوجته ويتزوج من أخرى، تجده أحياناً يعاني حالات من ضعف قدرته على الانتصاب وممارسة الجنس مع الشريك الجديد، وتمر شهور وشهور عجز فيها عن ذلك.  وفي قصص واقعية، اضطرت العديد من الزوجات إلى تطليق أنفسهن بدعوى أن الواحدة منهن ليست ممرضة لرجل تطعمه وتسقيه وتخدمه، بل تريد تلبية احتياجاتها ومتطلباتها النفسية والجنسية، وهنا يشعر هذا الزوج أو غيره بالانكفاء على نفسه خجلاً وتوارياً عن الأنظار من تعليقات وسخرية زملاء العمر والدرب.  فترى البعض يستمع لنصيحة غيره في علاج مشكلة الانتصاب لديه، فيتناول حبوب الفياجرا دون استشارة من الطبيب، ودون الالتفات إلى وضعه الصحي والأمراض المزمنة التي قد يعاني منها، يتناولها باستمرار حتى تصبح مع مرور الأيام أو الأسابيع والأشهر السبب في هلاكه، فمن الحالات الواقعية التي حدثت، أن البعض لم يتمكن من مواصلة حياته، وتعرض لهبوط قلبي وفارق الحياة بعد أيام من زواجه.  فنجد أن هناك مبالغات وتهويلاً على الوصف وتحديد القوة والضعف، وقد نلمس أن بعض هذه الأمور، في حقيقتها، مردها إلى الأبعاد النفسية التي تتعلق بالظروف التي تغيرت نحوه، والهدم الذي نال الشخص من تغيرات في حياته، فعندما يتلقى الدعم والثقة في نفسه، والتأقلم مع المراحل الجديدة والمشورة من ذوي الاختصاص، تبدو الحلول منطقية وذات وزن وقيمة من إخفاء ما يعانيه نظراً للرعب والخوف الذي يجتاح نفسه، ويختلج فؤاده، أو قد يلجأ إلى حلول العقاقير المهددة لكيانه وحياته كما ذكر.

لذا، يتناول هذا الكتاب في الفصل الأول كيفية الاختيار في فترة الخطوبة، والقواعد الرئيسة والأساسية التي ينطلق منها في تحديد الأنسب والأفضل له.  فحسب الإحصائيات الفلسطينية فإن نسبة الطلاق قبل الدخول تتعدى 40% من نسب الطلاق العامة.   وهذه تحديات كبرى عندما يتم الانفصال في فترة الخطوبة وقبل الدخول، فالاختيار المناسب حسب صاحبة الدين والخلق المقدمة أصلاً على الحسب والنسب والجمال والمال، وإن كان هذا لا يمنع أن تجتمع كل هذه الأبعاد سوياً، إنما الاختيار القائم على الدين والخلق ينبغي أن يعطى أهمية قصوى.  كما جاء في الحديث الشريف عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ"،  وأن يمتلك الخاطبان الأساليب الملائمة في التعامل وبناء دستور قائم على الحقوق والواجبات لكل منهما، كل يعرف ما له وما عليه، والاهتمام بفهم ومعرفة الزوجين الخصائص النفسية والعقلية لكل منهما، فكل له صفات وخصائص يختلف بها عن الآخر، فعندما يعي كل طرف أبعاد الآخر وصفاته، يصبح من السهولة بمكان إحداث شيء من الانسجام والتفاهم والتوافق الزوجي، وتعزيز قيمة الشعور بالأمن والارتباط الوثيق والتقدير لشخص الزوجة وكيانها، وإبداء الإعجاب بها، واستخدام كلمات الغزل في رشاقتها وأناقتها وجمالها وترتيبها لنفسها ولبيتها.

أما في الفصل الثاني، فتم تسليط الضوء على الاحترام المتبادل بين الزوجين، وتنمية سيكولوجية الحب بينهما، حيث إن الاحترام إحدى أهم المرتكزات التي تؤسس للزواج الناجح.  فالاحترام المتبادل هو احترام مشاعر الشريك، والاعتراف ضمناً بالآراء والأفكار والرغبات والاحتياجات، وإعطاؤه مساحة من الحرية يتصرف فيها على طبيعته، وإقامة حوار هادف وبنّاء، والتشاور في صنع القرارات واتخاذها بأسلوب يضمن المصلحة لحياتهما وصالح بيتهما معاً.  ويسهم الحب في تعزيز العلاقات الزوجية، فقد دللت التجارب العملية والدراسات العلمية على أنّ الزواج هو ارتباط بين شخصين في ظل حياة مشتركة تتقاسم الأدوار والمسؤوليات، وقائمة على الحب والمودة والألفة والهناء.  فالزواج بحد ذاته تكامل بين الزوجين، فكل منهما يكمل الآخر، ويضفي حياة مليئة بالاستقرار والطمأنينة.  فالحب يمنح الحرية والانطلاق للحياة بإبداعاتها وتسخير كل الطاقات والقدرات الخلاقة في الاستمرار فيها، والقيام بالأدوار المنوطة بكل شخوص مراحلها ومهمات حياتهم.

وكذلك العلاقة الزوجية في رمضان التي تشغل بال الكثيرين من الأزواج، وتثير لديهم التفكير والقلق، فربما تتملك أحد الزوجين الشهوة في رمضان، ولكن العلاقة الحميمية أو الممارسة الجنسية محرمة في نهاره، وتفسد الصوم، لذا ينبغي البحث عن الطرق التي يتحكمون بها في أنفسهم، وتجنب إفساد الصيام والوقوع في المحرمات، وإن المسموح في شهر رمضان في العلاقة الزوجية تبادل القبلات والعناق واللمسات التي لا تحرك شهوة، ولا تقود إلى الجماع والوقوع في الحرام.  الأولى أن يكون نهار رمضان فعلاً للطاعات والقربان لله عز وجل، واكتساب الأجر الجزيل الذي لا يعدله ثواب أو عبادة في غير هذا الشهر، فلا يمنع أن يمارس الزوجان حياتهما الجنسية في ليل رمضان.

أما الفصل الثالث، فيتناول الاستمتاع الجنسي وممارسة العلاقة الحميمية بين الزوجين، وهي علاقة متبادلة بينهما تجلب المتعة والسعادة المبنية على الحب والعاطفة المتبادلة، لذا ينبغي أن يتقن كل منهما فن ممارستها أثناء العلاقة الحميمية.  فمن الأهمية بمكان التعبير عن الحب والمشاعر العاطفية بين الزوجين، والتحدث بكلمات توحي بالمشاعر الوجدانية والإعجاب المشترك، وتعبير كل منهما برغبته في الآخر من خلال تبادل كلمات الغزل التي تؤجج المشاعر العاطفية.  ويتطرق هذا الفصل، أيضاً، إلى أعضاء الجسد التي تثير النشوة الجنسية لكلا الزوجين؛ سواء كان بالنظر والتواصل البصري، أو باللمس لهذه الأعضاء، ومعرفة ممارسة المساج الطبيعي للشريك، والتعرف على الوضعيات الجنسية للعلاقة الحميمية، فمعرفة ذلك وتطبيقه في العلاقة الحميمية تسهم في زيادة المتعة المتبادلة والانسجام العميق والتوافق اللصيق.

أما الفصل الرابع، فيتحدث عن منتصف العمر عند الرجال والنساء، وسن الرشد والتعقل في منتصف العمر التي تصبح الحياة فيها نضجاً ووعياً وتفهماً لطبيعة كل مرحلة يمر بها الشريكان؛ سواء في فهمهما لخصائص نفسيات بعضهما بعضاً، أو عقلية كل طرف يدرك ما يمتاز به شريك العمر، كذلك فهم في القدرة على تسيير الأمور والمواقف التي يتعايشون فيها ومعها بإيجابية وحكمة، فيحسنون التعامل بناءً على رؤية واهتمام وتوجه كل شريك نحو شريكه، فعندما يدخلون هذه المرحلة العمرية، التي يعتبرها خبراء ومختصو الحياة الزوجية حالة الرشد والتعقل التي تثري خبرة واسعة في مجال حياتهم الزوجية والأسرية، يكتسبون مهارات التصرف مع ذواتهم، ويخرجون أجمل وأفضل ما لديهم من سلوكيات تبدو متوازنة بعيدة عن التهور والاندفاع والتسرع في صنع القرارات الحياتية واتخاذها، فيسهمون في إعطاء دور لشريك الحياة في المشاركة والتفاعل مع ظروف العيش وسبله، التي تبدو موفقة، وتسير بقاطرة الزواج نحو المسلك السليم الذي يؤدي إلى حياة زوجية ناجحة وزاخرة بالرضا والسعادة.

إن التراجعات التي تحدث بين الزوجين على المستوى الجسمي أو النفسي أو الجنسي، وحدوث أمراض مزمنة كالضغط، والسكري، والقلب، وغيرها، أو حالة الطمث، وتوقف الدورة الشهرية عند المرأة وانعكاسها على ضعف الهرمونات وضعف الرغبة الجنسية عندها، أو الشعور بفتور العلاقة الزوجية، أو تقلب في المزاج، والشعور بالتوتر والقلق والخوف أحياناً من مشاكل الحياة الاجتماعية والعمل والأمور المالية، والانشغال بالبيت وهموم الأولاد، قد تحدث مشكلات وأزمات في منتصف العمر لدى البعض في هذه المرحلة، على الرغم من الوصول إلى سن الرشد والتعقل، إلا أن استثمار العقلانية والوعي والخبرة يحتم على الزوجين تدارك الأمور واستيعابها، والبحث عن سبل لتضييق الخناق على الاختلاف، والبحث عن القواسم المشتركة التي تضيق الهوة من خلال إيجاد حلول لها، مهما كان الأمر صعباً وشائكاً، فلا ينسى الطرفان الخبرات والذكريات والأحلام والطموحات التي عملوا عليها عبر سنين حياتهم.

أما الفصل الخامس، فيركز على مرحلة كبار السن والشيخوخة والعلاقة الزوجية.  يتطلب أن يكون سن الشيخوخة حكمة للكبار والصغار، ولا يعني بالضرورة الضعف والهوان وتلاشي القوة وتراجع الروح النفسية، بل حب العيش والسعادة فيه.  ينبغي أن تكون الشيخوخة اهتماماً بالذات على مستوى المظهر والأناقة الشخصية وترتيب النفس والمحافظة على نظافتها والقيام بشؤون الشخص وتحمل مسؤوليته على أكمل وجه، وبخاصة عندما يكون في حالة صحية وجسمية تعينه على تأدية أموره الحياتية. وأن يمتلك الشعور بالقوة النفسية والصلابة فيها والعزيمة والإرادة التي تحفزه لكي يكون اجتماعياً وتواصلياً مع القريبين منه، وأن يعطي مساحة لشريكة الحياة أن تكون كذلك في اهتمامها بنفسها وتمتعها بالصفاء الروحي والذهني، وأن تتركز حياتهم على تنمية ثقافة العيش والاستمتاع والرضا، ومواصلة شراكة العمر وإكمال مسيرتها وجولاتها وصولاتها بكل راحة واطمئنان، وألا يستسلم لليأس من الحياة، بل إن الصحة النفسية مردها شعور إيجابي وتفكير صاف يقود إلى حياة مستقرة بغض النظر عن التحديات والمنغصات التي قد تعترض سبيل حياتهم ومسارها.  على الرغم من قلة الممارسات الجنسية التي ربما تكون كل شهر أو شهرين أو ثلاثة شهور مرة، تزيد أو تنقص عن ذلك، فإن التقارب والحياة الوجدانية والعاطفية ومحبة الشريك والعيش معه بانسجام وشراكة حياة صادقة، تجلب المسرة والسعادة الغامرة للطرفين.

أخيراً، يتناول الفصل السادس المشكلات الزوجية التي تربك حياة الأزواج، ومن يعيشون في كنفهم وحاضرهم الاجتماعي، بداية من الصمت الزوجي وتلاشي الحديث والكلام، وجفاف العلاقة العاطفية، وكأن كل فرد يصوم عن التعبير عما بداخله، فيفقد الشغف والرغبة للبوح بكلامه وشجونه وهمومه للآخر، مروراً بالانفصال العاطفي، صحيح أنهما يتواجدان داخل بيت واحد، لكن كلاً منهما يعيش في عالم ينعزل به عن الآخر، فيحدث انفصال جسدي ونفسي، وللحفاظ على صورة الأسرة والأولاد ومكانتهم الاجتماعية، لا يفضلون البوح بالطلاق الذي لا رجعة فيه، مخافة أن يسمع بذلك أحد، أو يتعرضون للخسارات المعنوية والمادية.  ناهيك عن موضوع الخيانة الزوجية وما أثقلها تأثيراً ودماراً على الزوجين وأبنائهما والمحيطين بهما.  يتم اللجوء إلى الخيانة الزوجية، في بعد عن القيم الدينية والأخلاقية، لأسباب شخصية أو نفسية أو جنسية أو مادية، وقد تمت، في هذا الفصل، مناقشة الدوافع والطرق الملائمة للوقاية والعلاج من هذه المشكلة الشائكة والخطيرة.

ويسلط هذا الفصل الضوء، أيضاً، على مشكلة ضعف الانتصاب، وسرعة القذف، وعلى مفهومهما، والأعراض والأسباب الدافعة لذلك، وطرق الوقاية والعلاجات الملائمة لهذه التحديات والمشكلات التي تنغص حياة الأزواج، وتصبح ذات تأثير كبير عليهما؛ سواء على المستوى النفسي أو العلائقي.

***

د. أكرم عثمان

مستشار ومدرب دولي في التنمية البشرية

2025

في المثقف اليوم