قراءة في كتاب
مزهر جبر الساعدي: قراءة في كتاب الحرب للكاتب الامريكي بوب وود بورد (2)
(السياسات الدولية والاقليمية والعربية؛ تظل هناك في القنوات الخلفية)
يتناول الصحفي الامريكي المعروف والمخضرم، بوب وود ورد، في كتاب الحرب؛ الحرب الاجرامية على الشعب الفلسطيني في غزة، وعلى ترشح ترامب للانتخابات الرئاسية الامريكية. لكنه في الكتابة عن حرب الاجرام الاسرائيلية على غزة وعلى كل الشعب الفلسطيني؛ يجانب الحقيقة بصورة كاملة. اذ يقدم الضحية على انه هو الجلاد والمجرم، ويقدم اسرائيل او الشعب الاسرائيلي هو الضحية في طمس مقصود للإجرام الاسرائيلي، بحق الشعب الفلسطيني الذي يجاهد في الحصول على حقه الشرعي في العيش بكرامة وحرية في دولة تمثله وذات سيادة، كما في التالي وكما جاء في الكتاب بالمعنى وليس حرفيا:- لقد اصيب العالم المتقدم والشعب الاسرائيلي بذهول وهول لصدمة، ما حصل في جنوب اسرائيل في السابع من ت2، اكتوبر. فقد قامت حركة حماس والجهاد الاسلامي المدعومة من ايران او انها قريبة من ايران؛ بالهجوم على المستوطنات الاسرائيلية وعلى الاسرائيليين في هذه المستوطنات في عطلة عيد سيمحات تواره اليهودي، حيث يمارس الناس طقوس العيد. قتلت النساء والشباب وكبار السن، وقامتا بأعمال غير اخلاقية من قبيل الاغتصاب وما الى ذلك من جرائم. ثم يؤكد ان المخابرات الاسرائيلية اكدت لنتنياهو من ان حماس تعد لهجوم واسع على جنوب اسرائيل، لكنه لم يعر هذا الموضوع اية اهمية. هنا وفي هذه الفقرة الأخيرة؛ تثير لدى المتابع الشكوك حول دوافع حرب الاجرام الاسرائيلية على غزة في الذي يخص الدوافع الاسرائيلية بإجرامها هذا، واهدافها، ان لم اقل انها اهداف مبيته مسبقا، وهي كذلك لجهة الحقيقة التي تختفي وراء البواب المغلقة. المعلومات التي يسوقها كاتب الكتاب؛ تتعارض كليا مع واقع المذابح التي اقترفتها اسرائيل بحق غزة، شعبا وارضا وكل الحياة فيها، هذا من جهة اما من الجهة الثانية فهو اي الكاتب في ما قدمه من معلومات مضللة تماما، ومتعارضة مع كل ما يتناقله الاعلام، ومع كل التقارير الدولية، ومنها الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، وغيرهما، والاهم التناقض الكامل مع كل ما جرى ويجري من مذابح وحرائق يقوم بها الجيش الاسرائيلي بالأسلحة الفتاكة المصنوعة في المجمع الصناعي العسكري الامريكي. فقد تم عزل اسرائيل دوليا بسبب جرائمها هذه، تقريبا من كل دول العالم على الصعيد الرسمي، ومن كل شعوب المعمورة على الصعيد الشعبي. اراد المسؤولون الاسرائيليون بعد السابع من اكتوبر، تشرين الثاني؛ القيام بهجوم واسع على جنوب لبنان وتدمير كل مخزون السلاح لدى حزب الله، لكن امريكا وقفت بالضد من هذا التوجه؛ لأنها لا تريد توسعة الحرب اولا وثانيا ان هذا الهجوم لو قامت به اسرائيل في هذا التوقيت؛ فسوف يضر بها. المهم في النهاية تم ايقاف اسرائيل عن القيام بالهجوم على حزب الله في جنوب لبنان (في وقت كتابة هذا الكتاب ومن ثم اصداره، لكن الهجوم على جنوب لبنان من قبل الكيان الاسرائيلي حدث بعد سنة). الكيان الاسرائيلي قام من الجهة الثانية بحصار غزة ومنع عنها كل المساعدات من ماء وغذاء ومن كل ما له صلة بالحياة؛ لتجويع الشعب الفلسطيني في غزة حتى الموت. يحاول الامريكيون، الرئيس ووزير خارجيته اجبار اسرائيل على فتح المعابر لدخول المساعدات الانسانية، لكن المسؤولون الاسرائيليون يرفضون رفضا قاطعا هذا الطلب الامريكي. في الختام يقبل المسؤولون الاسرائيليون بإدخال المساعدات لكنها قليلة جدا، وبطيئة؛ لا تتجاوز عشرين شاحنة في اليوم. (انها كانت للأعلام اكثر منها لفعل حقيقي؛ حتى يظهر الرئيس الامريكي في زيارته الى تل ابيب من انه قد انجز شيئا، وقد زارها لاحقا بعد ايام). خلال الجولات المكوكية لوزير خارجية امريكا في العواصم العربية؛ عمان البحرين، القاهرة، دبي، الرياض؛ كان المسؤولون فيها ومن اعلى مسؤول في هذه العواصم العربية؛ اكدوا لوزير خارجية امريكا من انهم يريدون القضاء على حماس، إنما ليس في امكانهم بسبب الخوف من رد فعل شعوبهم؛ التصريح العلني بهذا. بعد اشهر من استمرار المذبحة الاسرائيلية في غزة، وفي زيارة وزير خارجية امريكا للرياض، (بالنص) حين سأل الوزير الامريكي ولي العهد السعودي؛ عن مسار التطبيع مع الكيان الاسرائيلي.. أجاب محمد بن سلمان:- أحتاج الى أمرين. أحتاج الى هدوء في غزة وأحتاج الى مسار سياسي واضح للفلسطينيين نحو الدولة. قال بلينكن: صاحب السمو الملكي، هناك كلمة في اسرائيل تقول انه عندما يتعلق الامر بالدولة الفلسطينية فأنك لا تعني ذلك فعليا، وأنك لا تريده حقا. انت تتحدث عنه فقط. لذا قل لي، ما هو الجواب؟ هنا كاتب هذه السطور يورد ما قاله ولي العهد السعودي في أجابته لوزير خارجية امريكا بالمعنى كاملا وليس بالنص الحرفي؛ ليس امر ما اريد بل ان الامر هو ما احتاج له. ان في السعودية اكثر من 70% من الشباب السعودي يتضامنون مع الفلسطينيين، بل انهم يناصرونهم نصا وروحا. لذا فانا لا استطيع ان اقوم بما لا يقبله السعوديون. قبل السابع من اكتوبر، ت2، كان السعوديون تقبلوا فكرة التطبيع، لكنهم تغيروا تماما بعد هذا التاريخ. كما ان السعودية هي زعيمة العالم الاسلامي الذي يرفض التطبيع مع الكيان الاسرائيلي من دون دولة للفلسطينيين. وزير خارجية امريكا يقول له لسوف انقل هذا الى نتنياهو عندما اصل الى تل ابيب. حين نقل الوزير الامريكي حرفيا ما سمعه من ولي العهد السعودي؛ انفرج اسارير نتنياهو، وصار اكثر انتباها وشدا لما قاله له الوزير. ليرد عليه؛ سوف نجد لها حلا ابداعيا. لا، يرد عليه الوزير الامريكي؛ انهم يريدون حلا موثوقا وحقيقيا وواقعيا. لأنك يقول الوزير لنتنياهو، سوف تتملص من اي التزام كما تملصت اسرائيل من الكثير من الالتزامات السابقة. حسنا سوف نجد لها حلا، يرد نتنياهو. قبل السابع من ت2، اكتوبر وصلت علمية التطبيع بين اسرائيل والسعودية الى مراحل متقدمة جدا، فقد تم الاتفاق على عقد لقاء بين سفير سعودي مع مسؤولين اسرائيليين في تل ابيب؛ لمناقشة علمية التطبيع بينهما، لكن الطوفان الاقصى او اسطورة الاقصى؛ اغلقت باب التطبيع ولو الى حين. اثناء كتابة هذه القراءة، صرح نتنياهو من انه سوف يعمل على عقد اتفاقات سلام جديدة مع دول المنطقة وبالتعاون مع امريكا. المناقشات بين المسؤولين السعوديين والامريكيين، لم تغلق؛ حول عقد اتفاقية حماية وتعاون عسكري بين السعودية وامريكا، لتحل محل اتفاقية الحماية بينهما والتي تم عقدها بينهما في السنوات الاخيرة من النصف الاول من القرن السابق. السعوديون يريدون اتفاق يتضمن كما هو موجود في الناتو أي الفقرة الخامسة والتي تلزم امريكا في الدفاع عن السعودية حين تتعرض للهجوم، اضافة الى نقل التكنولوجيات النووية للأغراض السلمية على ان تكون دورة الوقود النووي في السعودية. ينصح المسؤولون الامريكيون السعوديين بالتسريع في توقيع هذه الاتفاقية في أدارة بايدن الديمقراطية، حتى يضمنوا تمريرها في الكونجرس الامريكي. لكن الاتفاقية لم تنضج بعد على الرغم من جهود الجانبين الامريكي والسعودي في عملية انضاجها. في هذه الاوقات وفي تزامن مع الحوار السعودي الامريكي حول بنود اتفاقية الحماية والتعاون العسكري بينهما؛ تشن اسرائيل هجوما على مركز للحرس الثوري الايراني، يقتل فيه قائد بارز وصديق للمرشد الايراني. تتوتر الاوضاع بين ايران واسرائيل. تدخل امريكا على الخط للدفاع عن اسرائيل في وجه أي هجوم ايراني متوقع على اسرائيل. ترسل حاملة الطائرات مع سفن حربية امريكية اخرى لترابط في المتوسط على مقربة من اسرائيل، في عملية ردع لإيران. كما تجري في القنوات الخلفية حرارا مع ايران؛ لتبلغ ايران امريكا من انها لا تريد توسعة الحرب، لكنها سوف ترد، ويكون الرد مسيطر عليه، وعلى المواقع العسكرية حصرا. في تنقل مكوكي لوزير خارجية امريكا على العواصم العربية؛ يحصل فيها على تعهد عربي في فتح الاجواء امام امريكا لمواجهة الهجوم الايراني المرتقب، او للتصدي لمسيرات وصواريخ ايران، ليس هذا فقط، بل المشاركة في التصدي لها من قبل كل من الاردن والسعودية، وهذا هو ما حصل فعليا، حين هاجمت ايران اسرائيل بعدد كبير جدا من المسيرات والصواريخ، وقامت كل من السعودية والاردن باعتراض وتدمير اكثر من مئة صاروخ ومسيرة؛ يذكرها كاتب كتاب الحرب هذا. في لقاء جمع الرئيس الاماراتي مع ماكغورك، يقول له الرئيس الاماراتي وبالنص كما ورد في كتاب الحرب:- خذ وقتك في الانتقام، كن صبورا. انه نهج افضل الذهاب وتحطيم رفح لا يخدم مصلحة الاسرائيليين في الوقت الذي يمكنك فيه قتل السنوار. ان هذا يعني لجهة وجهة النظر الشخصية؛ ان فلسطين الشعب والارض والانسان والحرية والقضية تتعرض الآن لأبشع مؤامرة عليها، ليس من الكيان الاسرائيلي فقط ولا من امريكا المشاركة لكل جرائم اسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، بل من الانظمة الرسمية العربية وبالضد تماما من مواقف الشعوب العربية والتي هي وفي كل مراحل قضية فلسطين كانت الداعم الاساس لها، حتى ان أي نظام عربي حين يريد تجيش الشعب لأسناد نظامه واكتسابه الشرعية القانونية والشعبية؛ كان يحتمي بالخطابات الانشائية والرنانة، والتي تتمحور وتتركز؛ على ان نظامه؛ يدعم ويناضل من اجل فلسطين الشعب والقضية المصيرية ليس لفلسطين فقط، بل لكل الشعوب العربية واوطانها. قد يتبادر الى من يقرأ هذه القراءة المتواضعة لكتاب الحرب للكاتب الامريكي بوب وود ورد؛ بأن امريكا بايدن تعارض السياسة الاجرامية في ابادة الشعب الفلسطيني في غزة، من خلال ما اورده الكاتب الامريكي في كتابه هذا. اقول الاعتراضات الامريكية على سياسة نتنياهو الاجرامية في غزة وكل فلسطين، ليس دعما او حماية للمدنيين الفلسطينيين، بل هي في مصلحة اسرائيل النهائية، وهي دعما للكيان الاسرائيلي، وحفظ ماء وجه امريكا التي تدعي دوما وابدا من انها تدافع وتحمي حقوق الناس في كل مكان في المعمورة. لأن هذه الابادة قد عزلت اسرائيل حتى من الدول الغربية، فرنسا والمانيا وحتى بدرجة ما بريطانيا، وامريكا بايدن لا تريد لإسرائيل العزلة. امريكا بايدن على الرغم من كل الخلافات بين نتنياهو وبايدن في الذي يخص الحرب في غزة او الابادة الاسرائيلية للشعب الفلسطيني في غزة، وكما دجاء في كتاب الحرب هذا؛ ان امريكا واصلت ارسال الاسلحة والذخائر الى اسرائيل من دون توقف، بما فيها الذخيرة الثقيلة من ذوات الوزن الثقيل والتي تزن كل واحدة منها 2000رطل، ولها قدرة تدميرية هائلة. في لقاء جمع نتنياهو ووزير الخارجية الامريكي وزير الدفاع الامريكي في تل ابيب، سأل وزير الدفاع الامريكي نتنياهو ماذا تريد، وليرد عليه نتنياهو؛ اريد ثلاث؛ الذخيرة.. الذخيرة.. الذخيرة.. يقول له وزير الدفاع الامريكي في هذا الوقت ونحن هنا نتحدث؛ هبطت في مطار بن غوريون؛ طائرة شحن امريكية وهي تحمل الذخائر والاسلحة. بايدن كانت قد ربطته علاقة صداقة مع نتنياهو قبل اربعة عقود، حين كان سناتورا وعضوا في مجلس النواب، وكان نتنياهو نائبا للسفير الاسرائيلي في واشنطن، فهو على معرفة تامة بشخصية نتنياهو. يقول بايدن لأقرب مقربيه: نتنياهو سيء جدا، هو لايهتم بحماس هو يهتم فقط بنفسه. في مكان اخر في الكتاب يقول او يصف بايدن نتنياهو بانه مخادع وكذاب انه يكذب على الدوام. الرئيس الامريكي ومن وجهة النظر الشخصية وبالاعتماد على ما تم قرأته من سيرته، ومن تصريحاته ومواقفه سواء حين كان نائبا لأوباما او حين اصبح رئيسا، وحتى قبل الحالتين بعدة سنوات؛ ان الرئيس الامريكي اكثر صهيونية من الصهاينة انفسهم. ان هذا التوصيف، ينطبق بدرجات متفاوتة على جميع الرؤساء الامريكيين؛ لناحية الدعم الكامل ومشاركة الكاملة، للكيان الاسرائيلي في كل جرائم هذا الكيان خلال كل عمر هذا الكيان.. كتاب الحرب للكاتب الامريكي بوب وود ورد، كتاب مهم ومن المهم قرأته بفحص وتمعن عميقين، لأنه كتاب غني بالمعلومات وبالذات تلك التي تدور في القنوات الخلفية. يقع الكتاب ب 437صفحة من القطع الكبير. موجود الكترونيا ومجانيا على موقع النور.
***
مزهر جبر الساعدي