قراءة في كتاب

اسعد الامارة: عرض كتاب من الحكايات إلى المعجزات للدكتور فجر جودة النعيمي

"محاولة لفهم الاديان التوحيدية في ضوء علم الاجتماع الديني"

مقدمة: يقول سيجموند فرويد أدركت في وضوح متزايد أن أحداث التاريخ البشري والتفاعلات فيما بين الطبيعة البشرية، والنمو الثقافي ورواسب خبرات العصور الأولى " وأبرز مثل لها الديانة " إن هي إلا انعكاس للصراع الدينامي بين الذات، والهو، والذات العليا ذلك الصراع الذي يدرسه التحليل النفسي في الفرد – وأنها تكرار العمليات نفسها على نطاق أوسع، كما ذكر هذا النص في كتابه حياتي والتحليل النفسي (فرويد، 1957، ص 84)

هذا المنجز الثقافي العلمي التخصصي هو رحلة من النفس إلى المجتمع الأوسع في حياة الناس ومعتقداتهم التي تشكل سلوكهم اليومي في التعامل والاعتقاد وما يحمله الإنسان من تراكمات الماضي لكي يعيشها في الحاضر، سنجد في صفحات الكتاب القيم عرض مسهب للفكر الديني وفلسفته وتأثيره على المجتمع والمعتقدات التي تشكل سلوك الإنسان الرمزي، وهو ينقلنا لفكرة المحلل النفسي الفرنسي " جاك لاكان" وعدَ مجدد فكر فرويد باضافاته لموضوع اللغة عند الإنسان فاللغة وقوة تأثيرها في الإنسان المعاصر والتي يحملها في داخله قوة تأثير العقيدة الدينية فقول " لاكان" ان اللغة البشرية تتميز بأن الإرشادات التي تتكون منها تكتسب قيمتها، من علاقتها مع بعضها البعض، نحن هنا في المستوى الرمزي وتحديدًا في مستوى المعنى الذي لا يقتصر على الشيء المشار إليه، بل الذي يتوجه بالإشارة إلى معايير أخرى.

الدين وقيم المجتمع والعادات والمؤسسات والأعراف والمعايير والممارسات والطقوس والقواعد والتقاليد، وما إلى ذلك من أمور ثقافية مجتمعية تتشابك بصور عدة مع اللغة وهي تشكل النظام الرمزي عند " جاك لاكان".

يرى " الدكتور فجر جودة النعيمي" في مقدمة كتابه الموسوم من الحكايات إلى المعجزات..  "محاولة لفهم الاديان التوحيدية في ضوء علم الاجتماع الديني"2134 fajer

أنه لم يكن الاهتمام بالدين في ادبيات علم الاجتماع الكلاسيكي إلا اهتمامًا عرضيًا ضمن دراسة البنية الاجتماعية التي يشكل الدين أحد ركائزها، وكانت موضوعات مثل الثقافة، الجماعة، المجتمع، العائلة والتنشئة، التفاعل الاجتماعي، الجندر والجنس، السلطة والقوة والصراع، والانحراف والتحضر والتصنيع تأخذ الحيز الأكبر في ادبيات علم الاجتماع، وربما اضيف لها الدين باعتبار أنه أحد مكونات البناء الاجتماعي وجزء من الثقافة العامة للمجتمع، وبالفعل مفكرين كبار مثل فيورباخ وماركس اعتبروا الدين منتج ثقافي، وبالتحديد منتج من منتجات المجتمع الطبقي.

أحتوى الكتاب المتخصص في علم الاجتماع الديني عدة فصول حيث كان الفصل الأول علم الاجتماع الديني وضم الموضوعات التالية الدين والثقافة، النظريات المفسرة للدين، الاتجاه الانثروبولوجي، الرمزية، الظاهراتية، الوظيفية، الإتجاه النفسي.

أما الفصل الثاني فكان بعنوان العهد القديم وكانت موضوعاته سفر التكوين، وسفر الخروج، وسفر اللاويين، وسفر العدد، وسفر التثنية " الاستثناء"، وسفر يوشع بن نون، وسفر القضاة، وراعوث، وكتاب صموئيل الأول، وكتاب صموئيل الثاني، وكتاب الملوك الأول، وكتاب الملوك الثاني، وكتاب اخبار الأيام الأول، وكتاب اخبار الأياك الثاني، وعزرا، ونحميا، واستير، وأيوب، ومزامير، وسفر الأمثال، وسفر الجامعة، ونشيد سليمان أو نشيد الأنشاد إلى اشعيا وأرميا وحزقيال ودانيال وهوشع وسفر يوئيل وعاموس وعويديا ويونان وميخا وناحوم وحيقوق وصفنيا وحجي ثم زكريا وأخيرًا ملاخي واساطير العهد القديم في الميزان.

 أما الفصل الثالث وسماه المؤلف الدكتور فجر جودة النعيمي العهد الجديد فكانت موضوعاته هي الكتب المقدسة منها انجيل متَى، وانجيل مرقص، وانجيل لوقا، وانجيل يوحنا فضلا عن عن أعمال الرسل وهي رسالة بولس إلى الرومان، ورسالة بولس الأول إلى أهل كورنثوس، ورسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثوس، ورسالة بولس إلى أهل غلاطية، ورسالة بولس إلى أفسس، ثم رسالة بولس إلى فيلبي وعرض الكاتب أيضًا رسائل بولس إلى كولوس وإلى أهل تسالونيكي الأولى والثانية فضلا عن رسالته إلى تيموثاس الأولى والثانية، وكذلك رسالته إلى تيطس ثم رسالته إلى فليمون وإلى العبرانيين. وكذلك رسالة يعقوب ورسالة بطرس الأولى والثانية، فضلا عن رسالة يوحنا الأولى والثانية والثالثة ورسالة يهوذا، ورؤية القديس يوحنا اللاهوتي، وطرح المؤلف حيث يناقش المؤلف موضوع العهد الجديد في الميزان تواريخ تدوين الأناجيل الأربعة التي كتبت في فترة بعيدة نسبيًا عن غياب المسيح، وانها كتبت في مطلع القرن الثاني، وظلت متداولة شفاهًا طوال قرن ونصف تقريبًا، وانها في النهاية دُونت لتلبي حاجات الكنيسة.

أما الأناجيل القلاقة الأولى متَى ومرقص ولوقا متشابهة إلى حد كبير مع اختلافات نسبية في بدايات الاناجيل وفي نهاياتها وفي موقفهم من اليهود وفي اسلوب نقل الوقائع والاحداث، ولكن هذه الاختلافات لا يمكن التساهل فيها لأن الأناجيل دخلت فضاء المقدس وصارت كل كلمة فيها غير قابلة للشك، وبسبب عدم قابليتها للشك نمى الشك في نفوس مفكرين كبار مثل سبينوزا وكانط وبوكاي وجارودي، وصارو ينظرون للاختلافات بعين الريبة.

وفي الفصل الرابع حيث كان بعنوان الإسلام (القرآن والسنة) وناقش الموضوعات التالية القرآن والسنة، وموضوع المرجعيات الدينية، والجماعة المرجعية في علم الاجتماع ثم المرجعيات الدينية في العراق.

أما في الفصل الأخير " الخامس" فيطرح موضوع وهو مستقبل الدين، ويطرح أفكار متنوعة بشكل موضوعي ومحايد بقوله دعنا بتوصيف الدين أولًا، لنرى كيف استحوذ على عقول الناس منذ الأزل وإلى ما شاء الله ن ما هي الميزة التي جعلت الإنسان يخترق كل الحدود في الدفاع عن معتقداته؟ ما الذي يجعل دين الجماعة أقوى من دين الفرد؟ وهل تستحوذ العقائد الدينية أن تسفك من أجلها أنهارًا من الدماء وتترك لوعة في قلوب الأطفال والنساء والشيوخ الذين ذاقوا ويلات التعصب الديني والتحزب العقائدي ؟ كما يرى سام هاريس.

يعرض المؤلف فكرة بعض المعتدلين بقولهم انهم يلتزمون الحياد في الحكم على العقائد الأخرى، وان كل دين له اتباعه ولا ينبغي المساس بخصوصية المعتقد، ولكن في الممارسة يتغير الأمر، فالمسيحي الذي يعتقد انه الوحيد الذي سينجو يوم القيامة من العذاب ويدخل الجنة هو في الواقع لا يحترم العقائد الأخرى، والأمر ينسحب على العقائد الأخرى التي تمتلك نفس الاتجاه وتظن أن لهيب جهنم سيطال غيرهم، وأنهم يجمعون الأدلة على بطلان دعوى غيرهم من الأديان، والنتيجة أن العقائد المتنافسه تبدو متساوية في الانجاز ولا تجد فيها اعتدالًا إلا في الظاهر. ويقول المؤلف لا أجدني إلا أن اصدق هاريس الذي يزعم ان الاعتدال والحيادية هي حيل دفاعية تخفي خلفها ما تخفي، وإن التنافس والصراع سيبقى طالما هناك نوازع بشرية – جيوانية تستعمل الدين كوسيلة للعبث بالمعتقدات والناس معًا.

***

الاستاذ الدكتور اسعد شريف الامارة

علم النفس والتحليل النفسي

في المثقف اليوم