قراءة في كتاب

محمد محضار: قراءة في كتاب الأستاذة مالكة عسال

  "الكتابة النسائية بين التحدي والتردي"

الوقوف أمام التجربة الإبداعية والنقدية للكاتبة المغربية مالكة عسال يستدعي أولا التعريف بهذه القامة الأدبية التي لم تنل نصيبها من التقدير والاهتمام:

مالكة عسال من  مواليد 13/6/54  بمدينة  ابن  أحمد  إقليم  سطات، مارست مهنة التعليم، وهي قاصة وشاعرة وناقدة، اقتحمت عالم الكتابة متأخرة وبدلت مجهودا جبارا لتعوض السنوات المنفلتة من عمرها بعيدا عن سحر الإبداع وهوس الكتابة، وفي فترة وجيزة استطاعت أن تحقق ذاتها بل تتفوق عليها لتكسب حب العديد من القراء والمهتمين بالشأن الثقافي وأنا واحد من متتبعي مسارها الإبداعي عبر منتدى مطر وكذلك منتدى من المحيط إلى الخليج، حيث سجلت حضورا متوهجا سواء على مستوى الكتابة الإبداعية أو النقدية.

من مؤلفات الأستاذة مالكة عسال نذكر:

“مدن تحت المجهر ” مجموعة قصصية

ــ”  فراديس   منفلتة ” مجموعة قصصية

ــ لطيف المقال في الأدب والترحال

ــ الكتابة النسائية المغربية  بين التحدي والتردي

ـــ  الترميز في الشعر العربي الحداثي

ـــالشعر الحداثي وإشكالية التنظير

وسنركز في هذه القراءة الموجزة على منجزها النقدي: " الكتابة النسائية بين التحدي والتردي، الصادر سنة 2020م بالدر البيضاء مطبعة القرويين، يقع هذا الكتاب في حوالي تسعين صفحة، ويتضمن مدخلا هو عبارة عن سؤال: " ما هو الإبداع وما هي الكتابة كتعبير إبداعي ؟؟ " ثم لائحة بأسماء عدد من الكاتبات المغربية، في حين تم تخصيص الحيز الأكبر من الكتاب لنماذج إبداعية نسائية، تهم على التوالي:

-الأستاذة مريم بن بخثة

-الأديبة ثريا لهراري الوزاني

-الأديبة زينب سعيد

-الأديبة مليكة رتنان

قبل الولوج لمتن الكتاب لابد من المرور عبر عتبته أو عتباته، والغلاف هو أول ما يجذب انتباهنا في هذه العتبات، حيث تتوسطه لوحة فنية تشكيلية لمحمد لعروصي، تتضمن أشكالا متداخلة تمتزج فيها ألوان حارة (الأحمر والأصفر والبرتقالي) وألوان باردة (الأخضر والأزرق والبنفسجي) والأكيد أن لكل لون دلالة نفسية معينة، وتنكشف هذه الأشكال عن وجوه نسائية ثلاثة، بعيون تختلف زوايا النظر عندها في إشارة لاختلاف وجهات النظر وتعدد الرؤى، الأكيد أن لكل لون دلالة نفسية معينة، وتدل على معنى واضح، فاللون الأحمر يرتبط بلون الدم وهو من الألوان الجريئة التي تعبر عن التضحية، أما الأصفر فهو لون الشمس ويرمز للدفء والطاقة والحيوية ومزيج من التميز والقوة، ويرمز اللون الأزرق إلى السقم بسبب تلون الكدمات بلونه، ولكنه أيضا لون السماء الجميل الصافي ولون البحر، وهو يدل على الهدوء والرقة والطمأنينة.  أما البنفسجي فينسب إلى زهرة البنفسج وهو ناتج عن خلط اللونين الأحمر والأزرق، وهو لون يشعر بالخيال والرومانسية وتدفق الأفكار .

أعطى علم السيميولوجيا أهمية كبرى للعنوان إذ اعتبرته أساسيا في مقاربة النص الأدبي، وبوابة لِدخول أغوار النص، واستنطاقه. واعتبره  شولز:”خالق النص الأدبي ومانحه الهوية"1، إن العناوين تكون دائما مخاتلة وحمالة أوجه، وعنوان الكتاب الموسوم ب " الكتابة النسائية بين التحدي والتردي" يجبرنا على التوقف لحظة أمام دلالته ومحاولة استنطاقها لفهم الحمولة العميقة التي تواجهنا من خلال ثنائية التحدي/التردي باعتبارها بمثابة سؤال يرفع في وجه الكتابة النسائية، وقبل الإجابة على هذا السؤال لا بد من طرح  سؤال قبلي وهو هل هناك كتابة نسائية وأخرى رجالية؟ هذا ما أجابت عنه الكاتبة في مدخل" ما هو الأبداع وماهي الكتابة كتعبير إبداعي"  تقول مالكة عسال: "والإبداع حكر على الجنسين معا ذكورا وإناثا دون استثناء بمفهوم آخر هو قوة أو موهبة يبزغ لهيبها في أفق التجربة انطلاقا من أوضاع القلق والمعاناة التي يعيشها المبدع أو المبدعة، ترتكز على تشابه المشاعر والخبرة الفنية والجمالية، وتشغيل المخيلة كعناصر مشتركة بين الجنسين، خلافا لما يلهج به البعض في أن الكتابة النسائية لها خصوصيات تميزها عن الكتابة الذكورية، تعود إلى إفراط الحساسية لدى المرأة وتأجج عاطفتها ورهافة حسها"2

وتخلص فيما بعد الكاتبة مالكة عسال، إلى أن هناك قواسم مشتركة بين الرجل والمرأة على مستوى التفكير والإحساس والتخييل يتم توظيفها من طرف الرجل والمرأة معا في إبداعاتهما من مختلف الأجناس، وبالتالي ترى أنّ الجوانب الفيزيولوجية ونوعية الجنس لا تأثير له على المنتوج الأدبي والفني.

كما أن الكاتبة عملت على تقديم أنطولوجيا خاصة بالمبدعات المغربيات سواء كن رائدات أو من الأجيال اللاحقة وقد حرصت على أن تكون لائحة المبدعات شافية ضافية، فهي تضم أسماء لكاتبات بصمن على مسارات إبداعية وأكاديمية مميزة  كمليكة الفاسي وخناثة بنونة ومالكة العاصمي ورفيقة الطبيعة وفاطمة المرنيسي، وأيضا أسماء لكاتبات لم ينلن حظهن من الانتشار كمريم بن بخثة وصفية أكطاي وخديجة رتنان، نبيلة حماني والسعدية حسمي.

واختارت الكاتبة في الجزء الثاني من كتابها أن تختص أربع كاتبات هن على التوالي:

-الأستاذة مريم بن بخثة

-الأديبة ثريا لهراري الوزاني

-الأديبة زينب سعيد

-الأديبة  مليكة رتنان

بقراءات قيمة، كشفت من خلالها الأستاذة مالكة عسال عن علو كعبها في مجال النقد الأدبي إذ كانت دراساتها لتجربة الكاتبات الأربع مبنية على أسس نقدية توظف مناهج تعتمد على التحليل والتفسير ثم التقييم، ومتسلحة بأدوات نقدية

لمقاربة الخطاب الأدبي للكشف عن العلاقات  الدلالية التي تجمع أطراف النص  ومتوالياته، (الأضداد، التقابل، التفصيل ...) وكذلك لاستكشاف مدى التزام الكاتب بالعناصر الواجب توفرها في أي منجز إبداعي وهي: العاطفة والخيال والأسلوب والمعنى، علما بأن الأجناس الأدبية قد تختلف في حدود توظيف العناصر المومأ إليه سابقا، فالشعر يركز على الخيال متوسلا بالصور الشعرية سواء مفردة أو مركبة، أو كلية، وبالاعتماد على أدوات هي: الاستعارة التشبيه والكناية. في حين نجد أن الجنس السردي  يركز على السياق اللغوي والبلاغي، وهذا راعته الكاتبة وهي تقارب كِتابات الأديبات المشار إليهن سابقا.

وقد اعتمدت الكاتبة في بحثها على مجموعة من المراجع القيمة وهي كالتالي:

المرأة ضد المرأة مجلة إبداع العدد5مايو 1995م بقلم نعمات البحراوي

المرأة والإبداع التشكلات الدلالية للحرية والاحتجاج في نصوص مغربية قديمة  للناقد المغربي عبد الرحمن التمارة

كتاب المرأة والجنس للدكتورة نوال السعداوي

المرأة والإبداع  موقع الحوار المتمدن بقلم الدكتور محمد برادة

***

محمد محضار

...........................

1- ألزميت بلقاسم  السيميوطيقا وحدود التفضية في الشعر العربي

2- الكتابة النسائية بين التحدي والتردي ص 3

في المثقف اليوم