قراءة في كتاب

رشيد الخيّون: «فلسفتنا».. أول النَّقائض والرّدود

بعد نشر كتاب «فلسفتنا» بطبعته الثّانية (1969 - 1970)، ردَّ عليه الكاتب النّجفيّ مهدي النجار، في مجلة «الثقافة» بعنوان «مناقشة في كتاب فلسفتنا» (العدد الأول/ السّنة الثالثة 1973)، ومجلة «الثقافة» مجلة مستقلة أسسها ببغداد (1971) الأكاديمي والمؤلف العراقيّ صلاح خالص (1925 - 1987)، وزوجته المصرية العراقيّة سعاد محمّد خضر (ت: 2023). كان لـ«الثقافة» دورٌ في النهوض التّنويري بالعراق، خلال عقد السبعينيات، واستمرت بين صدور وتوقف في عقد الثمانينيات، حتّى توقفت نهائياً (1988)، فحينها الوضع الثقافي العراقيّ العام أخذ بالانحدار، حتَّى تدهور كليةً بتضافر القسوة والحصار والحملة الإيمانيّة الكبرى، في عقد التّسعينيات.

خطَّأ كاتب النقض الصّدر لتقسيمه المذاهب الإنسانية الفكرية إلى أربعة في «فلسفتنا»: الرأسمالية، والاشتراكية، والشُّيوعية، والإسلامية. بينما المذاهب السائدة هي اقتصادية، ولكلَّ منها مذهب فلسفي، وقوانين اجتماعيّة خاصة بها، فلو سلمنا- والقول للنجار- بما جاء في «فلسفتنا»، فلابد من الاعتراف بنظام مسيحيّ، ونظام يهودي، ونظام بوذي مثلاً. كذلك قال النّجار: الإسلام دين التّوحيد، مقابل العقائد الوثنية، فيه مفاهيم عن الحياة والكون والإنسان، ومنها تتشكل فلسفته، وليس نظاماً اقتصاديَّاً.

أمّا النّظام الاقتصاديّ الذي ظهر وعاش فيه الإسلام، فهو نظام آخر، فيه علاقات اقتصادية اجتماعيّة، ولم يكن النّظام الاقتصادي الكامل أو الرّائع، الذي تحدث عنه الصّدر في كتابه «فلسفتنا»، في الفترة الأولى مِن الإسلام، النّبوية والراشدية، ويريد تطبيقه اليوم. ثُمَّ يذهب مهدي النّجار إلى القول: إنَّ التاريخ، بعد تلك الفترة، صار مشحونا بالصراعات والثورات والانتفاضات، وعهوده كأي عهد في تلك القرون.

كذلك أخذ النّجار على الصّدر خلطه بين الفلسفة اللاهوتيّة والفلسفة الدّينية التوحيديَّة، والتي سماها (الصّدر) «الوحيويّة»، نحتاً مِن لفظ «الوحي»، فعلى الرَّغم من -والقول للنجار- توافق الفلسفتين الاعتقاد بالألوهية، إلا أنَّ الفلسفة اللاهوتيَّة لا تشترط الاعتقاد بالأديان الروحية، والوحي، فهي تحتوي على الماديات والمثاليات.

أمَّا الفلسفة الدّينيّة، فتعتمد وتقرُّ بالوحي، كأساس وجوهر في اعتقادها، وتتبنى ما في الكُتب المقدسة مِن تفاصيل وعقائد، وفي حال تخليها عن النصوص والاعتقاد بالأنبياء والأولياء ينتفي وجودها. أتى النّجار بمثال حي، وهو لا يمكن إضافة أو اعتبار آراء وأفكار ابن رُشد (ت: 595 هجرية) فلسفة دينيّة إسلاميّة، فأفكاره متأثرة بشروحه لفلسفة أرسطو، وكذلك الحال بالنسبة لبقية الفلاسفة المسلمين.

بعد ذلك أتى النّجار على نقض ما يخص نظرية المعرفة، وإذ ذكر الصّدر المعارف الضرورية أو البدهية، والمعارف العقلية، وهو يتحدث عن الفلسفة الإسلامية، بما يمثل الدين جوهرها، في فلسفتنا، لكنه أغفل المعرفة عن طريق الوحي، والتي تعتبر الأساس في المعارف، لما سماه الصدر بـ(الوحيويَّة)؛ «لأنَّ العلم الحقيقي في نظر القرآن هو العِلم بعالم الغيب، وترتبط هذه أساساً بالقين والإيمان».

ثم يرد على انتقاد الصّدر للفلسفة الديالكتيكية، لحصرها المعرفة البشرية بالعقل والحواس، لأنَّ النَّاس لا يمكنهم الحصول على المعارف إلا بالتعلم والتربية، عبر تجاربهم وأحاسيسهم، وبالتالي من وسطهم الاجتماعي، والتخيل وغيره، الذي يبدو من خارج المحيط والتجربة، فهذا لم ينفصل، بشكل مِن الأشكال عن المنتج العقليّ للإنسان، بما في ذلك الأحلام.

بعد ذلك اعتبر النّجار ما ورد في «فلسفتنا»، أو جانبٌ منه: «أكل الدَّهر عليه وشرب، كتمثيله بالنَّجار والخشب، على أنَّ النَّجار العلة الفاعلة، ثم تطبيق ذلك على تفسير وجود الكون، والكلُّ يعرف أنَّ النّجار صنع الكرسي مِن مادة، وليس من العدم، معتمداً في صناعته على تجارب سبقته، وبعد إتمام صناعته سيتخلى عما صنع لغيره، فلا يصح هذا، على صانع الكون، وهو الله. لذا، اعتبر النّجار هذا المثال «تطبيقاً تعسفياً وساذجاً، عندما يعتبرها مفارقة فلسفيَّة». هذا، وقد شغل رد النّجار مِن المجلة (19) صفحة.

***

رشيد الخيّون - كاتب عراقي

 

في المثقف اليوم