قراءة في كتاب
محمد الورداشي: قراءة في كتاب "سرديات معاصرة" للحسين أيت باها
على سبيل التقديم:
يندرج الكتاب ضمن النقد الأدبي المعاصر، وقد صدر عن جامعة المبدعين المغاربة في طبعته الأولى 2021، من الحجم المتوسط في 130 صفحة. وموضوعه مقاربة السرد المغربي المعاصر خلال بداية الألفية الثانية، في إطار مساءلة المناهج النقدية التي وظفها النقد المغربي منذ مرحلة ثمانينات القرن العشرين. وقد أشار في مقدمة دراسته إلى أنه اعتمد منهجا موضوعيا متكاملا "تمثل في المقاربة الشاملة للرواية، فتحددت الدراسة مع (الانطباعية والموضوعية ونظرية التلقي)، كمحاولة للانفتاح على المناهج النقدية الغربية الحديثة"(1).
وهكذا، جاءت قضايا الكتاب وفق الآتي:
استهل الباحث دراسته بتحديدات منهجية تطرق فيها إلى الرواية والتعدد المنهجي والخلط المفاهيمي؛ إذ أرجع التعدد المفاهيمي والخلط المنهجي إلى الترجمات المتعددة دون أن يشير إلى اختلاف مرجعيات المترجمين اللغوية والمعرفية..إلخ، ثم إلى عدم فهم الرؤية المنهجية على حد قوله، فيما "تكمن مشكلة الرواية في أنه يتداخل فيها ما هو ذاتي بما هو موضوعي"(2).
ومن هنا، حديثه عن مناهج الدراسة الأدبية بين التكامل والتعارض، حيث أشار إلى أن توظيف مناهج مختلفة لدراسة أثر أدبي يترتب عنه "تعارض المناهج"(3)، ومن ثم اختلاف في النتائج المتوصل إليها. وفي هذا السياق، يغفل الباحث الأسس المعرفية للمنهج المتكامل الذي لا يعني، بالضرورة، تكديس وتنضيد مناهج نقدية مختلفة دون إيجاد وخلق العلائق والروابط الإبستيمولوجية التي تجمع وتفرق بينها في الآن. فضلا عن كونه يناقض كلامه في المقدمة حيث إن "كتاب الرواية باحثون أيضا في علم التاريخ والمجتمع والنفس وغيرها من المجالات"(4)؛ لأن تعدد مصادر وروافد الروائيين ينتج عنه تعدد في المناهج والمنظورات النقدية تليقا ونقدا.
كما أنه عرض لمحة تاريخية مختزلة لبداية السرد التاريخي والروائي في المغرب، علاوة على الشروط الموضوعية للتجربة الروائية بالمغرب، والتي حددها في: شرط الذات، وشرط البيئة، وشرط الحرية، وشرط تطور الأفكار والتأثر بالغرب ، وشرط الخيال. ثم بعده، حاول تقديم قراءة في التجربة النقدية لسعيد يقطين، مركزا على كتبه التالية: "تحليل الخطاب الروائي (الزمن- السرد- التبئير)"، و"قال الراوي"، و"القراءة والتجربة"، و"انفتاح النص الروائي: النص والسياق".
ومن ثم نصل إلى فصول الدراسة...
فأما الفصل الأول المعنون ب "الانطباعية في السرد المغربي المعاصر"، فقد أشار فيه إلى ما يَصطلح عليه ب" المنهج الموضوعي المتكامل"، وقد سبق له أن حدد منهج قراءاته "ضمن ما يصطلح عليه بالنقد الانطباعي"(5) الذي يجازف الباحث في القول إنه المنهج "الوحيد الذي سلم من العيوب والانتقادات"(6)، وهذا الحكم محط نقاش وجدال مستمرين؛ ذلك لكون المنهج الانطباعي قد أُخذَ ب:
- "محاربة القواعد العلمية والمعايير النقدية الأكاديمية، والانتصار للذوق الذاتي الذي يشكل مركز الدائرة النقدية الانطباعية،
- الإفراط في استحسان النصوص أو استهجانها، على السواء، أي ما يسميه جابر عصفور بثنائية (الحب والكره) التي يتوسل بها الناقد الانطباعي جاعلا من حالاته المزاجية معيارا نقديا متقلبا... الذوبان في النصوص المعجب بها والتماهي في أصحابها،
- العدول عن النصوص المدروسة إلى أجواء نائية من الهوامش والخواطر والذكريات الذاتية، والتطويح بالقارئ في هذه الفضاءات القصية؛ إذ غالبا ما تحمل الناقد موجة تأثراته الذاتية بعيدا عن النص، لتلقي به في لجة عواطفه الخاصة،
- الإسراف في استعمال اللغة الإنشائية الشاعرية التي يطغى عليها ضمير المفرد المتكلم (أنا)، وصيغة (أفعل التفضيل) وسائر الأساليب الانفعالية"(7). بيد أن الباحث لم يتطرق إلى هذه السمات التي تعد نقطة ضعف في النقد الانطباعي الذي وجد له مدافعين منافحين في النقد الغربي (سانت بوف على سبيل المثال لا الحصر) والنقد العربي (محمد مندور على سبيل التمثيل). كما أن الباحث يشير إلى تجربته الشخصية في تطبيق المنهج الانطباعي على "روايات ومجاميع قصصية أرخت بظلها على عصرنا الحالي"(8)، ذاهبا إلى كون "المنهج التأثري هو السبيل الوحيد لدراستها والتعريف بها"(9)، وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل: ما الدافع وراء هذه الوثوقية؟ ما المعايير الفنية والدلالية التي استند عليها في إقراره هذا؟ أم أن المتن لم يكتب إلا ليدرس انطباعا وحسب؟
وفي مساق حديثه عن التجريب في رواية "عين الفرس" للميلودي شغموم، لم يتطرق الباحث إلى التجريب في الكتابة الفنية الروائية، وإنما ركز على المحتوى وما يتضمنه من موضوعات اجتماعية (الجوع، الاستبداد، الهجرة...) دون تركيز واهتمام بالتجريب في الشكل الروائي.
كما أننا نسجل تناقضا آخر في الدراسة؛ إذ أشار في الصفحة 31 إلى أن النقد الانطباعي هو الوحيد الذي سلم من العيوب والانتقادات، ليخلص فيما بعد إلى القول "بأن الدراسة الانطباعية لم تحقق أي جديد"(10)، وفي الإحالة رقم 49، يقول "وبهذا نساير رأي الأستاذ سعيد يقطين بأن الدراسة الانطباعية تسيء للعمل الأدبي"(11)، وهنا يبرز تناقض الباحث مع نفسه، الشيء الذي ترتب عنه خلط في المعلومات يوحي بانعدام أرضية معرفية صلبة ينطلق منها الباحث؛ لأن لكل منهج أسسَه ومصادرَه المعرفية، ومفاهيمَه وأدواتِه الإجرائيةَ.
أما الفصل الثاني المتعلق بالسرد المغربي ورهانات الكتابة، فإن ثمة مؤاخذة نسجلها على الباحث؛ حيث أشار في الإحالة 52 من الصفحة 52 إلى كون مصطفى حجازي باحثا مصريا في علوم الاجتماع، وهنا خطأ معرفي؛ لأن حجازي عالم نفساني لبناني.
وفي هذا الفصل، تناول الباحث الموضوعاتية في السرد المغربي، وذلك من خلال قراءاته في أعمال إبداعية مختلفة، نلاحظ فيها تركيزا مفرطا على المحتوى وموضوعاته الاجتماعية أكثر من الاهتمام بالمستوى الفني الجمالية؛ فهو يقدم انطباعات تعد انعكاسا لنفسيته كما تفاعلت مع المقروء، وهذه قراءة انطباعية، لكن إشارته، في المقدمة، للمنهج الموضوعي المتكامل تبين غياب هذا المنهج الذي طغت عليه القراءة الانطباعية التيماتية.
على أن الفصل الثالث المعنون ب" جمالية التلقي في السرد المغربي المعاصر" انصب على تجربة عبد الكريم الجويطي وطارق بكاري، ليختم دراسته بخلاصات حول ما توصل إليه في دراسته وتحليله للمتن الذي حدده في المغرب جغرافيا، وفي بداية الألفية الثانية زمانيا.
على سبيل الختم:
نخلص من قراءتنا للدراسة إلى:
- عدم تطرق الباحث إلى الأصول والجذور المعرفية للمناهج التي قال بالاعتماد عليها، لا عند الغربيين ولا العرب، نستثني من ذلك إشارةً طفيفةً ترجع نظرية التلقي إلى ياوس وآيزر، فضلا عن عدم نقد هذه المناهج نقدا علميا شاملا وعميقا لجذورها ومفاهيمها وأدواتها الإجرائية قبل إصدار حكم نقدي حوله لا يستند لأي دلائل وبراهين صلبة ومدعمة بالأمثلة والشواهد،
- إغفال مآزق المنهج المتكامل المعرفية والإجرائية،
- الارتكان إلى بعض المراجع دون محاولة نقدها وتطويرها (مراجع سعيد يقطين خاصة)،
- غياب إشكالية محددة ومؤطرة للدراسة، فلم يشر الباحث إلى الإشكالية والتساؤلات المنطلق منها،
- اعتماد التعابير الذاتية بكثرة، ونمثل لذلك ب: "وقد جمعتها بحسب اهتماماتي وتصوري المنهجي"، و" بعد كتابي"، و"أقر، و"ما لامسته شخصيا" و"فإنني لا أعلم أين أبدأ وأين أنتهي"، و"وقد ارتأيت استحضار"..إلخ.
***
محمد الورداشي
.....................
- الإحالات والهوامش:
(1) الحسين أيت باها: سرديات معاصرة، جامعة المبدعين المغاربة، ط1: 2021، ص9
(2) ن م ص12.
(3) ن م ص13
(4) ن م ص 12
(5) ن م ص31
(6) ن م ص31
(7) عبد الحميد هيمة: الخطاب النقدي بين النقل والتأصيل من خلال كتاب: حداثة النص الشعري في المملكة العربية السعودية للدكتور عبد الله الفيفي"، مجلد مقاليد العدد الثاني، ديسمبر 2012، ص43
(8) سرديات معاصرة ص32
(9) ن م ص32
(10) ن م ص47
(11) ن م ص47