قراءة في كتاب
معاذ محمد رمضان: مع الأستاذ نوفل السلماني في كتابه عن العقيد سعيد صليبي
كتب الأستاذ نوفل خليف أسود السلماني كتاباً بعنوان "سعيد صليبي ودوره في تاريخ العراق المعاصر" دار البيارق للنشر والتوزيع بغداد ودار الآداب للنشر والتوزيع بغداد ط1 2019، وهو في الأصل رسالة أكاديمية تحت اشراف الدكتور كهلان كاظم حلمي.
قَسّم الباحث كتابه الى مقدمة وأربعة فصول وخاتمة، تناول في الفصل الأول"الحياة الإجتماعية لسعيد صليبي": نسبه ـ ولادته وعائلته ـ صفاته ـ تعليمه المدني والعسكري ـ المناصب العسكرية التي تقلّدها ـ توجهاته الفكرية ـ هواياته ـ ثم مرضه ووفاته. وتناول في الفصل الثاني "المواقف العربية والوطنية لسعيد صليبي 1948 ـ 1963": مشاركة صليبي في الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948 ـ حركة الضباط الأحرار وانضمام صليبي اليها ـ دور سعيد صليبي في ثورة 14 تموز 1958. وكان الفصل الثالث "سعيد صليبي ودوره في عهد الرئيس عبد السلام عارف": مشاركة صليبي في انقلاب 8 شباط ـ دور صليبي في حركة 18 تشرين الثاني ـ دور صليبي في الحراك السياسي بعد 18 تشرين الثاني وحتى أيلول1965 ـ دور صليبي في افشال انقلاب عارف عبد الرزاق ـ علاقة صليبي مع عبد السلام عارف من 15 أيلول حتى 13 نيسان 1966. اما الفصل الرابع والأخير فقد كان "دور صليبي في عهد الرئيس عبد الرحمن عارف": دور صليبي في انتخاب عارف الثاني بعد مقتل الأول ـ دوره في التطورات السياسية من 16 نيسان 1966 الى 17 تموز 1968 ـ موقف صليبي من انقلاب 17 تموز.
تنوعت مصادر الباحث: وثائق منشورة وغير منشورة، كتب عربية وأجنبية، رسائل وأطاريح جامعية، مقابلات مع أفراد من عائلة سعيد صليبي وبعض الشخصيات التي عاصرته وعرفته...
عُرف صليبي بالعفة والنزاهة، وقد أورد السلماني رواية مُشابهة تقريباً لما رُوي عن الزعيم عبد الكريم قاسم في هذا المجال. فقد رفض طلب أخته الوحيدة بأن يعطيها بيتاً في اليرموك عندما كان مُشرفاً على توزيعها بين الضباط ص33. وفي رواية مثيرة للاستغراب أن صليبي كان يُحاسب الضابط والجندي المقصر مع والديه ص38.
كان لصليبي دور في انقلاب 8 شباط 1963، اذ كان قائداً لإحدى كتائب الدبابات، فوقع أحد أعمدة الكهرباء على رأسه عندما كان هو على رأس الدبابة، وهذا ما جعله يخضع لعلاج مستمر ص66، وكانت نهايته بجلطة قلبية كما أشارت وثيقة الوفاة سنة 1969، وقد استبعد السلماني استناداً لعائلة صليبي موت الأخير بالسم من قِبل سلطة البعث ص69.
كان لصليبي دور كبير في العهد العارفي، اذ كان فاعلاً في أحداث 18 تشرين الثاني 1963 والعقل المخطط فيها ص131 و 137، وله دور في تشكيل المجلس الوطني لقيادة الثورة 1964 ص143 و 144، ويُمثّل صليبي حلقة الوصل بين عبد السلام عارف وكتل الجيش ص147، وأجهز بدهاء وقوة على انقلاب عارف عبد الرزاق الأول ص159. أما في عهد عبد الرحمن عارف، فقد كان لصليبي الدور الحاسم في تنصيبه رئيساً للجمهورية. قال صليبي لعبد الرحمن البزاز مهدداً:
اننا نغير الدستور ونأتي بآخر بديلاً عنه، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتولّى رئاسة الجمهورية أنت أو غيرك من المدنيين، وانما يجب أن يتولاها عسكري وهو عبد الرحمن عارف ص190.
لا جدال في أهمية الكتاب والشخصية المرصودة، وجُهد الباحث الأستاذ السلماني لا يُنكر بكل تأكيد، ولكن لنا عليه ما يلي:
لم نَرَ موضعاً واحداً في الكتاب تناول فيه الباحث شخصيته المدروسة بالنقد! وهذا أمر مثير للعجب والإستغراب، خصوصاً أن الكتاب في الأصل رسالة أكاديمية! فعلاقته مع عبد السلام عارف والتي مرت بشيء من عدم الثقة، وعلمه المبكر بانقلاب عارف عبد الرزاق، وقد اعطى صليبي لعبد الرزاق مهلة ثلاثة أشهر لتسوية الأمر مع عارف، فإن لم يُسوّى فسينضم صليبي للإنقلاب ص153. ودوره المذكور أعلاه في تنصيب عبد الرحمن عارف وتهديد عبد الرحمن البزّاز يعني أن صليبي قد قام بقبر قيادة المدنيين الفتية للسلطة التي حاولها البزاز جاهداً ولم يُفلح. ثم ان صليبي كان شديد التذمر من ضعف وتردد عبد الرحمن عارف ص202. السؤال المُلح الآن: هل خفي ضعف عارف على صليبي عندما وضعه على رأس الدولة؟ أم أنها كانت عملية مقصودة تهدف الى السيطرة عليه ـ عارف ـ ليخلو الجو لصليبي وجماعته من الضباط؟ خصوصاً أن منافسه القوي عبد العزيز العقيلي وزير الدفاع لم يحصل الا على صوت واحد وهو صوته فقط ص187، العقيلي هذا الرجل القوي الذي "لو" وصل لرئاسة الجمهورية لتغير الوضع على الأرجح. وماذا عن عبد الرزاق النايف وابراهيم الداوود، هذان الرجلان الذين جاء بهما صليبي نفسه وجعلهما في مواقعهما الحساسة في الجيش ليُحكم سيطرته على الخيوط التي يُمسك بها داخل الجيش ص201. فكيف يمكن أن نمر مرور الكرام على هذه الحقائق بعيداً عن النظرة النقدية!.
وفي نصٍ يُفصح عن تحكّم العاطفة بالباحث بعيداً عن الصرامة العلمية:
ويبدو أن سعيد صليبي قد تعب من كثرة الصراعات وان مرضه بدأ يضغط عليه بشكل أكبر، فضلاً عن أن عبد الرحمن عارف أصبح يمثل عبأً حقيقياً لاتباعه ولا سيما سعيد صليبي ص206.
ذكر الباحث ذلك بعد أن تحدث عن دعوة صليبي لعدد من الشخصيات للتباحث في التغيير المرتقب في الحكومة، ومن الشخصيات المدعوة: أحمد حسن البكر وابراهيم الداوود وعبد الرزاق النايف وحردان التكريتي. وان صليبي طلب من البكر والداوود الإنفراد والتفاهم ص205.
فهل من المعقول أن يبقى صليبي بمنأىً عن النقد بعد كل هذا؟!
ما ذكرناه مجرد ملحوظات نقدية سريعة وعابرة، ولم يكن الإسهاب مقصدنا بكل تأكيد.
***
بقلم: معاذ محمد رمضان