قراءة في كتاب
علي حمدان الرئيسي: لي يبي سيرة ذاتية حول التحولات في البانيا
كتاب ليا يبي Lea YPI "حرية البلوغ في نهاية التاريخ"، (FREE Coming of Age at End of (History وهي مناقشة مهمة وممتعة وذكية لمفهوم الحرية واهميتها في العصر الحديث. تستكشف يبي، الفيلسوفة والمحاضرة في مدرسة لندن للاقتصاد، عالم السياسة والمجتمع وقدرة الفرد، مقدمة نظرة جديدة على التحديات والإمكانيات المتاحة امامنا.
يبدا الكتاب باستشراف مفهوم الحرية نفسه، ويستند الى مختلف النظريات الفلسفية والسياسية لرسم صورة شاملة. تنتقل يبي ببراعة من خلال تفسيرات مختلفة للحرية، بما في ذلك الحرية السلبية والحرية الإيجابية، موضحة إيجابيتها وسلبيتها في فهم السياق الحديث، من خلال امثلة تاريخية وقضايا معاصرة. توضح يبي بفعالية كيف تطورت الحرية وتستمر في تشكيل فهمنا للصراعات السياسية والاجتماعية.
تبرز قوة الكتاب في قدرته على ربط النظريات بالتطبيق العملي، تربط ببراعة المفاهيم المجردة بسيناريوهات حقيقية. وتناقش مواضيع مثل الهجرة والقومية والتنوع الثقافي والشعبوية في اطار الحرية. يسمح هذا النهج ليس فقط للوصول الى القراء بشكل واسع، ولكنه يقدم امثلة ملموسة لفهم افضل لتعقيدات الحرية في زمننا الحالي.
أسلوب يبي واضح وجذاب وسهل ويتجنب التعقيدات الاكاديمية التي لا داعي لها. مما يسهل قراءة "حرية" من قبل الاكاديميين والقراء العاديين الذين يهتمون بالفلسفة السياسية والقضايا الاجتماعية. تقدم الكاتبة استنتاجات مدعومة جيدا باستخدام أبحاث واسعة، وفي نفس الوقت تتجنب اغراق القراء بلغة اكاديمية زائدة. يتيح هذا التوازن بين الصرامة والسهولة، مما يجعله مصدرا قيما لأولئك الذين يسعون لفهم اعمق لدور الحرية في المجتمع وخاصة في ضوء تجربتها في البانيا وتحول بلدها الام من مجتمع مغلق الى ما اصطلح بتسميته بالبلدان المتحولة الى نظام السوق.
لا تقدم يبي تنظيرا سياسيا مجردا وانما تكتب سيرة ذاتية لها ولعائلتها في البانيا، وبالذات حين كانت تحكم من قبل النظام الستاليني. لقد نشأت في طفولتها معتقدة بانها تحت حماية من قبل عمان : العم الأول كان ستالين اما العم الاخر فهو أنور خوجة الذي كان الزعيم الأوحد لألبانيا. مع انهيار النظام اكتشفت يبي ان عائلتها كانت تكذب عليها لتحميها من الواقع المرير. فكانوا حينما يزعمون ان فلان تخرج من الجامعة يقصدون انه خرج من السجن، وعندما كان يقولون ان فلانا تخصص في العلاقات الدولية معناه انه سجن للخيانة.
بعد عام من انهيار جدار برلين، انهار أيضا النظام الالباني القديم، يبي كان عمرها آنذاك 11 عاما تحول بعدها وشاحها الأحمر الذي كانت تلبسه يوميا الى المدرسة الى منشفة لنفض الغبار المتراكم على الكتب. البانيا ستصبح حرة الان ليس فقط الانتخابات ولكن حتى الأسواق. المجتمع الدولي (في صورة مستشارين من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي) بدأ بالتوافد علي البلد متسلحين بوصفاتهم المتهورة حول التحول الى الليبرالية والخصخصة، استراتيجية عرفت بالعلاج بالصدمة (Shock therapy ) والتي تم تجربتها في معظم البلدان الاشتراكية السابقة. كان يرددون انها قاسية حيث سيتم التخلص من اساسيات الاقتصاد المركزي السابق ولكنها ضرورية حسب ما كان يردد هؤلاء المستشارين، وعلى البانيا ان تسللك طريقا وحيدا فقط: نحو الرأسمالية، والديمقراطية والحرية.
حينما تم السماح للأحزاب بتنافس في الانتخابات في بداية التسعينات، فأبويها كانا من زعماء المعارضة، ملتزمين بان البانيا يجب ان تكون مثل بقية الدول الأوروبية دولة مفتوحة للتجارة الحرة وخالية من الفساد. تقول يبي ان والدها كان رجل مثقف فقامت الحكومة بتوظيفه كمسؤول عن اكبر ميناء بالبلد ولكنه اضطر ان يقوم بناء على توصيات البنك الدولي تحت ما يسمى "بالإصلاح الهيكلي" بطرد الاف العمال والذين كان يصادفهم في الشارع وفي الحي وهم يعيشون البؤس والحسرة. ولكن بحلول عام 1997، اتسعت الفجوة بين احلامهم النيوليبرالية والواقع الكيبتوقراطي بعد انهيار المخططات الهرمية الاحتيالية التي استثمر فيها غالبية السكان مدخراتهم وغرقت البلد بعدها في حرب أهلية.
رغم جدية الكتاب الا انه لا يخلو من فقرات كوميدية وخاصة عندما تذكر يبي كيف ان عائلتها تخاصمت مع جيرانهم عندما فقدوا علبة الكوكا كولا الفارغة التي كانت موضوعة على التلفزيون كزينة، او عندما اقام اهل الحي حفلة لمستشار البنك الدولي الهولندي الذي اقام في حيهم.
لقد حلم اهل يبي بان الليبرالية ستحررهم من اشتراكية البانيا، يبي لم يكن لديها ذلك الوهم. في الصفحات الأخيرة من الكتاب هي تصف الليبرالية بان "وعهودها كاذبة"، تقوم بتدمير التضامن بين الناس، تورث الامتيازات، وتغض الطرف عن الظلم. توجد الحرية فقط كحلم في قلوب الناس.
***
علي حمدان الرئيسي
باحث في قضايا الاقتصاد والتنمية
............................
* تنشر بالتزامن مع جريدة الرؤية العمانية.