قراءة في كتاب
جمعة عبد الله: جراحات الوطن النازفة في كتاب الاديب عقيل العبود
(جنون المغارات وتداعيات أرض الفرات)
هذا الارتباط الوثيق بالوطن، رغم الغربة والاغتراب، نصوص أدبية في فضاء الغربة (مقالات ونصوص شعرية) تتحسس جراحات الوطن عبر الازمنة الكالحة السواد التي مرت بسنواتها العجاف على العراق، التي عملت على أهانة القيمة الانسانية بالانتهاكات الصارخة، في الممارسات الوحشية المدمرة. في نهج الإرهاب والعسف والاضطهاد، بحيث تكون حياة الإنسان رخيصة في الموت المجاني بكل اشكاله المدمرة، في الحروب والمقابر الجماعية، من أجل تدمير حياة الانسان العراقي، لكي يتقوقع في دائرة الإحباط والهزيمة، نصوص أدبية من رحم المعاناة العراقية. في الازمنة المختلفة في الماضي والحاضر، لتكون شواهد شاخصة من المشاهدات والوقائع والحقائق الدامغة، و بالمعايشة الفعلية، في استلاب والاستحواذ والركوع من أجل كرسي السلطة والحكم، حتى لو كان على جماجم الابرياء، نصوص من عمق المأساة العراقية، عبر العهود الظالمة بالبطش والتنكيل، في سيكولوجية الإرهاب والموت المجاني، وضعت في صياغات ادبية تؤطر وترسم المحنة العراقية بكل ابعادها واشكالها الحقيقية، اخذت شكل براعة التعبير الادبي البليغ في صياغات مختلفة، توصف وترسم وتصور الانتهاكات الصارخة في حق الانسان العراقي في الماضي والحاضر، وما يدور في الظاهر والخفاء، محاولة ادبية ناضجة في تقديم نصوص دسمة بالابداع، توغلت في عمق الازمة العراقية. من الموت الجماعي في المقابر الجماعية، الى الحروب العبثية التي تهلك الحرث والنسل كما كان يفعل نظام البعث الساقط، تغير الأمر في العهد الجديد الى ضخامة عدد التفجيرات الدموية، والحروب الطائفية الطاحنة في النظام الجديد (الدم / قراطية) دخل الإنسان العراقي مرة آخرى في حقل التجارب والاختبارات من العنف الدموي في ابشع صوره المروعة، لتدلل ان الانسان العراقي ظل محروماً من الحياة الامنة والعيش الرغيد الذي يحترم القيمة الانسانية في كل الازمنة الظالمة والطاغية. طرحت هذه المواضيع الملتهبة والساخنة في أسلوب واقعي رزين ومتميز وبقلم وطني اصيل، رغم البعد والغربة والاغتراب، لكنه يعيش في عمق الواقع وإفرازاته، يعيش مع قضية الإنسان والوطن عن قرب، في مشاعره وإحساسه العميق ويرفض الانتهاكات التي تحصل بشكل وحشي من اية جهة كانت.أن يكون سماء العراق محملة في امطار الدماء، التي شكلت نهراً ثالثاً للعراق، وكما تشير النصوص الادبية، بأن الصراع قائم، ولم ينتهي حتى لو مالت كفة الميزان إلى جانب قوى الشر والغدر، فالنار باقية تحت الرماد، قد تنفجر في اي يوم كالبركان، كما انفجرت بالغضب الشعبي العارم والساحق في انتفاضة الشباب التي أغرقتها المليشيات الطائفية (الطرف الثالث الملثم) بالدماء، وقد وقدمت على مذبح الحرية مئات الشهداء من الشباب تلقوا الموت بصدور عارية. ان العراق ابتلى بالذئاب الوحشية من الجانبين (داعش والعصابات الطائفية) مهما كانت اشكالهم والوانهم وايديولوجياتهم ومعتقداتهم السياسية والدينية. مثلما تفعل ذئاب داعش في الاغتصاب الفتيات الصغيرات، ثم يأتي بعد ذلك دور السكين لتنهش اجسادهن، نفس الحالة عندما تغتال براءة الطفولة القاصرات في الارغام على الزواج، وهن في عمر الطفولة، حين تباع الى مسن متقدم في العمر، وهنَّ في عمر حفيدته لتقتل طفولة الفتيات البريئة (امتثل الجسد لعطر روحها المراقة، متكوراً، ينتظر مصيره المحتوم، أذعن بكل ما أوتي من قوة الى نشيج نحيبه الاخير، باتت تطلق زفراتها اللاحقة، ذلك عند بقايا دكة عجوز، كانت تنبت في الأرض هي الاخرى، لتواسي أحكام ذلك الصراخ) ص10. هذا مسلسل في انتهاك واغتصاب طفولة الفتيات الصغيرات لم يتوقف بل ازداد سوءً بمراسيم هزيلة، لكي ينتحر الحب والعشق في هذه الأجواء اللانسانية. ويبقى العراق سجناً لتجارب القاهرة في المعاناة قديماً وحديثاً. والنصوص الادبية، تستعرض بشاعة الموت بالابادة الجماعية، طوابير بشرية من كل الاعمار تذهب الى حتفها الى المقابر الجماعية، ارتال بشرية تلاقي حتفها بالموت الجماعي، كما كان يفعل حكم البعث الساقط، الذي اقام مملكة الموت المجاني، لتكون رائحة الارض عابقة بجثث الموتى المدفونة تحت التراب (اندكت رائحة الحياة مع دعاء امرأة حبلى سقط جنينها، لتنال مصرعها مع زفير استغاثات تصدعت مع تشتت عروقهم النابضة، أولئك الذين راحوا يتساقطون تباعاً، ليتم دفنهم بشفرات الآليات التي تم تحصيصها لذلك النوع من المقابر. أنسلت احزان الليل لتتقاسم الفجر شتات الشقاء الذي امتزج بصرخات انينهم وهم يطلقون زفرات آخر ما تبقى لهم من رمق. استلقى الوطن عند مخاض ملاكات مكبلة بالدم) ص18. الموت باشكاله المروعة والبشعة لم يتوقف، بل استمر في النظام الطائفي الجديد، واخذت شكل التفجيرات الدموية التي تطال الناس الابرياء في الأماكن المزدحمة، مئات التفجيرات الدموية، التي أصبحت من الظواهر العامة والعادية جداً، مثل التفجير الدموي المروع الذي حدث في الكرادة في بغداد من قبل عصابات داعش في عام 2016، تناثرت اشلاء الجثث من كل الاعمار، حتى تلك الفتيات المخطوبات كن يتسوقن لشراء فساتين الزفاف، ليتحول المكان الى بحيرة كبيرة من الدماء، و تلونت السماء بالدخان الأسود الكثيف، وتعطلت الحياة، اصبحت مراسيم عزاء واحزان ونحيب (صارت الأشياء مكفهرة مثل مملكة بائسة فقدت بريقها، تناغصت معها اعمدة الدخان، راحت تغور بها صوب دهاليز أمدٍ بلا نهايات، أستيقظت أشرطة الموت، حاملة معها أنباء نعوشهم، أرتدى المكان ثوب الفزع، تطايرت رسائل الهائمين، غدت الشوارع اكثر استياء، تسارعت لغة الحدائق متسائلة عن خطب جلل) ص19. لم ينقطع مسلسل الدماء، بل يتناوب باشكال وادوار مختلفة من عصابات داعش، التي سلمت راية الموت السوداء الى العصابات الطائفية ومليشياتها المسلحة، التي لا تعرف سوى لغة الموت المجاني والرصاص الحي، بالقتل والاختطاف والاغتيال بكواتم الصوت، كما فعلوا في إجهاض انتفاضة الشباب عام 2019، اغرقوها بالدماء وبالرصاص الحي وبدم بارد، وبوحشية دموية كأنهم تعلموا وتربوا من دروس استاذهم (داعش) بقتل مئات الشباب بعمر الزهور، ما أشبه اليوم بالبارحة، والغريب ان القاتل المعروف لداني والقاصي يبقى مجهولاً لغايات سياسية بغيضة، رغم ان الكل يعرف هويته واسمه وعنوانه والجهات التي تقوم بممارسة العنف الدموي، ويديها ملطخة بالدماء والاجرام (لا أحد يقدر ان يواجه شبح الموت، مع هذا الخراب الذي ما أنفك يعلن عن نفسه بين الفينة، والفينة لتأويلات يجري اشاعتها بطريقة المكر الإعلامي، من قبل جهات مسؤولة، لتغطية معالم الجريمة على أساس تصنيفها، واخضاعها لمعادلة الزيف التي ما انبرت تفرض نفسها في فضائيات المحافل، مع الإبقاء على قانون الجناة، هو نمط من الحكايات لا يحق للعامة اعتراض على مساراتها) ص87.
ان نداء الوطن باهظ الثمن، لكن العزيمة والارادة لن تموت، تستمد قوتها من ملحمة كربلاء ووقفة الامام الحسين العظيمة، التي تمثل روح التحدي والشموخ والإصرار العنيد (هيهات منا المذلة) وتحت الرماد نار حارقة، تحرق كل مجرم وخائن بحق الشعب والوطن:
يستأنف رحلته،
ينهض الامل،
يعانق عطر صباحاته القديمة،
تستعيد المشاهد أنفاسها،
يدرك الفجر نومته
يهتف النور،
تغادر النجمة البعيدة،
يتناثر ضوء الشمس،
---------
تبتعد الاشرعة،
تستأنف النوارس طوافها،
تستعرض صيحاتها،
مع مستقر مهجة عابرة) ص110
طالما تحلق نوارس الحرية في سماء العراق، فأن العراق لن يموت سوف يحيى من جديد ويعود الى الحياة.
***
جمعة عبدالله