قراءة في كتاب
علي حسين: إيزابيل ألليندي تطالبنا بان نعيش الحياة التي نرغب فيها
اتجول في معرض ابو ظبي للكتاب. الاف العناوين تلاحقني، هذا ماركيز يروي حكايته مع مائة عام من العزلة، وفي زاوية يقف سقراط يلقي دروسا عن الحياة، في مكان آخر يطل كوندليزا في كتاب لامين صالح، كتب.. كتب.. كتب تمنح السعادة والمتعة لمن ينظر اليها، فما بلك اذا كانت هذه السعادة مقرونة بالوعي والفكر المتنور. اتطلع الى الكتب معروضة بهذه الطريقة الحديثة، في فناء شاسع، يبدو فيها معرض الكتاب وكأنه عرض للثقافات. كان الاحتفال بالثقافة التركية. روايات باموق واليف شافاك تتوسع باحة المعرض مع عرض لكتاب لم نسمع بهم من قبل مما يدل على جهلنا بثقافة بلاد لا تبعد عنا سوى مئات الكيلو مترات . قلت لاحد الاصدقاء اين اجد جناح دار الاداب فانا على موعد مع جديد المتألقة ايزابيل الليندي فقد اعلنت الدار عن صدور الترجمة العربية لكتابها نساء روحي والتي قام بها مارك جمال.
تخبرنا الليندي ان العزلة التي فرضها على العالم فايروس كورونا، كانت بالنسبة لها فرصة ذهبية للتفرغ للكتابة بشكل يومي: "لقد كنت في معتكف الكتابة المثالي. في العام ونصف العام الماضيين، كتبت فيوليتا و"نساء روحي"، وانتهيت من رواية أخرى. يبدو أن مصدر الإلهام يختبئ معي في المنزل ".
في كتابها "نساء روحي" تتأمل ايزابيل الليندي فيما يعنيه أن تكون أنثى. ينقسم الكتاب إلى مذكرات ونقاشات، عن الشباب والشيخوخة والنظر الى الانثى، بدأت فكرة الكتاب أثناء إلقاءها محاضرة في مؤتمر نسائي في مكسيكو سيتي، عندما بدأت في التفكير في مسار حياتها كامرأة مناصرة للنساء.
تذكر في "نساء روحي" استياءها عندما نظرت إليها العائلة باعتبارها " انحرافاً" عن الأسرة، في وقت كانت أسرتها تعتبر مثقفة وعصرية، لكنها كانت في نظرها من العصر الحجري، وكان هذا مصدر غضبها. تصر انها رفضت ان تكون مثل امها: " أردت أن أكون أكثر حرية واستقلالاً".
ترى أن لديها كثيراً لتشاركه مع النساء في هذا العالم، وأن النساء في الغرب يعانين من الخوف والتمييز أيضاً، وإن كان بنسبة أقل بسبب القوانين الداعمة للمرأة. ولا تعتبر أن حياتها مأساوية بسبب نظرة الرجال الى المرأة، بل تعتبر نفسها محظوظة حيث حصلت على النجاح والشهرة واستطاعت الهروب من الحكم الدكتاتوري في بلدها تشيلي، على الرغم من معاناتها بعد موت ابنتها " باولا، وشعورها بالوحدة بعد وفاة والدتها.
تتحدث في "نساء روحي" عن التقدم في العمر، وعن مستوى المعيشة الذي لم يتحسن عند الكثير من الناس وتتأمل حياة كبار السن، وتتذكر كيف كان الأجداد يمضون حياتهم ضمن العائلة ولهم الكلمة الاولى، بينما اليوم معظم كبار السن يمضون سنواتهم الأخيرة في دور المسنين ويموتون وحيدين.
تأمل أن كتابها يضيء " نساء روحي": "النور لبناتنا وحفيداتنا، فهن سيتعين عليهن العيش من أجلنا، كما عشنا من أجل أمهاتنا، ومواصلة العمل الذي لا يزال يستحيل الانتهاء منه". وتقول، "النسوية مثل المحيط، سائلة، وقوية، وعميقة في شكل لانهائي، ومثل موجات المد والجزر لا تبقى النسوية هادئة أبدا".
تؤكد أنها ليست على عداء مع الرجل أبداً، وأن كلمة "نسوية"، تعني لها نوعا من انواع المقاومة للنظام الذي ينظر الى المراة والملونيين والفقراء نظرة دونية، وهي تصر انه: " لا توجد نسوية بدون الاستقلال الاقتصادي"، ولهذا تقدم في الكتاب العديد من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه النساء والفتيات والأفراد المحرومين في هذا العالم. ابتداءً من العنف، إلى أشكال الاستغلال المدمرة، إلى الفقر، إلى نقص التعليم، إلى التحيز، إلى النضال من أجل الوصول إلى العلاج الطبي، لا يمكننا أن ننسى المحن التي قد تظهر في أي مرحلة من الحياة، أو أكثر إشكالية في وضع شخص ما منذ ولادته. القائمة الطويلة وأنواع المشقة الموصوفة طويلة ايضا ".
تتوقف عند عبارة إدواردو غاليانو التي قال فيها: " في النهاية، خوف النساء من عُنف الرجال ما هو إلا اِنعكاسٌ لخوف الرجال من النساء المتحررات من الخوف". لتقول: " كلام طيب لكن دلالته تحيرني. كيف لنا ألَا نخاف إن كان العالم يتواطأ لبث الرعب في قلوبنا؟ قليلات هن النساء المتحررات من الخوف، إلا حينما نُصبح معا. نشعر، بين المجموعة، بأننا لا نُقهر
في الصفحة الاخيرة من "نساء روحي " تكتب ايزابيل الليندي: حان وقت التامل. أي عالمٍ نريد؟ اعتقد بأن هذا هو السؤال الأهم في وقتنا الراهن، السؤال الذي يجب ان تطرحه على نفسها كل أمرأة واعية، وكل رجل واع، السؤال الذي كان يجب على خليفة بغداد ان يطرحه على اللص في تلك الحكاية العتيقة.
***
علي حسين
رئيس تحرير صحيفة المدى البغدادية