قراءة في كتاب
علاء اللامي: مع آلان باديو في كتابه "في مَدْحِ الحب"
هذا الكتاب كان في الأصل عنوان فيلم للمخرج السويسري جون لوك غودار، ثم تحول الى كتاب هو عبارة عن حوار طويل وشيِّق ومعقد بين الكاتب نيقولا ترونج والفيلسوف ألان باديو. الكتاب لا يخلو من الصعوبة والتعقيد الأسلوبي، خصوصاً لمن لم يعتد على اللغة الفلسفية الحديثة والتعامل مع الفكر التجريدي، ولكن ترجمته إلى العربية من قبل غادة الحلواني كانت جيدة وسلسة عموما وتشي بجهد كبير مبذول مع بعض الهنات الأسلوبية هنا وهناك.
لتفادي الاتهام بالترويج لفرنسا الدولة والمجتمع والتراث، سأبدأ من نهاية الكتاب، بفقرة توضح رأي باديو الصائب والذي أتبناه شخصيا بفرنسا وتاريخها بعيدا عن النظرة المانوية المادحة بالمطلق أو الذّامة بالمطلق المنتشرة بين صفوف النخبة العربية المثقفة المستقطبة غربيا خصوصا، كتب باديو: "أصدقائي الأجانب ما يزالون يحملون تقديراً لأسطورة فرنسا الرائعة التي تقف دائما على حافة الاختراعات الثورية، لكن، من المهم النظر إلى فرنسا على أنها أرض الثورات والرجعية العظيمة على السواء. أقول لهؤلاء الأصدقاء إنهم يبنون تاريخاً لفرنساً يتتالى فيه فلاسفة عصر التنوير والثورة الفرنسية وثورة حزيران 1848 وكومونة باريس 1871 والجبهة الشعبية والمقاومة والتحرير وأيار 1968. ولكن المشكلة أن هناك جانباً آخر من قصة فرنسا وهي ترميم 1815 (أعتقد أن المقصود هو عودة الملكية وعرش آل بوربون إلى حكم فرنسا بعد سقوط نابليون إثرَ هزيمته في حرب المئة يوم سنة 1815. ع.ل) ومسيرات فرساي، والاتحاد المقدس خلال الحرب العظيمة 1914، بيتان (رئيس الدولة الفرنسية بين 1940 و1944، وعميل الاحتلال الألماني النازي، حُكم عليه بالموت بتهمة الخيانة العظمى عند انتهاء الحرب العالمية الثانية، ولكن ديغول خفف الحكم عليه ليكون بالسجن حتى مات في سجنه. ع.ل)، الحروب الكولونيالية الشنيعة... ساركوزي. إذْ، هناك قصتان /تاريخان لفرنسا وهما متضافرتان. حينما تشعل أي هستيريا ثورية إضراباً تتقابل مع الرجعية الوسواسية! ص 119 و120".
* ومن المقدمة الثانية والقصيرة التي كتبها باديو نفسه أقتبس قوله: "أدركت منذ زمن بعيد، أن الفيلسوف، وأعني بديهيا الفيلسوفة أيضا، يجب أن يكون عالِما بارعا وشاعرا هاويا وناشطا سياسيا، بل وعليه أن يقبل حقيقة أن حقل الفكر ليس محصناً أبدا امام انقضاضات الحب. العالِم والفنان والناشط والحبيب، هذه هي الأدوار التي تقتضيها الفلسفة من ممارسِها. لقد سميتها الشروط الأربعة للفلسفة/ ص 41".
* أعتقد أن الحب لا يمكن أن يصبح هدية تُمْنَح في غياب تام للمخاطرة، وبأن منهج موقع "متيك" (موقع أوروبي بهذا الاسم على الانترنيت لتسويق العلاقات الغرامية دون مخاطرة وبأمان تام. ع.ل)، يذكرني بالدعاية الترويجية التي قام بها الجيش الأميركي للقنبلة الذكية وللحروب التي محصلتها صفر من الموتى، بعبارة "صفر قتلى". ولو أنك تدربت على جيدا على الحب متبعاً قوانين الأمان المعاصرة – وفق منهج موقع متيك- فلن تجد صعوبة في نبذ الشخص الذي تجده غير مناسب لك، ولكن ماذا لو أنه يعاني؟ هذا شأنه، أليس كذلك؟ فهو لا ينتمي للحداثة "..." إنه الأسلوب ذاته، "صفر قتلى" الذي ينطبق على الجيوش الغربية فقط، ذلك أن القنابل التي تسقط تقتل الكثيرين من الناس الذين يقع عليهم اللوم لأنهم يعيشون تحتها، وهؤلاء القتلى والجرحى هم فلسطينيون وأفغان ... وهم أيضا لا ينتمون إلى الحداثة/ ص 46 و47 و48"!
* لا اعتقد أنك تستطيع أن تخلط الحب بالسياسة. في رأيي "سياسة الحب" تعبير بلا معنى. وحين تبدأ بالقول "أحبوا بعضكم" قد يؤدي ذلك إلى نوع من الأخلاق، ولكنه لن يؤدي إلى أي نوع من السياسة. في السياسة هناك أفراد لا يستطيع أحد أن يحبهم. هذا أمر لا يمكن إنكاره. لا يستطيع أي شخص أن يتوقع منا أن نحبهم. "..." لا بد من فصل الحب فصلاً تاماً عن السياسة باعتباره مغامرة فردية في السؤال عن الحقيقة حول الاختلاف. الحب مثل أي إجراء يبحث عن الحقيقة، هو أساسا إيثاري: تكمن قيمته في ذاته وحدها وتتجاوز المصالح الآنية للطرفين. عن معنى كلمة "شيوعية"، لا تتعلق مباشرة بالحب، ومع ذلك تجلب هذه الكلمة احتمالات جديدة للحب. ص 99".
مقولات باديوية:
* لا يمكن اختصار الحب في اللقاء الأول لأن الحب هو عملية بناء.
* لا أقول إن عالَم العائلة ليس جزءا من الحب - أنا أعتقد أنه كذلك - بل أقول لا يمكن اختصار الحب إلى هذا العالم. إن ميلاد طفل هو جزء من الحب ولكنه ليس تحققاً للحب.
* الحب، وخاصة مع استمراريته، يضم كل الأوجه الإيجابية للصداقة. ولكنه يرتبط بكلية وجود الآخر، ويصبح استسلام الجسد هو الرمز المادي على تلك الكلية.
* الحب يعطينا دليلا جديدا على أننا نستطيع أن نواجه العالَم ونختبره بوعي آخر غير الوعي المنعزل. ولهذا نحب الحب، كما يقول سان أوغسطين، ونحب أن نُحَب، لكننا أيضا نحب أن يحبنا الآخر. وذلك لأننا نحب الحقائق ببساطة. وهذا ما يعطي الفلسفة معناها: الناس يحبون الحقيقة عندما لا يدركون هذا.
* الحب هو الرغبة الدائمة في الدوام، وهو رغبة في دوام ذلك المجهول. هو إعادة ابتكار الحياة.
* إن تجاوز المستحيل يعني بداية الحب.
***
علاء اللامي