قراءة في كتاب
صالح الرزوق: الحروب الصامتة.. استراتيجيات الممانعة في المجتمع المدني
عن المركز الدولي لدراسة النزاعات غير العنفية صدر حديثا كتاب بعنوان "الإضراب عن الطعام في سجون فلسطين: وجهة نظر استراتيجية"* للدكتورة ملكة محمد شويخ التي تعمل في جامعة سانت أندروز في اسكوتلاندا والدكتورة ريبيكا روث غولد أستاذة الحضارة الإسلامية والأدب المقارن في جامعة برمنغهام الإنكليزية. ينظر الكتاب للمشكلة من زاويتين: اجتماعية وإنسانية. ويبدأ من تعريف معنى الإضراب عن الطعام في المعتقلات. ويرى أنه "أداة من أدوات المقاومة السلمية ما دام لا يلحق أي ضرر بسلامة الغير others ولكنه يضر بالذات self"ص24. وكانت هذه الطرق السلمية، تجويع الذات بالإضافة للامتناع عن الكلام، معروفة منذ القرون الوسطى في أيرلندا، وكان يبادر بها المظلوم وهو خارج السجن، ويسميها الكتاب "القوة المعنوية". وأهم الأمثلة عنها إضراب عام 1981 في أيرلندا ووفاة عشر مسجونين من أنصار الجيش الجمهوري، ومنهم بوبي ياندس الذي دخل البرلمان بنتيجة اقتراع شرعي. ص6. وتسبب موتهم باندلاع أحداث الشغب وتعديل قانون الاعتقال. ص29. وسبق هذا الشكل الناجح من الاحتجاج أسلوب "الاعتصام بالمكان حتى الموت". وهو طريقة اتبعها الفلاحون الدائنون في الهند البريطانية، فقد كانوا يجلسون على أعتاب بيوت سادتهم دون طعام لإعادة جدولة ديونهم. وهو احتجاج ناجع أيضا جعل من حياة الإنسان المجانية سلاحا أبيض ضد أشكال العنف الاجتماعي والسياسي، ونجمت عنه مؤسسة مدنية صامتة تطالب بالحق الضائع، ويمكن أن تسميها "التسلح بالحياة".
وقد تناولت موضوعة تطبيق العنف الذاتي على الحياة أو الجسد عدد من الأعمال الأدبية، وعلى وجه التحديد روايات السجن ومذكرات السياسيين. ومن الأمثلة المعروفة سيرة غاندي ونلسون مانديلا. فقد لجأ كلاهما للإضراب عن العمل والطعام وللصمت وللامتناع عن تنفيذ التعليمات - كالاستراحة الإجبارية في فناء السجن والخدمة الاجتماعية والالتزام بنصائح الطبيب وسوى ذلك. بالإضافة إلى أعمال الأرض المحتلة، وهي أقرب لوقتنا الحالي مثل كتابات وليد الشرفا والمرحوم حسين فاعور الساعدي والمتوكل طه. بالإضافة إلى كتابات مريد البرغوثي في مجال "سيرة العائد"، وحرص فيها على التعريف بمشكلة الهوية وأزمة النظام العسكري وتعطيل العمل بالدستور تحت حجة "التدابير الأمنية". وفي هذه الحالة أصبح الاحتلال والسلطة الوطنية المتعاونة معه متشابهين (ولدينا كم هائل من أدب الحالات الحرجة في جنوب أفريقيا وأمريكا اللاتينية أو في الأدب الاسكوتلاندي والكردي المعاصر). ولا يجوز أن ننسى روايات جيني إيربينبيك Jenny Erpenbeck، مثل "اذهب، ذهب، رحل"***، وهي أيضا عن سجن احتياطي لحجز المهاجرين قبل البت بطلباتهم. وتركز على تطور لغة الاحتجاج، ضد سوء المعاملة، من الاعتصام (كالوقوف في أماكن عامة دون حراك أو كلام) وحتى التضحية بالذات لإنهاء ظرف الحياة المزرية. ومن خلال السرد بالمتابعة (انغماس الراوي بالأحداث) يلجأ الجسد الضعيف والمهزوم إلى التنكر بصور روحية لينتصر بها على واقعه المتأزم، أو ليعيد توطين نفسه في أرضه الغريبة. بينما كانت الأعمال الفلسطينية تبحث عن مخرج آمن إما بالاندماج وإلغاء الحدود أو تبادل المنفعة (مثل قصة حب بين عربي مسلم وإسرائيلية يهودية - وهي طريقة لا تختلف عن فكرة الأم الحاضنة أو حتى طفل الأنبوب - وتشبه كثيرا حيلة قناع أبيض لوجه أسود - كزواج امرأة بيضاء من رجل أسود). ومع ذلك يتمايز اتجاهان. أحدهما تغريبي ويتبنى فكرة صدام الذات مع الحضارة الوافدة، والثاني توعوي ويضع الأحاسيس والمواقف عند نقطة حاسمة، ويفرض عليها التصالح مع الذات التاريخية. وكما يقول جين شارب "يتم تحويل مركز القوة بواسطة هذه الأساليب من الطرف الذي يمتلك السلطة إلى الطرف المحروم منها". ص9.
تتابع المؤلفتان اثني عشر سجنا لإيداع المتهمين بتهم سياسية وجنائية مختلفة في الجزء الذي تتحكم به دولة إسرائيل فقط. ويضاف لها عدد غير محدد من السجون التي تديرها السلطة الوطنية في القطاع وحماس في غزة. ص14. وتثبت الإحصائيات دخول حوالي 700 طفل فلسطيني من الضفة إلى السجون الإسرائيلية سنويا بتهمة إلقاء الحجارة، وهي تهمة يصل حكمها في القانون العسكري المعمول به إلى 20 عاما. بالإضافة للشطط بالعقوبة توجد مشكلة الكيل بمكيالين، فالقانون الإسرائيلي يحدد عمر الطفولة بـ 18 عاما وأقل. إلا في محاكمة الفلسطينيين فهو يخفض هذا الحد إلى 16 عاما وأقل. ولمزيد من الأذى والضرر يتم التحفظ على الصغار في السجن حتى تبلغ أعمارهم 16 عاما، ثم تطبق عليهم عقوبة البالغين. و"منذ عام 2000 جرى تطبيق هذه الحيلة على 12000 طفل فلسطيني" ص15. وينطبق نفس الكلام على النساء. فخلال 50 عاما تم اعتقال أكثر من 10 آلاف امرأة تعرضت معظمهن للتحرش والتعذيب الجسدي والنفسي. ولا يزال في السجن 25 امرأة موقوفات منذ قبل اتفاق أوسلو. ويزيد من المشكلة غموض حدود دولة إسرائيل والنظر لمساحة واسعة منها بمعايير مختلفة. مثلا "هل هي مستعمرة أم أنها محتلة" ص16. وحسب مؤسسة بيتسيليم الإسرائيلية لا يوجد تعريف محدد للحجز الاحتياطي أو لتمييز التحقيق عن التعذيب والتحرش أو حتى لوضع فترة زمنية للاعتقال قبل توجيه الاتهام والتحويل للقضاء ص17. ويضاف لكل ذلك "الحصار العسكري الذي يطبق تأديبيا ودون أي برنامج زمني لمنطقة كاملة حتى تتحول ظروف الحياة فيها لما يشبه السجن من انعدام حرية الحركة وضعف الخدمات وزيادة البرد أو الحر وساعات الإظلام. وتكرر ذلك "منذ عام 2007 عدة مرات في حصار 2 مليون نسمة داخل قطاع غزة". ص18. ولا يمكن إغفال مشكلة تصنيف السجناء واعتبار بعض أشكال المقاومة التي يترتب عليها خسارة بالروح أو الممتلكات العامة والخاصة أنها جرائم قتل أو لصوصية (جنايات تستهدف الأبرياء). ص27. ومثل هذا التصنيف الإداري والنابع من مزاجية شخصية سيحرم السجين من حق المطالبة بتحسين ظروف المعتقل سواء بالإضراب عن الطعام أو بطرق حقوقية ضمنتها له التشريعات. ويترتب على ذلك نوعان من المساومة، الأول اعتبار أن السجن له أسباب سياسية. ثم معركة المطالبة بإطلاق السراح. ص27.
وعلى وجه الإجمال تنقسم إضرابات الطعام لنوعين.
الأول جماعي. ولكن تتوقف نتائجه على نوع السجن، فقد يكون السجان محتلا ومستعمرا وليس حارسا للفضاء القانوني فقط. بالإضافة إلى وضعية السجناء وشدة أو منطقية مطالبهم نظرا للوضع العسكري والقانوني في الداخل، والسياسي الدولي في الخارج. وعليه تتراوح النتائج بين النجاح المؤقت أو النجاح التام وتنتهي بتحقيق جميع المطالب. أو لتدهور أوضاع السجناء كما حصل في إضراب 15 آب عام 2004 في عدة سجون تديرها إسرائيل وباشتراك 4000 سجين طالبوا بمكالمات خليوية والامتناع عن التفتيش الذاتي (تحسس السجان لجسم السجين بيديه) وإزالة الحاجز الزجاجي خلال الزيارات العائلية ص35.
النوع الثاني يشمل الإضرابات الفردية. ولاحظت المؤلفتان وجود فراغات في تسجيل الوقائع. وانتهى أحدها وهو إضراب عوني الشيخ الذي استمر 150 يوما إلى التغذية الإجبارية والحبس الانفرادي، وبعد ذلك إطلاق سراح غير مشروط. وكان يطالب بعدم التلاعب بمنهاج التعليم في المدارس الفلسطينية. ص39.
وتلاحظ الباحثتان وجود فروقات نوعية بين الاتجاهبن. فالإضراب الفردي يكون في زنزانة واحدة وبغاية الاحتجاج على سوء المعاملة، ويستغرق فترة أطول وصلت في إحدى الحالات إلى 277 يوما وكل شيء يكون بمبادرة شخصية. بينما الجماعي يشمل عدة سجون، وللمطالبة بكماليات تخدم تحسين شرط الحياة العامة كتوفير القرطاسية والطعام الجيد، وحسب الإحصائيات لا يستمر لفترة أطول من 45 يوما. ومثل هذه الإضرابات تحتاج لتحضير واستراتيجية متفق عليها بين المشاركين. ومع أن المشاركة تخفف من العبء النفسي فإنها تسمح للسجناء وذويهم بفرض ضغط أقوى على السلطات مع إشهار الخبر في الإعلام. ولذلك تتوقف النتائج على الخطط الموضوعة وانسجام المشاركين. ص52. وهذا ينسحب على مرحلة التحضير للعصيان والمراحل التالية أيضا. و"تتدخل فيها أساليب التواصل المتاحة ببن السجناء". ص53. و"كل شيء يتوقف في النهاية على ثقافة السجن والسجناء". ومن الطبيعي أن "يسبب الاختلاف في مستوى المعرفة والوعي اختلافات مماثلة في التحضير والتنسيق".
ومن الأمور الحاسمة التي لعبت دورا هاما في تجييش الإضراب وتعبئة الرأي العام الأمور التالية:
1- وحدة الكلمة ورص الصفوف. وكانت أقوى في المرحلة السابقة على اتفاقات أوسلو. وبرأيي إن هذه الاتفاقية لم تؤثر عمليا بطبيعة حياة الفلسطينيين في الداخل وإنما ساعدت على رؤية الخلاف في وجهات النظر بين الحركات الوطنية المسيسة والتي تنظر لمفهوم الدولة نظرة اجتماعية - تضع الإنسان أولا. والحركات الراديكالية الدينية - التي لديها تناقض وجودي مع الدين الأرضي أو الدين السياسي للاحتلال. أضف لذلك دور دول المحيط العربي والتي أخذت مواقف متعاكسة من أوسلو وصلت لحد التصفية والقطيعة، وهو ما وسع من التناحر بين شتى الفصائل. ولا يوجد أفضل من فيصل حوراني في إلقاء حزمة ضوء على هذا الواقع المريض في كتابه "دروب المنفى". ثم في روايته "حياة حصار".
2- القيادة أو الناطق الرسمي باسم الإضراب. وأحيانا يفرز السجن قيادته النوعية أوتوماتيكيا كما حصل في جنوب أفريقيا. فقد تكونت الشخصية الرمزية لمانديلا في السجن وخلال عدة مراحل، مثلما تكونت لغة ورمزية محمود درويش خارج الأراضي المحتلة للتعبير عن رؤية حضارية لمفهوم الوطن المخطوف والأرض المنهوبة.
3- تواصل الإضراب والحفاظ على أعلى درجة من الانضباط والتنسيق.
4- تكتيك التنظيم في الداخل والاتصال بالعالم الخارجي لضمان مردود إيجابي ومؤثر حتى ولو بعد الموت. ص 63
وكانت السلطات الإسرائيلية تواجه سياسة الإضراب بعدة إجراءات منها التغذية بالإكراه أو العزل في معتقل النقب للتأكد من عدم تسرب أي معلومات خارج أسوار السجن.
وبالنتيجة تتفق المؤلفتان أن المقاومة يمكن أن تتشكل وتندلع حتى في أسوأ ظروف الاعتقال ويزيد من فعاليتها تضامن العالم الخارجي الذي يعمل على فضح البنية الاستعمارية للسلطات، وينوه إلى عدم التساوي بين الطرفين المتنازعين، سواء داخل السجن أو خارجه، باعتبار أن المجتمع الفلسطيني يعيش حالة شاذة لا تخلو من التعالي العرقي والديني. ولا يجب إغفال دور الإضراب الفردي الذي تنجم عنه نتائج جماعية كتحريك الرأي العام وتحسين ظروف بقية السجناء الذين لديهم إشكالات مماثلة. ص85. وبهذه الطريقة يتحول الإضراب إلى بنية سردية تخاطب السجان وتبدل أساليبه. ص88.
ويضم الكتاب عدة ملحقات ومخططات وعددا من الإحصائيات مع مقابلات ميدانية أجرتها المؤلفتان مع سجناء ونشطاء رهن الاعتقال أو تم الإفراج عنهم في الأراضي المحتلة.
تبقى بالنتيجة عدة ملاحظات لا بد منها.
أولا. اعتمد الكتاب على متابعة ظاهرة الإضراب عن الطعام دون الاهتمام بنوع الموقوفين وانتماءاتهم السياسية. وحتى دون الإشارة للنشاط الإعلامي المرافق للإضرابات. وهل هو إعلام سياسي وطني أم أنه عاطفي وديني.
ثانيا. نفهم من مجمل العرض أن الاعتقال عقوبة لها دوافع سياسية. وهي سلاح ذو حدين. فهي تعرض حياة السجين للخطر، وتزيد من فرص التعبئة الاجتماعية. ص24. في حين استند الإضراب على مبدأ قانوني هو حرية التصرف بالمتعلقات الخاصة ومنها الجسم. وهذا يشبه التضحية بالنفس (كالموت حرقا - حالة بوعزيزي في تونس).
ثالثا. عدم التنويه لدور الحكومة في حدة الإضراب ونتائجه. ومن المتوقع أن يزداد التعنت بإدارة الأزمة في حال وجود اليمين في الحكم. حتى أن حكومة نتنياهو تعتزم على ضمان الحصانة لرجال الأمن بعد نهاية خدماتهم في الدولة، وهو إجراء سيقود حتما إلى تبني أساليب تحقيق عنيفة تشمل ظروف الاستجواب أو استعمال الضغط النفسي والتخويف**. ومن البديهي أن يكون لكل حكومة سياسة خاصة في التعامل مع الطوارئ. وأذكر هنا الخلاف التقليدي في بريطانيا بين المحافظين والعمال في التفاوض مع النقابات ومؤسسات المجتمع المدني (كما جرى بعد إضراب عمال المناجم خلال أزمة الطاقة التي شلت حكومة تاتشر في الثمانينات). وبالعودة لفلسطين. السؤال الذي لا يزال يدور في ذهني: لماذا فشلت بعض الإضرابات، بينما تكلل غيرها بالنجاح؟. هل يعود ذلك لرد فعل سلطة الاحتلال، أم لتأثير سياسة دول الجوار على عرب الداخل. علاوة على ذلك لماذا كان عدد السجناء السياسيين في شهر حزيران من عام 2021 أعلى بالمقارنة مع عدد المعتقلين لنفس الفترة، بينما انخفض عدد السجناء لأدنى مستوى في أيار 2021، دون أن يرافقه انخفاض مماثل في عدد الموقوفين ص15 - 17. ولماذا فشل إضراب نابلس عام 1968 ونجح في عام 1984 ص34 مع أن الأوضاع العربية في الإضرابين كانت مزرية. فقد ترافق الأول مع مرور عام على النكسة، والثاني مع مرور عامين على حصار بيروت وملاقاة ألوف الفلسطينيين حتفهم في المخيمات بشكل مرعب تقشعر له الأبدان. هل كان لذلك علاقة مع ظروف حكومة الاحتلال؟!. في هذا السياق يبدو لي أن تطبيق الإحصائيات الاجتماعية عامل هام ومضيء (وكنت أتمنى إضافة معامل الارتباط الخطي ومعامل الانحدار للإحصائيات والأرقام المدرجة). مثل هذا الاتجاه يساعد على حل لغز السلوك البشري في الحالات الحرجة، ودور السياسة الدولية والحرب الباردة - ولدينا دراسات سابقة من هذا النوع منذ الستينات تشمل خطابات السياسيين وحواراتهم مع الإعلام في مناسبات وطنية، مثل عبد الناصر بعد حرب بور سعيد عام 56 وبعد هزيمة حزيران عام 67، وكيف تطور لديه معنى الوحدة والعروبة من مفهوم تاريخي لأمة واحدة إلى مفهوم وطني يعترف بتعدد المصالح ولكن يشدد على ضرورة التعاون والتفاهم.
رابعا وأخيرا. لا توجد إشارة ولو بسيطة للتمييز بين الإضراب بهدف المقاومة والإضراب الناجم عن أزمة نفسية أو شخصية حادة. وهناك حالات إضراب أو انتحار تعبر عن اليأس وتدهور الأحوال النفسية من جراء تجارب فردية تحصل في أي زمان ومكان. ومن ذلك ما ذكرته صحيفة يسرائيل هيوم عن ارتفاع نسبة انتحار الأطفال البالغين 14 عاما بحوالي 64% نتيجة خيبات أملهم بالوضع الاجتماعي في إسرائيل، والرغبة بالهجرة إلى الغرب. وانتحار الفلسطيني رائد عبد السلام الجعبري في حمامات سجن إيشل (في بئر السبع) لا يتشابه بالدوافع والأهداف مع انتحار الفنانة سعاد حسني في لندن، أو حتى انتحار الكاتب المعروف إرنست همنغواي في بيته. فالموت في سبيل قضية وطنية يختلف عن الموت بسبب الفشل العاطفي أو اليأس الوجودي والتشاؤم. والمصيبة أننا لم نسمع بقضية الجعبري، وتمكن السياسيون من وأدها بسرعة، بينما انفجرت مشكلة سعاد حسني، وأصبح لها خلفيات سياسية وأمنية.
ويمكن أن تقول نفس الشيء عن انتحار مارلين مونرو وإيداع فرانسيس فارمر في مصحة نفسية. لو لا الإعلام الأمريكي وعلاقتهما بالبيت الأبيض لما سمع أحد بهما. حتى أن مأساة فارمر تتقاطع من عدة وجوه مع حكاية "الحسناء والوحش". وأعتقد أن رواية "أخطية" بهجائها الساخر لسلطات الاحتلال استلهمت نفس عمود هذه الحكاية الشعبية، ولعبت بجمال المؤنث، وسطوة المذكر، لتعبر عن مجتمع غير متوازن، تتخلله الحواجز والجدران. وهذا سبب إضافي يحدونا لدراسة حالات الإضراب في كل سجن على حدة، مع الأخذ بعين الاعتبار دور الحكومات والمكان والزمان.
***
د. صالح الرزوق
...........................
* صدر في واشنطن في مطلع عام 2023 عن منشورات المركز الدولي للنزاعات غير العنفية. 110ص.
** التعذيب في سجون إسرائيل. جنان عبده. موقع عرب 48. منشورة في فسحة بتاريخ 11-4-2023.
*** ترجمها صلاح هلال إلى اللغة العربية تحت عنوان (وطن محمول)، وصدرت في مصر عام 2015 عن دار صفصافة.