قضايا
سامح مرقس: الطب والدين من منظور العلم الحديث
بالنسبة للعديد من الذين يعيشون في المجتمعات المتقدمة، لا توجد علاقة واضحة بين الطب والدين. وربط الدين بالشفاء هو مفارقة تاريخية لا تتوافق مع القواعد العلميه للطب الحديث. في العالم القديم كان هناك القليل من المعرفة بالطب وبنية جسم الإنسان، وكانت أسباب المرض غامضة، وكان المعالجون يأملون في الحصول على المساعدة من خلال مناشدة قوى خارقة للطبيعه.
لقد انقطعت الصلة بين الدين وممارسة الطب منذ عدة عقود في العالم المتقدم، وهناك تعليمات واضحة تمنع الأطباء من استغلال تحيزاتهم الدينية للتأثير على المرضى. كما يجب على الأطباء احترام المعتقدات الدينية للمرضى، لما لذلك من أثر إيجابي على تعاملهم النفسي مع المرض وتحمل الامه. في حالة احتياج المريض إلى علاج يتعارض مع القيم الدينية للطبيب، يجب عليه إرسال المريض إلى طبيب آخر قادر على تقديم هذا العلاج دون انتقاد أو التقليل من اختيار المريض.
لا شك أن وظيفه الطبيب هي معالجة المريض ونشر الممارسات المفيدة للصحة وليس الدعاية الدينية أو التدخل في معتقدات المرضى أو سلوكياتهم غير الضارة بالصحة، ومن يريد ممارسة الدعاية الدينية فعليه أن يفعل ذلك خارج نطاق وظيفته كطبيب وألا يستغل منصبه المتميز للتأثير على المرضى. كذلك، يجب أن يكون الأطباء على استعداد للتنازل عن المعتقدات الشخصية التي تتعارض مع تقديم رعاية فعالة للمرضى. علي سبيل المثال، دعا المجلس الطبي العام في المملكة المتحدة بعدم استخدام النقاب عند التعامل مع المرضي لانه يعيق التواصل الفعال وتنمية الثقة بين الطبيب والمريض. كما تحظر ارشادات المجلس الاطباء من استغلال موقعهم المهني للتاثير العقائدي علي المرضي، ويؤدي انتهاك هذه التعليمات إلى إحالة الطبيب للتحقيق من قبل المجلس الطبي العام، وقد يتسبب استمرار هذه التصرفات الي سحب ترخيص ممارسة الطب في المملكة المتحدة.
في مجال تدخل الدين في الطب، يجب مراجعه قسم الطبيب في مصر، الذي فرضته نقابه الاطباء علي الأطباء المصريين اثناء سيطره جماعه الاخوان المسلمين علي المناصب القياديه داخل النقابه، ولا يزال يستخدم هذا القسم حتي يومنا هذا.
صدر هذا القسم عن المؤتمر الدولي الأول للطب الإسلامي الذي عقد في الكويت في يناير 1981 وينص علي ما يلي:
”بسم الله الرحمن الرحيم. أقسم بالله العظيم أن أراقب الله في مهنتي. وأن أصون حياة الإنسان في كافة أدوارها، في كل الظروف والأحوال، باذلًا وسعي في استنقاذها من الموت والمرض والألم والقلق، وأن أحفظ للناس كرامتهم، وأستر عوراتهم، وأكتم سرّهم. وأن أكون على الدوام من وسائل رحمة الله، باذلًا رعايتي الطبية للقريب والبعيد، الصالح والطالح، والصديق والعدو. وأن أثابر على طلب العلم، أسخِّره لنفع الإنسان لا لأذاه. وأن أوقر من علمني، وأعلّم من يصغرني، وأكون أخًا لكل زميل في المهنة الطبية في نطاق البر والتقوى. وأن تكون حياتي مصداق إيماني في سري وعلانيتي، نقيًا مما يشينني أمام الله ورسوله والمؤمنين. والله على ما أقول شهيد“
ينحاز هذا القسم إلى فصيل معين من الأطباء ويتعارض مع قيمة مهمه في مهنة الطب، وهي الحياد تجاه اي معتقد.علي نقابه الاطباء في مصر مراجعه هذا القسم ليخاطب جميع الاطباء علي اختلاف معتقادتهم، ويركز فقط علي قيم مهنه الطب في التعامل مع المريض بصدق واخلاص وتفاني واحترام خصوصيته. ولذلك، يجب الرجوع الي قسم أبقراط الشهير الذي تم مراجعته وتنقيته من المرجعية الدينية الاغريقية في عام 1948 بواسطه الجمعية العمومية لـجمعية الطب العالمية في جنيف، بعد الحرب العالمية الثانية، فيما أصبح يعرف باسم ببيان جنيف بشأن أخلاقيات المهنة الطبية. ومنذ ذلك الحين، أصبح قسم أبقراط، في لغته وشكلته الجديدين، المرجع لقسم الاطباء في مختلف انحاء العالم، وقد تم مراجعته عدة مرات، وكان آخرها في عام 2006. يُعتَقد أن إقرار القسم في عام 1948 كان ردًا على تعاون بعض الأطباء مع النازيين، ولذلك أُضيفت إليه عباره “وأن لا يستخدم معرفته الطبية فيما يُخالفُ الأنسانية”، ويتضمن القسم “مُراعاةُ مصالح المرضى، وتقديمُ إنقاذ حياتهم على أي أولويات أخرى، والالتزام بالأخلاقيات والمحافظة على شرف المهنة، والالتزام بحدود الخبرة والقدرة وعدم الاقدام على المغامرات غير المحسوبة ويتمثل ذلك في التشجيع على تحويل الحالات إلى الأكثر اختصاصًا، وكتمان الأسرار والمحافظة على خصوصية المرضى، واحترام المُعلمين والزملاء وتعليم الآخرين، وتقديم الرعاية الطبية دون تفرقة على أساس العرق واللون والدين أو الجنس“. تجدر الإشارة إلى أن قسم أبقراط الأصلي كان يحتوي على فقرتين، واحدة تتعلق بالإجهاض والأخرى بالقتل الرحيم، ولكن تم إسقاطهما من النسخ الحديثة من القسم لأنهما موضوعان مثيران للجدل في العصر الحديث.
وفي الختام، لا داعي لتدخل الدين في الطب، لأن هذا لا يخدم الطب او الدين، فلكل منهما قواعده الخاصة التي يجب احترامها وعدم إساءة استخدامها، ولا يوجد تصنيف ديني للطب الحديث، فهو يعتمد بشكل أساسي على البحث العلمي والملاحظه الدقيقة للأمراض وكيفية علاجها وفق الأدلة العلمية، وينبغي ان يكون للمريض الحريه الكامله في اختيار وممارسة معتقداته غير الضارة بالصحة دون تدخل من الطبيب المعالج.
***
د. سامح مرقس






