قضايا

بتول فاروق: عطر المرأة وحكمه الفقهي في ضوء تغير المشهد الحسي العام

كثيرة هي أحكام المرأة التي تضع عليها أعباءً تكليفية تقيد حياتها، وتجعلها أقرب للعسر على خلاف التصور الشائع من كون تكاليف المرأة أقل من تكاليف الرجل، فالبحوث الأكاديمية ومواقع التواصل تزخر بكتابات تخرج من أقلام تضع حرف الدال قبل اسمائها أو من رجال دين -أو هكذا يظهرون من خلال ازيائهم- يتطرقون إلى تعاليم أو أحكام أو فتاوى تخص المرأة دون أن يلتفتوا أدنى التفاتة الى تغير الواقع الحياتي اليومي الذي حول موضوعات الأحكام الى واقع آخر، أو قضايا مختلفة عما رسمه النص من حكم لموضوع مخالف، منها على سبيل المثال: عطور المرأة وتطيبها عند الخروج من البيت.

المرأة والرجل اليوم يستعملان منتحات معطرة من الصابون الى سوائل غسل الملابس الى معطر الجو الى منظف الارضيات الى معطر الأطفال والى تعطير الزهور نفسها..

المجتمع صار مغمورا بالروائح والمعطرات الصناعية الغالية أو الرخيصة، فالعطر الذي ستضعه سيضيع مع هذه العطور المتداخلة.. لم يعد لعطر المرأة خصوصية واضحة حتى يكون محرما أو محللا، لم يعد العطر حالة استثنائية، فكل مكان تدخله ستجد عطرا فواحا مبالغا به يعطر الجو الى درجة الاختناق.

لكن لليوم يطلب من المرأة البقاء بلاعطر، لأن أنف الرجل قد يُفتن.

في أصول الفقه توجد قاعدة:

الحكم يدور مدار موضوعه وجودًا وعدماً، فأذا تغير الموضوع تغير الحكم موضوع تطيب المرأة وخروجها بهذا الطيب في القرون الماضية كان مرتبطا بنوع من العطور الطبيعية الغالية ذو القيمة العالية والنادرة مثل المسك والعنبر، وكان يستخدم في مناسبات خاصة جدا، وكان يُشم في بيئة خالية من الروائح، وكان يفسّر بإعلان رغبة أو إثارة.

أما اليوم فكل الأماكن معطرة: مطاعم ومولات وطرق وحمامات، كما الجسم والثياب محاطة بروائح مواد النظافة المعطرة بالعادة، وصار العطر جزءا من الصحة والنظافة والذوق، فتلاشت دلالته الجنسية تقريبا.

إذن تغير وصف العطر، أي تغير الموضوع فلابد أن يتغير الحكم.

لم يعد شم عطر من أمرأة غريبا أو مثيرا، فالأجواء محاطة بسحابة من العطور المتداخلة.

ولأنني لدي حساسية من العطور، فأني أكثر من غيري أدرك الأمر، وأجد ان كل مكان أدخله واي ملابس قريبة مني سأشم رائحة عطور عادية، ولا انتبه من وضع العطر رجلا أو أمرأة، أو مكانا أو ثوبا.

العطور في كل مكان. فهل ستعتق المرأة من هذا الحكم الذي انبثق حين كان للعطر دلالة حصرية على الدعوة للإثارة الحسية!.

وللعلم فان السيد السيستاني (حفظه الله) أباح الخروج للمرأة متعطرة اذا لم تكن تقصد الفتنة ولاتثير أفتتان الرجال !.(ظ: الموقع الرسمي للسيد السيستاني، شؤون النساء، الفصل التاسع، سؤال ٤٩٩)

وبما أن الجو العام صار معطرا كليا، فلم يعد لعطرها خصوصية كما أظن وأرى، فهل يكف الآخرون عن ترهيب المرأة بعذاب محيط لمجرد أن ثيابها تحمل عطرا كما أي مكان آخر لاعلاقة له بالإنسان !!.

***

د. بتول فاروق الحسون

٢٢/ ١١/ ٢٠٢٥

في المثقف اليوم