قضايا

أكرم عثمان: خط الزمن.. رحلة بين الماضي، الحاضر، والمستقبل

المقدمة: خط الزمن كبوصلة حياة

خط الزمن هو ذلك المسار الذي يربط بين ماض عشناه، حاضر نحياه، ومستقبل نطمح إليه. إنها البنية التي تشيد عليها تجارب الإنسان، المحطات التي شكلت هويته، والأحلام التي تلهمه للمضي قدماً. بالنسبة لأي فرد، فهم العلاقة بين هذه المراحل الثلاث هو مفتاح لتحقيق التوازن النفسي، والنمو الشخصي، وصناعة حياة مليئة بالمعنى والإبداع.

جمعتني جلسة في سبر لأغوار النفس البشرية من الأعماق الدفينة، والتحدث من القلب والفكر المستنير والواقعية في الحياة اليومية، وكيفية التعامل مع خط الزمن الذي يثقل كاهلنا ويجعلنا نتغبط وننزف ألماً قبل الدموع حسرة وآهاتاً ونتباكى على ماض ألم بها وشدنا لتاريخ وشواهد عشناها بين ثنايا الحياة وذكريات الماضي وجنباته. كان اللقاء مثمراً وسباقاً للتفكير المضيء والمشرق مع أحد الخبراء الذين لهم باع طويل وممارسات متميزة في تجربة الحياة والعمل وتجارب ثرية وغنية بالسفر والترحال والنهل من معين الحضارات الغربية والشرقية والعربية. في هذا المقال، سنغوص في تفاصيل خط الزمن، نستكشف كيف يؤثر الماضي في حاضرنا، وكيف يمكننا تسخير الحاضر لبناء مستقبل أفضل. كما سنناقش أهمية التسامح مع الذات، المرونة النفسية، والتعامل الإيجابي مع جوانب حياتنا المختلفة.

الماضي: مستودع الدروس والذكريات

الماضي هو حجر الأساس الذي يبنى عليه الحاضر والمستقبل. إنه مجموعة من التجارب التي عشناها، الأخطاء التي تعلمنا منها، والذكريات التي جعلتنا ما نحن عليه اليوم. البعض ينظر إلى الماضي كحمل ثقيل يعيق التقدم، بينما يراه آخرون كمصدر للقوة والإلهام. فالماضي جزء من الهوية الشخصية والجمعية التي لا يمكن للإنسان أن ينفصل ولا ينفك عنه، فهو جزء من تكوين شخصيته. إن محاولة إنكار الماضي أو التعامل معه كجثة تدفن لن يؤدي إلا إلى استمرار تأثيره السلبي. أما التسامح مع الماضي فيحدث تصالحاً مع الذات ومع الآخرين الذين كانوا جزءاً من الماضي، وهو مفتاح التحرر من آلامه ومنغصاته. فالتسامح لا يعني النسيان، بل يعني تقبل ما حدث، والتعلم منه دون السماح له بالتحكم في الحاضر وجرنا للوراء أو أن يجمدنا فيه ضعفاً وقلة حيلة وظلاماً دامساً، بل نوراً يهدينا سبل الرشاد والضوء الذي ينير مصابيح الدجى.

الإيجابيات المستخلصة من الماضي

تخيل معي مستوى التعلم والتطور من كل تجربة، سواء كانت إيجابية أو سلبية، تحمل درساً يمكننا استثماره في الحاضر. وعندما نحول الألم إلى قوة ومنعة تجعلنا نواجه التحديات التي حدثت في الماضي قد تكون هي الدافع للنمو والتطور والبناء الشخصي والجمعي والمهني الوظيفي. الماضي قد يكون وحشاً يلتهمنا إذا لم نعالجه، ولكنه يمكن أن يصبح نقطة قوة إذا أعدنا صياغته بشكل إيجابي.

فالحاضر هو المساحة الوحيدة للتحكم والتغيير، وهو اللحظة الوحيدة التي نملكها فعلياً. إنه الوقت الذي يمكننا فيه اتخاذ القرارات، العمل على تحقيق الأهداف، والتخطيط للمستقبل. التعامل بذكاء مع الحاضر هو المفتاح لبناء حياة متوازنة. وهو كذلك الحاضر كفرصة لتحقيق التوازن عندما نتعامل بمرونة ونعطي مساحة لإعادة ترتيب الأفكار، تفكيك المشكلات، وإعادة تركيبها بشكل مبتكر. إنه فرصة لتصفية الأمور العالقة من الماضي والاستعداد للمستقبل. ونتمكن من التخلص من الأعباء والتراكمات التي أحدثها شرخ الماضي وآلامه، فالجرأة على التخلص من الأشياء غير الضرورية، سواء كانت مادية أو معنوية، تمنحنا حرية أكبر للحركة والنمو. إن إدارة الحاضر بفعالية تمكننا من التعلم المستمر من خلال الوقت الذي يجعلنا فيه نوسع معرفتنا ونطور مهاراتنا. كل يوم هو فرصة جديدة لاكتساب شيء جديد. وأن التوازن بين العمل والحياة من خلال الحفاظ على نظام يومي متوازن بين العمل، العائلة، والهوايات يضمن العيش برفاه نفسي.

فالمستقبل آفاق مفتوحة وأحلام قيد التشكيل، فهو المساحة التي نرسم فيها طموحاتنا وأحلامنا. التخطيط له بحكمة دون الوقوع في فخ القلق والتوتر هو ما يضمن السير بخطى ثابتة نحو تحقيق الأهداف. وأن التخطيط الذهني للمستقبل يجعل رؤية واضحة ولكنها مرنة، فالعمل على التخطيط للمستقبل لا يعني حصر أنفسنا في أهداف جامدة، بل يعني وضع رؤية شاملة قابلة للتعديل حسب الظروف. وأن التعلم من الماضي والحاضر يبني المستقبل الذي يعتمد على استخدام الدروس المستخلصة من الماضي بالإضافة إلى الأدوات المتاحة في الحاضر. جميل أن نولي الاهتمام في التعامل مع القلق من المستقبل ونجعل تجاه المستقبل إيجابياً إذا تحول إلى دافع للعمل والتحضير، ولكنه يصبح سلبياً إذا تحول إلى خوف يعيق الحركة. وأن التركيز على الحاضر من أفضل طرق التعامل مع القلق من المستقبل، هو التركيز على الحاضر والعمل على تحسينه.

التوازن بين الماضي، الحاضر، والمستقبل

تحقيق التوازن بين هذه المراحل الثلاث هو مفتاح العيش بسلام داخلي. تقبل الماضي دون الإنكار أو التعلق، والعيش بوعي في الحاضر، والتخطيط المرن للمستقبل، والتسامح مع الذات والآخرين هي مفاتيح هذا التوازن. فالماضي جزء من تكويننا لكنه ليس قيداً، والحاضر هو المساحة الوحيدة التي نملكها فعلاً، والمستقبل يحتاج إلى رؤية تساعدنا على التحرك بثقة. والتسامح يعني التقدم دون قيود.

الخاتمة: خط الزمن كدورة دموية للحياة

خط الزمن ليس مجرد امتداد خطي للأحداث، بل هو أشبه بالدورة الدموية التي تغذي حياتنا. الماضي هو القلب الذي يضخ الدروس، الحاضر هو الشريان الذي يحمل الحياة، والمستقبل هو الهدف الذي نسعى إليه. فهم العلاقة بين هذه المراحل الثلاث، والعمل على تحقيق التوازن بينها، هو ما يمنحنا القدرة على العيش بسلام داخلي، مواجهة التحديات بثقة، وتحقيق أحلامنا بإبداع. خط الزمن ليس مجرد رحلة، بل هو فن نمارسه كل يوم.

***

بقلم: د. أكرم عثمان

في المثقف اليوم