قضايا

سجاد مصطفى حمود: الأبجديات المنسية.. كيف تشكل أفعالنا المستقبل غير المرئي؟

في عالم مهووس بالتقدم والإنجاز، يتساءل البعض هل نحن فعلاً مَن نكتب تاريخنا أم أن الأحداث تسير بنا وفق نسقٍ خفي لا نرى منه سوى خيوطًا ضبابية؟ هل ما نعتقد أنه قراراتنا الحرة هي فقط انعكاس للخيارات التي كُتبت لنا مسبقًا؟ في هذا المقال، نغوص في عمق اللحظات التي لا ننتبه إليها، في تلك القرارات التي نتخذها بعفوية، والتي قد تحمل مفتاحًا لفهم المستقبل، غير المرئي والمركب.
منذ فجر التاريخ، سعى الإنسان للكشف عن مسار حياته، محاولًا أن يضع خطة للغد. لكن ماذا لو كانت أفعالنا اليوم، حتى الصغيرة منها، هي التي تشكل الغد بشكل غير مباشر؟ قد يكون الجواب في التفاصيل الغامضة التي نحاول تجاهلها. هل ندرك فعلاً التأثيرات المترتبة على اختياراتنا اليومية؟ تلك اللحظات التي يظن البعض أنها عابرة أو غير مهمة قد تكون هي الأبجديات الأولى للواقع الذي نعيشه بعد سنوات.
عندما نختار مسارًا حياتيًا أو نلتقي بشخص غير متوقع، تتشكل الدوائر التي تؤثر في مجريات حياتنا. في الحقيقة، ليس كل شيء مرئيًا في الوقت الحاضر. المستقبل الذي يبدو ضبابيًا أمام أعيننا ربما كان قد بدأ تشكيله قبل سنوات، قبل أن نعي تمامًا أن ما نفعله الآن سيقودنا إلى نقطة معينة في الزمن. هنا يكمن التناقض: كل قرار صغير، مهما بدت عواقبه تافهة، ربما يكون أكثر تأثيرًا من أشياء كثيرة كنا نعتبرها حاسمة.
في عالم مليء بالاحتمالات، يبدو أن اختياراتنا لا تأتي من فراغ. هل هي مقدرة علينا أم هل نمارس التأثير على الواقع دون أن ندرك ذلك؟ هنالك شيء غامض يكمن وراء مسار حياتنا اليومية، شيء غير مرئي يصنع التغيرات الحقيقية في العالم. ربما هذه القوة التي لا نراها هي التي تتحكم في مصيرنا، تقودنا نحو مجالات لم نتوقعها، وتجعل من قراراتنا الصغيرة أحداثًا مصيرية. ومن هنا يبدأ التساؤل: هل نحن فعلاً أسياد أقدارنا، أم أن أفعالنا مجرد دمى في يد قوى خفية؟
الفكرة هنا ليست في أن نقع في فخ المبالغة حول الأقدار أو التوقعات الغيبية، بل في التنبه إلى أن ما نراه اليوم من أحداث ومواقف قد يكون مجرد تجسيد للخيارات التي تم اتخاذها في الماضي، أحيانًا في لحظة عابرة من الزمن. ربما نحن نعيش في وهم من أن المستقبل يتشكل فقط من قرارات اليوم الكبيرة، لكن في الحقيقة، قد تكون أفعالنا الصغيرة هي التي تكتب فصوله.
إن عملية الإدراك والوعي بما نفعله وما لا نفعله قد تفتح لنا أبوابًا لفهم أعمق لهذا الوجود الذي نشعر أنه عابر. وهكذا، نبدأ في إدراك العلاقة العميقة بين أفعالنا الحاضرة وبين عواقبها المستقبلية التي نعيشها بعد حين.
إننا لا نعيش في زمن ثابت؛ نحن محاطون بتشابك لا نهائي من التأثيرات والمفارقات. فهل كل لحظة تعيشها مجرد جزء من حكاية قد لا تكتمل إلا بعد مرور الزمن؟ هل قد تكون أفعالك اليوم هي الأبجدية التي تُكتب بها أحداث غدك، ولكن بطريقة لا تدركها إلا بعد أن يتكشف المعنى؟ كل شيء يبدأ من حيث لا نتوقع، وفي أماكن لا نتخيلها.
كل هذا يقودنا إلى السؤال الأهم: هل نحن بالفعل نصنع المستقبل؟ أم أن المستقبل هو الذي يصنعنا؟
***
سجاد مصطفى حمود

 

في المثقف اليوم