قضايا

محمد الدسوقي: هل الفلسفة علاج نفسي وفكري للإنسان؟!

كعادتنا في تعريفنا للفلسفة علي غير التعريفات التقليدية لها، نقول بأنها فن طرح الأسئلة فهدفها توليد الأفكار، ولن تولد إلا بعملية طرح الأسئلة وإثارة العقل، لمحاولة تفسير كل ما يحيط بالإنسان عن طريق رؤية كلية شاملة.

ونحاول في مقالنا هذا محاولة برهنة وإثبات وظيفة تطبيقية للفلسفة وهي العلاج والتداوي بالفلسفة، فهل هي فعلاً ليست مجرد تنظير؟!، أو كما يتهمها البعض علي أنها مجرد طرف فكري وكلمات رنانة ليس لها اثر عملي تطبيقي في الحياة.

هيا بنا في رحلة متنوعة إلي عقول بعض الفلاسفة لنستخلص إجابتنا عن التساؤل السالف ذكره.

أولا الفيلسوف الإغريقي إبيقورس: نستخلص من فكر هذا الفيلسوف ما يرتبط بفكرتنا حول العلاج بالفلسفة، فنجد فكرتين هامتين هما:

-١فكرة Ataraxia وتعني الطمأنينة والسلام الداخلي والتخلص من الخوف

-٢فكرةAponia وتعني غياب الألم والإكتفاء الذاتي مُحاطاً بالأصدقاء.

فهو من خلال فلسفته المؤسسة علي الفكرتين السابقتين، كان يحاول علاج الإنسان من ثالوث الخوف (الخوف من الآلهة، الخوف من الفاقة والعوز، الخوف من الموت)، لكي يصل إلي السعادة وهذا هو هدف فكر فيلسوفنا إبيقورس، وهذا يعد حُجة لصبغ الفلسفة بصبغة تطبيقية عملية، علي أنها علاج فكري ونفسي للإنسان نظراً لتعمقها في أسباب دوافع الإنسان.

ثانيا الفيلسوف الألماني نيتشه:

نري في تعريفه للفلسفة يبرز الجانب التطبيقي بجانب ماهيتها التنظيرية في تحليل قضايا الإنسان فيقول “الفلسفة ليست تأسيساً لديانة ولا تبشير بحقيقة ولا وعداً بالحرية والسعادة، بل هي نبش في الأسس وتعرية للأصول وإزالة الأقنعة وفضح الأوهام ”، نستخلص من هذا التعريف من مهام الفلسفة هي العلاج الفكري، نظراً للفاعلية الخاصة بالفلسفة وتوهجها في كشف عيوب الفكر الإنساني، من خلال التعمق في بحور النفس ومعرفة الدوافع الإنسانية، وهذا ما نجده في نظرية نيتشه في إرادة القوة والإنسان الخارق، التي هدفها تعزيز وتحسين الشخصية الإنسانية، ودعوة من فيلسوفنا نيتشه لكي نعرف قيمة وقوة الإنسان الحقيقية المتمثلة في إرادة القوة.

فيقول عن الإرادة الإنسانية “الإرادة هي ذلك البريق الساطع وسط الغيوم ”، أفلا يدل ذلك علي أن نيتشه يحاول بفلسفته ان يحرر الإنسان من أوهامه، أليس في هذا التحرر نوع من العلاج الفكري للإنسان، وأن يجب ألا يُسلم بأي إفتراضات علي أنها مسلمات، بل يجب نبش وفحص أصولها حتي نستنتج أصالتها ولهذا لا نتعجب من إطلاق لقب فيلسوف المطرقة عليه، لإن نيتشه كان يكسر كل التابوهات والمسلمات لإعادة صياغتها من جديد بعد تحليلها جذرياً.

ثالثاً العلاج بالفلسفة في الوقت المعاصر:

توجد العيادات الفلسفية في دول أوربا، وهي عبارة عن ديالوج بين فيلسوف وشخص يطلب المساعدة في حل مشكلاته الحياتيه، ويتم التعافي بتقديم المقترحات والحلول من الفيلسوف إلي الشخص الذي يعاني، ولكن الفرق بين الإستشارة الفلسفية والنفسية، هو أن العلاج بالفلسفة يتم من خلال النقد والمنطق والتحاور والتركيز علي الجانب الفكري، بينما العلاج بعلم النفس يتم من خلال التركيز علي السلوك الإنساني وليس الفكري.

ومن أكثر المناطق ثراء بمثل هذه العيادات الفلسفية هي دول اوربا وأمريكا الشمالية وأستراليا.

ختاماً به، يمكننا الآن الإجابة علي سؤالنا هل الفلسفة علاج فكري ونفسي للإنسان؟ نعم، فالأمثلة السابقة ليست إلا نقطة صغيرة في بحر الفلسفة وبالأخص الفلسفة التطبيقية، ما اكثر الفلاسفة الذين نادوا بالجانب التطبيقي للفلسفة، وتركيز الضوء علي الإستشارة الفلسفية ولكن لا يتسع المقام هنا لسرد جميع الأمثلة والحجج المُبرهنة علي العلاج بالفلسفة، ونستكفي بعرض نموذج من الفلسفة القديمة يدل علي أصالة فكرة العلاج بالفلسفة عند إبيقورس من ناحية عميقة في النفس، ونموذج من الفلسفة المعاصرة عند نيتشه من زاوية فكرية رصينة، لنستنتج وظيفة الفلسفة بالعلاج الفكري والنفسي و أن جانب العلاج بالفلسفة فكري اكثر منه نفسي، لتخصصات علم النفس الدقيقة في دراسة وتحليل سلوك الإنسان، أما الفلسفة تُركز علي الجانب الفكري، ولا يهمنا سوي نتيجة واحدة أن للفلسفة وظيفة علاجية وأثر تطبيقي في الحياة.

ويبقي السؤال هل مجتماعتنا العربية مؤهلة لمثل هذه العيادات الفلسفية؟!أم ستظل تواجه الفلسفة شبح التهميش ولا تلقي أي تقدير وإهتمام؟

***

محمد أبو العباس الدسوقي

في المثقف اليوم