قضايا

غزلان زينون: حين تتكلّم الأحلام بلغة الرموز

تأملات في حضور المعرفة والشعور في اللاوعي

 لطالما اعتُبرت الأحلام نوافذ للروح، ولغات لا يتقنها سوى من أصغى إلى رموزها. غير أني وجدت نفسي، طالبةً اعتادت أن تنظر إلى الحلم بوصفه حالة شعورية عابرة، أمام تكرار رمزيّ  يُبدع في كل مرة إشارة مختلفة، غامضة، لكنها موحية، وعميقة الأثر. أصبحت هذه الأحلام بالنسبة لي ساحةً رمزيةً مفتوحة، تذوب فيها الحدود بين المعرفة والشعور، بين العلم والرمز، وبين اللاوعي والإدراك.

أن أراه جالسًا في الصالون، يبتسم لي... لم يكن تفصيلًا بريئًا. فهو المكان الذي استقبل فيه وعيي أولى لمسات الأمان والانتماء. وأن يحمل (x) نفسه هذه الهيئة، فهذا يعني أن رمزيته امتزجت بجذوري. لم يعد مجرد موجه، بل أصبح امتدادًا داخليًا لصوت الإرشاد… تمامًا كما الأب، كالأخ ك ك ك...

الإصبع المرفوع دون كلام، وسط الحلم، كان أشبه بالنداء الرمزي، لا رسالة صريحة، ولا تفسيرا مباشرا. مجرد توجيه يستدعي التأويل. هنا، كنتُ أنا من أُكمل المعنى... وكأن الحلم لا يسلّمني المعنى جاهزًا، بل يدعوني لأن أُشكّله. ألا يشبه ذلك تمامًا فعلَ الفهم المعرفي حين نغوص في نص مُشفّر أو بيت شعر؟

مصحف في اليد… وأوراق فارغة في الفصل؛ لم تكن الدلالة الدينية وحدها ما استوقفني، بل التقابل المفاجئ: الطلاب كلهم يمسكون أوراقًا بيضاء فارغة — رموزًا للفراغ أو الضياع ربما — بينما أنا وهو وحدنا نمسك بالمصحف، كتاب المعنى.

كأن الحلم يقول: المعرفة الحقيقية ليست في الكمّ، بل في الجوهر؛ ليست في الإجابة، بل في الرؤية. وكأن رمزية المصحف هنا تمثل معرفةً مباركة وموثوقة، لا مجرد استذكار.

أكثر المشاهد شاعرية... يطلب مني أن أُصلح له شيئا يخصه،  كأن اللاوعي يوكّلني بمهمة ترميم شيء رمزي بداخلي، أو بداخله، أو بيننا.

أدوات "الربط"، لا فقط في ما هو مادي يملكه، بل بين الشعور والمعنى، بين المعرفة والعناية، بين الانكسار والصون، بيننا.

 حين يصبح (x) رمزًا لا شخصًا لم أعد أراه كشخص من لحم ودم فقط، بل صورة عقلية مركّبة، تضم سلطة العلم، دفء الاعتراف، تلميحات اللاوعي، وربما حتى توقًا داخليًا للانتماء إلى عالم من المعنى، إنه شخصية مركّبة تشكّلت في لاوعيي لتقودني -لا إلى النجاح والتفوق فحسب - بل إلى وعي أعمق بنفسي، وبما أطلبه من المعرفة.

ليست الأحلام دائمًا هروبًا من الواقع. أحيانًا، تكون الأحلام لغةً بديلةً لما لا نعرف كيف نقوله يقظةً. في تجربتي هذه، كان الحلم منصّةً رمزية يتقاطع فيها العلمي بالشعوري، والتعليمي بالحميمي. فتولدت داخلي حكاية لم أكن لأكتبها لولا أن تكلمتْ الرموز بصوت خافت... وكنت أنا الإصغاء.

***

بقلم: غزلان زينون

 

في المثقف اليوم