قضايا

أنور ساطع أصفري: مستقبل البحث العلمي في عصر الذكاء الاصطناعي

آفاق وتحديات

الذكاء الاصطناعي مهما كان موقفنا منه، إلآّ أنّه يُعبّر عن ذاته بشكلٍ مباشر، إلى أنّه " قفزة نوعية " في عالم الأبحاث، حيثُ شهدت الأعوام القليلة الماضية دور الذكاء الاصطناعي في عالمٍ مختلف، وخاصّة في إجراء البحوث وتطبيقها وتحليلها في آفاق البحث العلمي.

وخاصّة أن الحروب اليوم لم تعد عسكرية فقط، بقدر ما هي اقتصادية وتقنية ومعلوماتية.

حتّى لو حدثت حرب عالمية ثالثة فهي لن تكون عسكرية وحسب، بل ستكون تقنية ومعلوماتية في المقام الأول.

في السنوات الماضية شهدنا ضجيجاً فوضوياً حول الذكاء الاصطناعي، لكنه تضاءل وتلاشى، حيث وصل الذكاء الاصطناعي إلى أوج توقعاته، وصل إلى قمةِ هرم التوقعات الخاصّة به.

في ثورة الذكاء الاصطناعي ومتغيراته فإنه يستطيع أن يتعامل مع النماذج الكبيرة التي تتطلب كفاءة كبرى، وأيضاً مع النماذج الصغيرة التي تتطلب كفاءة أقل.

طبعاً الذكاء الاصطناعي مهامه متتالية فإنّه يقوم بتحديد المهام، ومن ثُم اللجوء إلى التحليلات، ومنها نصل إلى رؤى جديدة، وهذا سيجعل العمل أكثر موضوعية وكفاءة وقدرته على الإبداع البحثي.

لذا نرى أن الباحثين يتوجّهون نحو الذكاء الاصطناعي الذي يزداد انفتاحاً وشعبية وخاصّة في مجال مساعدة العملاء وصناعة البرمجيات، ويبقى الأهم التركيز على الأخلاقيات و وضوح التعامل، حيث أن الذكاء الاصطناعي سيعم العالم خلال السنوات القادمة.

 يُعتبر الذكاء الاصطناعي أحد أهم التطورات التكنولوجية التي شغلت العالم، فهو أي الذكاء الاصطناعي يُعزز القدرات البشرية، ويُحسّن عمليات البحث العلمي والابتكار، بل الإبداع في هذا المجال وبشكلٍ كبير.

حيث أن الذكاء الاصطناعي يعتمد بشكلٍ مباشر على المعطيات و البيانات والخوارزميات والحوسبة بهدف اتخاذ القرار وحلّ المشكلة، حيث أن الذكاء الاصطناعي يمكنه القيام بمهام متعددة الجوانب مثل البشر.

الذكاء الاصطناعي يُقدّم عملاً واسعاً في مجال تحسين وتطور البحث العلمي، فهو يقوم بتحليل البيانات الضخمة، وتسهيل الاكتشافات العلمية، ومساعدة الباحثين على إتخاذ القرار المناسب، والاستثمار الفعلي في أي مشروع علمي، مثل الكيمياء واكتشاف الجزئيات، والطب والتشخيص السريري، والفيزياء والبحث عن جسيماتٍ جديدة، وعلوم التغير المناخي والبيئة وفهم تأثيراتها.

المستقبل سيكون أكثر إشراقاً لأن الذكاء الاصطناعي سيعم كل الدول، حيث سيتمكن الذكاء الاصطناعي من تسهيل وتطوير التعاون الدولي في مجال البحوث، وتسريع عملية الاكتشاف بوتيرة أسرع، وتطوير التقنيات الجديدة، وتوجيه البحث العلمي نحو تحدياتٍ كبيرة، وخاصّة في مجال البيئة والاقتصاد والصحة، ومن خلال هذا المنطلق علينا الاعتماد على الذكاء الاصطناعي الذي سيوفّر لنا التكنولوجيا الحديثة والفرص الكبرى في مجال البحث والابتكار مع الحفاظ على الأخلاق والأمان.

خلال السنوات القليلة الماضية أصبح جلياً أن الذكاء الاصطناعي لعب دوراً بارزاً في مجال تطبيقاته التي تساعد الباحثين وطلبة الدراسات العليا في كافة خطوات البحث العلمي ومراحله، مثل تجميع المادة العلمية، ومعرفة الدراسات السابقة مثل رسائل الماجستير والدكتوراة، ومن ثم تنظيم وترتيب وادارة ما يتناسب واهتمامات الباحث، وذلك من خلال توفير بيانات تحتوي على الكثير من المواقع والأبحاث.

ومن أهم التطبيقات، تطبيق MENDELEY الذي يوفّر للباحث جمع كافة الأبحاث والدراسات التي يطّلع عليها، والعودة إليها إذا إضّطر إليها مرّة أُخرى.

وتطبيق RESEARCHER الذي يوفّر للباحث الوقت، ويساعد الباحث في أي مشكلةٍ بحثية يتعرّض لها، ويعرض لهم أيضاً الدراسات والأ[حاث السابقة التي لها علاقة بموضوع البحث المهتم به.

وتطبيق LIBGEN وهو يتميّز بأنه يمتلك محرك بحث للمقالات والأبحاث العلمية والكتب في تخصصات مختلفة، والتي توفّر للمستخدم امكانية الوصول السريع والمجاني إلى المحتوى العلمي المقصود، وفي هذا التطبيق هناك أبحاث وملفات وكتب كثيرة جداً بصيغة " PDF" جاهزة للتحميل المجاني.

تطبيق ENDNOTE هو أحد التطبيقات المهمة للذكاء الاصطناعي الذي يُساعد الباحثين على إدارة كافة المراجع أثناء اعدادهم لأبحاثهم العلمية، والبحث في العديد من قواعد البيانات المختلفة.

تطبيق ZOTERO أيضاً هو أحد التطبيقات الذكية، للذكاء الاصطناعي، الذي يُساعد الباحثين على إدارة البيانات و المراجع البيليوغرافية والمواد البحثية، مثل المقالات والرسائل العلمية والبحوث التي تتعلق بعنوان البحث الخاص بهم، وبالتالي يقوم بتنظيم الحواشي والمراجع.

وهناك تطبيقات أخرى مثل M ASADER - ETHOS - ELICIT- وسواها.

من أهم التحديات التي تواجه الذكاء الاصطناعي هي المخاوف التي تتجلّى بأن الإعتماد الكلّي على برمجة الذكاء الاصطناعي في الأبحاث كافة سيحدّ حتماً من الحسّ الإنساني والإبداع البشري.

وبنفس الوقت علينا أن نعترف بأن الذكاء الاصطناعي ثورة، لكنه أبداً لن يتمتع بالحسّ البشري، ولن يصل إلى مستوى المعرفة عند الإنسان في مجالات مختلفة عديدة.

إنّ مخاطر الإعتماد على الذكاء الاصطناعي تتجلّى في الخصوصية والأمان والقرارات الأخلاقية، والإعتماد الكلّي تقريباً على التكنولوجيا، والحدّ من ألية اليد العاملة البشرية.

ولكن هناك مجموعة من الاخصّائيين في مجال الذكاء الاصطناعي بذلوا جهداً كبيراً من أجل توظيف الأخلاق والخصوصية والشفافية في مجال الذكاء الاصطناعي، من خلال بل بالاعتماد على مدوّنة أخلاقية خاصّة بالذكاء الاصطناعي.

لا ننكر أن الذكاء الاصطناعي يُعدُّ إنجازاً كبيراً فيما يخصّ الرقي البشري، نظراً لقدرة الذكاء الاصطناعي على تقديم خدماتٍ كبيرة لا يٍُستهان بها في المجال الإنساني، إن كان في المجال الشخصي أو الطبي أو العسكري أو الصناعي والتجاري، ويبقى الهدف الرئيس هو تحقيق حماية ورفاهية الإنسان، حيث أن هناك ريبوتات خطرة وصعبة في المجال الصناعي، وفي ساحات المواجهات العسكرية ومراقبة الحالة الصحية للمرضى، ومساعدة الأشخاص ذوي الإعاقة أو الإحتياجات الخاصّة، وأيضاً حماية المنازل كما المؤسسات ضد أي إعتداء عليها، كلّها أمثلة وافية تضمن سلامة الإنسان.

الذكاء الاصطناعي في دول العالم تطوّر بشكلٍ ملحوظ، وكأن هذا التطوّر فرض على الدول العربية السير في هذا المسار، الذي يُشكّل المحرك الرئيسي للابتكار في قطاعاتٍ شتّى.

في السنوات القليلة الماضية شهد الوطن العربي تطوراً واضحاً في مجال الأدوات التكنولوجية التي تلعب دوراً بارزاً في تطوير الأبحاث العلمية والتقدم العلمي.

حيث أخذت المكتبات الرقمية والعناصر البحثية المتطورة منبراً مهماً لتسهيل الوصول إلى الأبحاث والملفات والدراسات العلمية، وهذا الشيء جعل الباحثين العرب يعيشون حالة التطور مع الأبحاث العالمية.

كما تم استخدام البرمجيات المتخصصة لتحليل البيانات في مجالات العلوم الاجتماعية والهندسة والطب، وهذه العناصر توفّر لكل باحثٍ القدرة على تنفيذ التحليلات المعقّدة، وأحياناً المعقدة جداً في زمنٍ قصير.

كما ساهم الذكاء الاصطناعي في تسريع معظم الاكتشافات العلمية، حيث تحسّنت التصاميم، وتحليل البيانات، وتحسين كفاءة الأبحاث العلمية، وتحسين البحث العلمي عبر الحدود.

هناك مشروعاتٍ بارزة في العالم العربي في مجال الذكاء الاصطناعي، مثل الإمارات والسعودية وقطر، ومصر بدأت الولوج هذا المجال في برامجها.

طبعاً هناك فرص متاحة أمام الوطن العربي، ولكن لا بُدّ من تعزيز التعليم في مجال الذكاء الاصطناعي، والتعاون مع الشركات الدولية ومؤسساتها، وتعزيز العلاقة التعاونية بين القطاعين العام والخاص، وادراج الذكاء الاصطناعي في برامج التعليم الجامعي، وإطلاق حزمةٍ من الاستراتيجيات المحلية الوطنية لدعم برامج البحث العلمي.

نعم الوطن العربي بدأ يشهد تحوّلات واضحة في مجال استخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، لكن الطريق أمامهم لا يزال طويلاً.

إن استثمار الوطن العربي في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا سيعزز في قدراتهم على تحقيق نتائج كبيرة تُساهم في حلّ معظم التحديات التي تواجه الأمّة في مجال البحث والتطور.

جرت عدة دراسات قام بها باحثون، ’و دقّقوا في دور الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي، لمعرفة وإدراك تأثيره الفعلي و مقارنته بالعلماء، وكانت النتائج تُشير بأن الذكاء الاصطناعي وقفزته النوعية يُعتبر قيمة فعلية في مجال المهام البحثية المتنوعة، لكن يفتقد توقعات وشعور الباحثين وخبرتهم.

لكن الذكاء الاصطناعي لديه المقدرة الكافية لمساعدة العلماء والباحثين في مجال جمع البيانات وتفسيرها وتحليلها، وأتمتة العمليات المتتالية، وهذا يخلق عند الباحثين العثور والتركيز على أكثر الجوانب الجوانب تعقيداً في عملهم، وإحداث تطورات جديدة في مجالات مختلفة، وخاصة في مجال علم الأحياء والفيزياء.

وقولاً واحداً إن دمج عناصر الذكاء الاصطناعي في عمليات البحث العلمي الذي يتيح لكل الباحثين تعزيز الكفاءة والانتاجية لديهم، وبالتالي فإن دمج الذكاء الاصطناعي مع الذكاء الإنساني البشري ينتج عنه المقدرة على دفع الابتكار والإبداع إلى مستويات رائدة في مختلف التخصصات.

أكّدت دراسات عديدة جرت حول امكانية ولوج الذكاء الاصطناعي مجال الدراسات العليا، وتحديات استخدام الذكاء الاصطناعي في مستويات التعليم العالي، وأظهرت تلك الدراسات إن تطبيق واستخدام الذكاء الاصطناعي في مجال التعليم العالي يُوفّر القدرة الفعلية في مجال تحقيق الكثير من الفوائد والمزايا، لكنه بنفس الوقت هناك تحديات تُشكّل تهديداً مباشراً على عدة جوانب في التعليم العالي، ولقد سلّط الباحثون الإشارة إلى العديد من التحديات و أكّدوا على سلامة البيانات وجودتها.

حيث تتمتّع مُدخلات الذكاء الاصطناعي بالإبداع في إفراز محتوى ذو صلة مباشرة، لكنه يحتوي على معلوماتٍ مُشوّهة أو غير صحيحة أو مُضللّة.

وبنفس الوقت إن مخرجات الذكاء الاصطناعي تؤدّي إلى تعقيد هذه المشكلة، ممّا يُشكّل الصعوبة على المستخدمين بشكلٍ متصاعد حول تمييز صحةِ المعلومات، ومن ثُمّ قد تنتشر المعلومات الخاطئة والمزيفة، وعدم الوصول إلى اكتساب المعرفة الدقيقة.

ومنها تسمو الحاجة إلى التقييم والتحقيق من مخرجات الذكاء الاصطناعي وخاصة في مجال التخصصات العلمية.

لذلك لا بُدّ من التعامل مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال المؤسسات العلمية المتقدمة من خلال توفير بنية تحتية، ودعمٍ فني وتقني، وتوفير فهم وإدراك وبعمق لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال التعليم، واستكشاف مزاياها، وتجربة وظائفها وقدراتها، والمتطلبات والقيود والتحديات بشكلٍ أفضل.

كما لا بُدّ من التطوير الفعلي للمهارات الخاصّة بهيئة التدريس والطلبة كذلك حول استخدام الذكاء الاصطناعي. وتوفير التدريب اللازم والتوجيه.

ومن الضروري تشكيل فريق عمل متخصّص لوضع تصاميم الخطط والسياسات والمناهج التي تعتمد وتتوافق مع مبادىء تنظيم الذكاء الاصطناعي في مجال التعليم العالي.

كما لا بُدّ من حماية وسلامة البيانات من خلال ضمان حماية الخصوصية، وتوفير تقنيات أنظمة التشفير والأمان والمصادقة.

***

د. أنور ساطع أصفري

في المثقف اليوم