قضايا

قاسم حسين صالح: ظاهرة انتحار الطلبة في العراق

تحليل سيكولوجي

آخر حدث: أفاد مصدر أمني، يوم السبت (26 نيسان 2025)، بأن "طالبة في المرحلة الأولى بقسم القانون في جامعة (الإمام الصادق) ضمن محافظة النجف، أقدمت على الانتحار داخل الجامعة، بعدما رمت بنفسها من الطابق العلوي إلى الأرض".

وقبلها:

 اقدمت فتاة من مواليد 2004 على الأنتحار داخل منزلها في قضاء الزبير بمحافظة البصرة بسبب رسوبها في الأمتحان.

 قامت فتاة بعمر الـ 17 عاما بشنق نفسها بشال (قطعة قماش لغطاء الرأس)، كانت قد علقته في سقف حمام منزلها، بمنطقة سبع قصور شرقي العاصمة، بعد رسوبها في الامتحانات. وأكدت الشرطة أن “هذه الحادثة هي الثانية خلال 48 ساعة حيث اقدم طالب في الصف الثالث المتوسط ويسكن وسط قضاء الحويجة (55 كم جنوب غربي كركوك)، على الانتحار من خلال شنق نفسه بحبل داخل المنزل.

 افادت وسائل إعلام محلية أن شاباً تولد 2004 اقدم على شنق نفسه بواسطة حبل معلق بسقف غرفته داخل منزله ضمن قطاع 7 في مدينة الصدر، شرقي العاصمة بغداد، وأن طالباً تولد ٢٠٠٩ أطلق النار على نفسه من سلاح نوع مسدس يعود لوالده في منطقة الحرية.

 اقدم شاب تولد 2007 على الانتحار داخل منزله ضمن منطقة حسينية المعامل بتناوله مادة الزرنيخ لرسوبه سنة ثانية.

 انتحار الطلبة «يتفاقم».. تسجيل 7 حالات خلال الـ 72 ساعة الماضية في بغداد وكركوك (4 تموز 2024 مانشيت العالم الجديد).

وتفيد الأحصاءات بأن 2000 حالة انتحار حدثت في العراق خلال اربعة اعوام.. معظمها طلبة.

فلماذا؟

من عادتي انني استطلع الرأي في ظواهر خطيرة كهذه.. واليكم نماذج من اجابات اكاديميين وأعلاميين:

 الاعلامي جعفر يونس العقاد

الجامعات الأهلية تفقد كل أخلاقيات المهنة امام الاقساط تعامل الطلبة كانهم في سوق تجاري ومن لايملك المال يخرج مهانا.

 د. علا الجلاد

ضعف الروابط الاجتماعية والشعور بالوحدة وعدم الاستقرار السياسي وكذلك ضعف الإيمان قد يجعل الإنسان عرضة أكثر للشعور بالفراغ الوجودي (Existential Emptiness) أو اليأس (Despair)، مما قد يفتح باب التفكير بالانتحار خصوصًا عند تراكم الضغوط.

 أ. د. الكفائي

الطالبة تعرضت الى اهانة كبيرة من قبل رئيس القسم وامام زملائها لعدم دفعها اجور الدراسة وهي تعاني اساسا من الفقر والعوز المادي.

 د. صباح محسن كاظم

كلفة الأقساط الكبيرة بالجامعات لاتمكن العوائل الفقيرة من الدفع، مع التفاوت الطبقي بين الثراء- غير الشرعي- والرواتب المحدودة.. أحد تلك الأسباب.

 المحامي: يحيى الدلي حسين

معظم الجامعات العراقية تفتقر إلى برامج دعم نفسي أو إرشاد أكاديمي فعال ؛ كذلك عدم الاستقرار السياسي والعنف المستمر في العراق يُسبب شعورًا عامًا بعدم الأمان أو انعدام المستقبل.

 جليل الجشعمي

التدمير الممنهج للتعليم من قبل قوى سياسيه ظلاميه ماسكه بالسلطه والتي جعلت من طلبة الجامعات الفئه الأسوء بالوعي الوطني والمجتمعي لذلك تكون هذه الحوادث نتاج طبيعيه.لو تسأل اي طالب في اي مرحله (ما هي أمنياتك في المستقبل). دائما يكون الجواب.. ضحكه شارده/ بعدها صفنه/ بعدها لا يوجد جواب لشريحه المفروض أن تكون متقدمه بالوعي والفكر والثقافه

 طارق حسين

هناك معلومات تشير إلى تعرض الطالبة للضغط من قبل إدارة المدرسة ومنعها من دخول قاعة الامتحان وسحب الباج الجامعي منها بسبب عدم تسديدها لمبلغ الأقساط الفصلي الذي عجزت عن سداده كونها من عائلة فقيرة مما أدى بها للإنتحار..

 علاء الخزرجي

الطالبات يتعرضن لأنواع الضغوط في الجامعات العراقية أهمها ١-ابتزاز بعض ضعاف النفوس من التدريسيين وربما الاداريين لبعض الطالبات وخاصة الجميلات منهن. ٢-علاقات الحب وماينتج عنها من فراق أو خيانات وغيرها. ٣-المشاكل المادية لبعض الطالبات من العوائل الفقيرة مقارنة بغيرهن من الطالبات من العوائل الميسورة

 كريم حنتوش الموسوي

بشكل عام الضغط النفسي بسبب اليأس الذي يحصل عند الطلبة أما بشكل خاص هذه الطالبة تعرضت إلى صدمة افقدها التوازن في اتخاذ القرار المناسب لمواجهة الأزمة قد يكون خبر زواج حبيبها أو خبر رسوبها.

تحليل سيكولوجي

ثلاثة اسباب وراء ظاهرة انتحار طلبة الجامعة..

الأول: خلل في تركيبة شخصية المنتحر

تفيد الدراسات العالمية والعراقية أن هناك صنفين من الأفراد الذين يرتكبون الأنتحار، الأول.. وصولهم الى حالة اليأس المطلق فيلجأون الى الأنتحار كوسيلة للهرب، والثاني، النظر الى انفسهم انهم صاروا عبئا على الآخرين، فيعاقبون انفسهم بالأنتحار.

الثاني: مجهولية المستقبل:

اكثر ما يشغل الشباب هو التفكير بالمستقبل.. ما هو طموح الشاب؟ ماذا يريد ان يكون؟.. فأن كانت الظروف السياسية والاجتماعية والعلمية.. ليست لصالحه فانه يعيش حالة احباط تؤدي بالبعض الى اكتئاب شديد يجبره عى التفكير بالأنتحار كوسيلة للخلاص.

ويشير واقع الحال الى ان الشباب في العراق كانوا قد صبروا اربع سنوات بعد تشكيل الحكومة في 2006 التي رأسها السيد نوري المالكي، ثم اربعا أخرى في حكومة المالكي الثانية التي شاع فيها الفساد.. وضاقت بهم السبل فتفرقوا بين من هاجر وغادر الوطن، وبين من لجأ الى المخدرات هربا من الواقع وبين من انتحر وبين من صبر.

الثالث: تدني جودة التعليم العالي

كان التعليم العالي في العراق من اجودها على صعيد العالم العربي، وتراجع.. وتدهور بعد 2003 بتولي الوزارة عناصر غير كفوءة، بدءا من السيد علي الأديب وانتهاءا بالسيد نعيم العبودي. وحصل ان زاد عدد الجامعات والكليات الحكومية والأهلية الى (51جامعة حكومية (بضمنها 15 في إقليم كردستان) و91 جامعة وكلية أهلية (بضمنها 14 في إقليم كردستان)، وأكاديمية واحدة للشرطة – بحسب مصادر).وصار هدف معظمها.. هو الربح المادي.

الثالث: الأسرة

يعود السبب الرئيس لظاهرة انتحار الطلبة بسبب رسوبهم في الأمتحانات النهائية، الى طريقة تعامل الوالدين مع أبنائهم، وبخاصة الأب. وتشيع بين هذا النوع من الآباء أساليب التهديد والوعيد والتحقير. فقبل الآمتحان يهدد الأب ابنه قائلا: (شوف ولك.. اذا رسبت ما اريد اشوف شكلك)، ولا يدرك هذا الأب أن هذا التهديد يؤثر سلبا على حفظ ابنه للمادة، لأن فكره سينشغل بما سوف يعمله ابوه به. وأن رسب فأن ابوه سيسمعه عبارات التحقير(غبي.. ما تصيرلك جاره، الله ابتلاني بيك).

ولهذه الظاهرة وجه آخر يتعلق بهذا النوع من الطلبة، فرغم توفير كل الأجواء المناسبة لهم من تكييف في غرفهم ومدرسين خصوصي، فأن هناك تكاسلا عند بعض الطلبة وعدم الرغبة في الدراسة والاجتهاد، مقارنة بزمان آبائهم وامهاتهم يوم كانوا يتسابقون في النجاح وهم يدرسون على ضوء الفانوس واللالة، وما فكروا يوماً في الانتحار.

ونوضح نقطة مهمة.. ان التعنيف من قبل الأهل قد لا يؤدي وحده الى انتحار الطلبة، فكثير من ابناء جيلنا تعرضوا لهذا التعنيف وما انتحروا، ما يعني أن الأمر ارتبط الآن بدخول عامل جدديد رافق الضعط الأسري هو الغزو الثقافي الذي بدأ يعطي ثقافة الانتحار والتمرد على الأسرة والأهل ويصفها بالحرية الشخصية، وإيصال فكرة أن الانتحار عملية سهلة للتخلص من الضغوط!.. فضلا عن ان مواقع التواصل الأجتماعي اسهمت في ابعاد هؤلاء الشباب عن الدين، الذي ينبّه ويحذّر من أن الأنتحار حرام في الدين الأسلامي، وان مصير من يرتكبه هو جهنم.. بجريمة قتل النفس التي حرّم الله قتلها الا بالحق.

ما المطلوب سيكولوجيا؟

جهتان مسؤولتان عن الحد من ظاهرة انتحار الطلبة هما (الجامعة والأسرة).. في ان يعاد الأصلاح الى التعليم العالي والأرتقاء بجودة الأداء العلمي للجامعات العراقية الحكومية والأهلية، والثاني.. أن يكون تعامل الوالدين بتوفير اجواء نفسية مريحة لأبنائهم خلال أدائهم الأمتحانات النهائية، تنمي لديهم الثقة بالنفس والطموح في ان يكون مهما في المستقبل، و بعيدة بشكل مطلق عن لغة التهديد والوعيد والتحقير. والثاني.. ارشادهم الى كيفية استخدامهم لوسائل التواصل الأجتماعي التي صارت في هذا الزمان الأب الثالث لهم بعد ان كان الوالدان والمعلم هما الأبوان في زماننا.. وان يكون لوسائل الأعلام دور في نشر الثقافة النفسية بين الشباب تحديدا.. تشيع التفاؤل بين جيل سيتولى ادارة شؤون اجمل وطن في المنطقة!

***

أ.د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

في المثقف اليوم