قضايا

سعيد بوسامر: إحياء اللغة العربية في الأهواز..

تحديات واستراتيجيات للحفاظ على الهوية الثقافية

يقدم المنظر اللغوي (Guiles) إطارًا نظريًا لفهم حيوية اللغة من خلال ثلاثة عوامل رئيسية: المكانة، التركيبة السكانية، والدعم المؤسسي. هذه العوامل تحدد مدى قوة اللغة أو ضعفها، وتؤثر بشكل مباشر على احتمالية استمرارها أو اندثارها.

أما المكانة فتشير إلى القيمة الاقتصادية والاجتماعية والتاريخية التي تحظى بها اللغة. على سبيل المثال، اللغة الإنجليزية تتمتع بمكانة عالية عالميًا بسبب هيمنتها الاقتصادية والتجارية، فضلًا عن تاريخها الاستعماري الذي ساعد في انتشارها. في المقابل، اللغة العربية في الأهواز تعاني من ضعف المكانة بسبب هيمنة اللغة الفارسية في إيران، والتي تُعتبر اللغة الرسمية والأكثر استخدامًا في المجالات الاقتصادية والسياسية. هذا الوضع يضعف مكانة اللغة العربية ويجعلها أقل جذبًا للأجيال الشابة مقابل لغة *البرستيج* أي الفارسية، مما يؤدي إلى انصهار جزء من المجتمع في الثقافة الفارسية السائدة وتهميش اللغة الأم العربية.

ثانيا التركيبة السكانية ترتبط بعدد المتحدثين باللغة وتوزيعهم الجغرافي، بالإضافة إلى معدلات الإنجاب بين أفراد المجتمع. من هذا المنظار اللغة العربية في الأهواز تتمتع بتركيبة سكانية قوية بسبب العدد الكبير للمتحدثين بها ومعدلات الإنجاب المستقرة نسبيًا.

ثالثا الدعم المؤسسي يشير إلى مدى تمثيل اللغة في المؤسسات الرسمية مثل الحكومة، وسائل الإعلام، والمناهج التعليمية. اللغة الكردية في العراق، على سبيل المثال، تتمتع بدعم مؤسسي قوي حيث يتم تعليمها في المناهج التعليمية في المحافظات الكردية. اللغة العربية في الأهواز تفتقر إلى هذا الدعم، حيث يتم تهميشها في المناهج التعليمية ووسائل الإعلام، مما يحد من انتشارها ويضعف فرص استمرارها للأجيال القادمة.

إذن، بالنظر إلى الأهواز، نلاحظ أنها تفتقر إلى العامل الأول (المكانة) والعامل الثالث (الدعم المؤسسي)، مما يضعفا حيوية اللغة ويهددا استمرارها وحيويتها ويسببا في تضعيف الهوية الثقافية للمجتمع العربي أيضا.

لتوضيح الصورة أكثر، يمكن مقارنة حالة اللغة العربية في الأهواز بحالة اللغة الكردية في تركيا، حيث تم منع استخدام اللغة الكردية في المؤسسات الرسمية والتعليم لعقود، مما أضعف مكانتها وحيويتها. ومع ذلك، فإن الجهود الأخيرة لتعزيز اللغة الكردية في وسائل الإعلام والتعليم قد ساعدت في تحسين وضعها نسبيًا.

لإحياء اللغة العربية في الأهواز وحمايتها من التشويه اللغوي، يمكن للشباب الجدد تبني مجموعة من الاستراتيجيات الفعالة التي تعزز استخدام اللغة وتضمن استمراريتها للأجيال القادمة.

- إنشاء مراكز تعليمية: يمكن للشباب إنشاء مدارس أو مراكز تعليمية غير رسمية (أو في البيت) تُدرّس اللغة العربية بشكل مكثف، مع التركيز على قواعد اللغة والأدب العربي.

-دروس عبر الإنترنت: استخدام منصات التعليم الإلكتروني لإنشاء دورات تعليمية مجانية أو منخفضة التكلفة لتعليم اللغة العربية للأطفال والكبار وهذا واجب الأخصائيين في مجال اللغة العربية وآدابها والأهواز تعج بأصحاب الشهادات العلياء في الللغة العربية وآدابها.

- نوادي القراءة والكتابة: تشكيل مجموعات قراءة ونوادي أدبية لتعزيز استخدام اللغة العربية في المناقشات الأدبية والثقافية وهذه مهمة المثقف والناشط الحر.

- الفعاليات الثقافية: تنظيم مهرجانات ثقافية وأدبية تعرض التراث العربي الأهوازي، مثل الشعر، الموسيقى، والمسرح باللغة العربية.

- الحفاظ على التراث الشفوي: جمع القصص الشعبية، الأمثال، والأغاني العربية الأهوازية من الكبار وتوثيقها في كتب أو تسجيلات صوتية ومرئية مما يساعد في الحفاظ على اللهجات المحلية.

- إنشاء منصات إعلامية: تطوير قنوات على اليوتيوب أو بودكاست باللغة العربية تناقش قضايا المجتمع الأهوازي وتعزز استخدام اللغة.

- تطبيقات تعليمية: تصميم تطبيقات تعليمية تفاعلية لتعليم اللغة العربية للأطفال والشباب من خلال القصص أو الشعر مثلا. وهذه مهمة التقنيين.

- مجموعات التواصل الاجتماعي: إنشاء مجموعات على فيسبوك أو واتساب أو تيليجرام أو... لتبادل المواد التعليمية ومناقشة قضايا اللغة والثقافة العربية وتعريف الأعلام الأهوازية والعربية.

- الضغط على الحكومة: تنظيم حملات ضغط سلمية للمطالبة بتمثيل اللغة العربية في المناهج التعليمية ووسائل الإعلام الرسمية. وهذه مهمة المندوب ورجل السياسة.

- مسابقات الكتابة والشعر: تنظيم مسابقات أدبية تشجع الشباب على الكتابة باللغة العربية في مجالات الشعر والقصة القصيرة (فرسان الشعر نموذجا).

- إنتاج أعمال فنية: إنشاء أعمال فنية باللغة العربية تعكس الثقافة الأهوازية وتجذب الشباب للتعرف على لغتهم الأم.

- مكتبات عامة (الكترونية): إنشاء مكتبات تحتوي على كتب باللغة العربية في مختلف المجالات، وتشجيع الشباب على القراءة.

- إصدار كتب ومقالات: نشر كتب ومقالات باللغة العربية تتناول قضايا المجتمع الأهوازي وتعزز استخدام اللغة، وهذه مهمة الكاتب الأهوازي.

- اللغة في المنزل: تشجيع العائلات على استخدام اللغة العربية في المنزل بشكل يومي لضمان انتقالها إلى الأجيال القادمة.

- اللغة في الأماكن العامة: تشجيع الشباب على استخدام اللغة العربية في الأماكن العامة والمحلات التجارية دون خلطها مع الفارسية.

من خلال هذه الحلول، يمكن للشباب الأهوازي أن يلعبوا دورًا رئيسيًا في إحياء اللغة العربية وحمايتها من التشويه، ويعززوا الهوية الثقافية ويضمنوا استمرارية اللغة العربية السليمة للأجيال القادمة.

***

د. سعيد بوسامر

٢١ فبراير ٢٠٢٤

في المثقف اليوم