قضايا

محمد الربيعي: تفاقم المركزية المفرطة في الاجراءات وتأثيرها على الجامعات العراقية

منذ سنوات عديدة، يشهد قطاع التعليم الجامعي في العراق تفاقما مطردا في مركزية الاجراءات، مما ادى الى تجريد الجامعات من صلاحياتها، فلم يعد لها اي قرار او دور ذي اهمية الا بتدخل من الوزير او الوزارة. هذا الوضع اثّر سلبا على اداء الجامعات وكفاءتها، واعاق تطورها ونموها. ونشهد يوما بعد يوم كيف تكبل الاجراءات البيروقراطية والتعليمات المتكررة طاقات الاكاديميين.

لقد ارهقت كثرة التعليمات التي تصدر من قبل الوزير ودوائر الوزارة العميد ورئيس القسم والتدريسي، حتى باتوا غارقين في هموم ما تصدره الوزارة، مما شل قدرتهم على التفكير الاداري الفعال.

ويبقى السؤال لماذا لا تثق الوزارة في قدرة الجامعات على تسيير شؤونها التعليمية، وتمنحها الحرية اللازمة للتركيز على بناء جيل المستقبل؟ ومتى ستتوقف الوزارة عن فرض سيطرتها على الجامعات بتعليماتها واوامرها في كل صغيرة وكبيرة، وتتركها تؤدي مهامها الاساسية في التعليم؟

مظاهر المركزية المفرطة في الاجراءات

تتجلى هذه المركزية المفرطة في العديد من المظاهر، منها:

- اخضاع العملية التعليمية، بما في ذلك الامتحانات وتقييم الطلاب لضغوط غير اكاديمية، مثل منح درجات اضافية بشكل تعسفي يتعارض مع المعايير الاكاديمية، مما يقوض مصداقية العملية التعليمية.

- التحكم الكامل من قبل الوزارة في المناهج الدراسية: تقوم الوزارة بتحديد المناهج الدراسية وتوزيعها على الجامعات من دون الاخذ بالنظر ما يتناسب مع احتياجات هذه الجامعات وظروفها المحلية او علاقاتها العربية والعالمية.

- تعيين القيادات الجامعية من قبل الوزارة: يتم تعيين رؤساء الجامعات وعمداء الكليات من قبل الوزارة، مما يقلل من استقلالية الجامعات ويجعلها تابعة للوزارة بشكل كامل.

- الرقابة الشديدة على الانشطة العلمية والثقافية: تخضع جميع الانشطة العلمية والثقافية التي تنظمها الجامعات لرقابة شديدة من قبل الوزير والوزارة وتدخلها بكل صغيرة وكبيرة، وهو ما يقيد حرية التعبير والابداع لدى الطلاب والاساتذة.

- القيود المالية: تعاني الجامعات من قيود مالية شديدة، بحيث يتم تحديد ميزانيتها من قبل الوزارة، فلا تستطيع الجامعات التصرف في هذه الميزانية الا بموافقة الوزارة.

اثار المركزية المفرطة على الجامعات

تترتب على هذه المركزية المفرطة العديد من الاثار السلبية على الجامعات، منها:

- تراجع مستوى التعليم: يؤدي التحكم الكامل من قبل الوزارة في المناهج الدراسية الى تراجع مستوى التعليم، مما يجعل المناهج غير متوافقة مع التطورات العلمية والتكنولوجية.

- اعاقة البحث العلمي: تحد القيود المفروضة على الانشطة العلمية والثقافية وعدم توفر الاموال اللازمة من قدرة الجامعات على اجراء البحوث العلمية، مما يؤثر على تطور البحث العلمي في العراق ويزيد من السرقات العلمية.

- تدهور الاداء الاداري: يؤدي تعيين القيادات الجامعية من قبل الوزارة الى تدهور الاداء الاداري في الجامعات، حيث لا يتم اختيار القيادات على اساس الكفاءة والخبرة، بل على اساس الولاء السياسي.

- فقدان الثقة في الجامعات: يؤدي تراجع مستوى التعليم وتدهور الاداء الاداري الى فقدان الثقة في الجامعات العراقية من قبل الطلاب واولياء الامور والمجتمع بشكل عام.

- عندما تقوم الوزارة بتغيير درجات الطلاب بشكل غير عادل، فأن ذلك يدمر مصداقية نظام الامتحانات ويجعل الطلاب يعتمدون بشكل متزايد على تدخل الوزارة بطرق غير قانونية.

- وعندما يمنع الوزير اقامة الماراثونات المختلطة في الجامعات، فأنه يستولي على حق رئيس الجامعة في ادارة النشاط الرياضي في جامعته.

الحلول المقترحة

للتغلب على هذه المشكلة، يجب على وزارة التعليم العالي العراقية اتخاذ عدة اجراءات، منها:

- منح الجامعات المزيد من الاستقلالية: يجب على الوزارة منح الجامعات المزيد من اللامركزية في اتخاذ القرارات المتعلقة بالمناهج الدراسية والانشطة العلمية والثقافية، وكذلك في تعيين القيادات الجامعية.

- تطوير الاداء الاداري: يجب على الوزارة العمل على تطوير الاداء الاداري في الجامعات من خلال تدريب رؤساء الجامعات والعمداء ورؤساء الاقسام والشعب وتطبيق اساليب الادارة الحديثة.

- زيادة الدعم المالي: يجب على الحكومة زيادة الدعم المالي للجامعات، حتى تتمكن من تطوير بنيتها التحتية واجراء البحوث العلمية الرصينة والهادفة لخدمة المجتمع.

- التوقف عن اصدار التعليمات والقرارات خارج اطار هيئة الرأي والامتناع عن التدخل في النتائج الامتحانية للطلبة.

خاتمة

ادى تفاقم المركزية المفرطة في الاجراءات الى تدهور مستوى التعليم الجامعي وتراجع كفاءة الجامعات العراقية. لذا، لا بد لوزارة التعليم العالي العراقية من تبني سياسة لامركزية فاعلة، تقوم على تفويض الجامعات بصلاحيات اتخاذ القرارات وتنفيذها، مع إعطاء الثقة الكاملة لكفاءتها في تسيير شؤونها التعليمية والإدارية. فبدون هذه الاستقلالية، لن تتمكن الجامعات من تحقيق اهدافها في خدمة المجتمع وتخريج اجيال قادرة على مواجهة تحديات المستقبل.

***

ا. د. محمد الربيعي

بروفسور متمرس ومستشار دولي، جامعة دبلن

 

في المثقف اليوم