قضايا
قائد عباس حمودي: العقل أساس الإيمان.. رحلة بين اليقين والمعرفة

دائماً ما يطرح سؤال حول العلاقة بين العقل والإيمان وهل هما متناقضان أم متكاملان؟ فمنذ القدم دار جدل حاد بين من يرى أن الإيمان يعتمد على الإيمان الاعمى، وبين من يرى أن العقل هو أساس الإيمان، وفي هذا المقال سنحاول تسليط الضوء على هذه العلاقة المعقده، وعلى دور العقل في بناء منظومه إيمانية متينه، حيث أن العقل هو أداة الإنسان الأساسية لفهم العالم، وهو يلعب دوراً محورياً في تشكيل الإيمان والمعتقدات، وفي العديد من الثقافات والأديان يعتبر العقل وسيله للتفكير النقدي والتأمل في القضايا الروحية والفلسفة، ولا يمكن إنكار دور العقل في فهم النصوص الدينية وتدبير أياتها، فالعمل يمكننا من استيعاب المعاني المختلفة، وفهم السياقات التاريخية والثقافية، والإيمان هو ليس مجرد تقبل أعمى للأفكار، بل هو عملية معرفية تتطلب البحث والتدقيق والفهم العميق، وعن طريق العقل ممكن أن نحلل النصوص الدينية ونفهم تعاليمها ونطبقها في حياتنا اليومية. مثال على ذلك، نحن عندما نقرأ أيه قرآنية تتحدث عن خلق الكون فأن العقل يمكننا من التساؤل عن أسرار هذا الخلق، وعن دقة التوازن في الكون، وعن قدرة الخالق، وهذا التساؤل لا يناقض الإيمان، بل يعززه ويعمقه. وهنا أنصح المتلقي أن لا يتردد في طرح الأسئلة، والبحث عن الإجابات المقنعة، وأن لا يقبل أي فكره دون تدقيق أو فهم، وكذالك أنصح بالاطلاع على آراء العلماء والباحثين المختصين في مجال الدراسات الدينية.
العقل يساعدنا أيضاً على التميز بين الإيمان الصحيح وبين الشبهات التي قد تشوه تعاليمه، حيث أن العقل يمكننا من نقد الأفكار المضللة ورفض المعتقدات الخاطئة والتميز بين الحق والباطل، والإيمان الحقيقي لا يتعارض مع العقل بل يتوافق معه ويقويه. فباستخدام العقل نستطيع أن نميز بين الإيمان المعتدل والإيمان المتطرف. مثال على ذلك بعض الأفكار المتطرفة تحاول تفسير الفصوص الدينية بطريقة مغلوطه، وتستخدم هذه التفسيرات لتبرير العنف والكراهية، وهنا يأتي دور العقل في رفض هذه التفسيرات والتمسك بالإيمان. وهنا أنصح المتلقي أن يحرص على دقة مصادر المعلومات وتجنب الانجراف وراء الأفكار المضللة والطلاع على آراء العلماء والباحثين المعتدلين، واستخدام العقل في كل ما يقدم له من أفكار أو معلومات .
فيما سبق تناولنا العلاقة بين العقل والإيمان من منظور عام. والأن سنتعمق في بعض الجوانب الأخرى لهذه العلاقة. ومن هذه الجوانب دور العقل في تعزيز الإيمان. وفي هذا الجانب بالتحديد قد يبدو الشك مناقضاً للإيمان، ولكنه بالواقع ممكن أن يكون محفزاً قوياً لنموه، فالشك يدفعنا إلى البحث عن إجابات مقنعة وإلى التعمق في فهم معتقداتنا، وهنا ليس من الضروري إن يكون الإيمان خالياً من الشك، بل أن الشك الصحيح ممكن أن يقوي الإيمان ويجعله أكثر رسوخاً فالسؤال والبحث عن الحقيقة هما جزء أساسي من رحلة الإيمان. مثال على ذلك شخص ما قد يشك في وجود الله، لكنه يواصل البحث عن الأدلة والبراهين، ويقرأ الكتب ويناقش العلماء، وفي النهاية يصل إلى يقين راسخ إلى أن هذا الشك لم يدمر إيمانه بل يعززه. وهنا أنصح الشاك أن لا يتردد في طرح الأسئلة حتى لو كانت صعبه من وجهة نظره، والبحث عن إجابات مقنعة، ولا يتردد في طلب المساعدة من الأخرين.
أضافه إلى ما سبق هناك جانب ثاني وهو العقل والانفتاح على الأخرين، حيث يساعد العقل في الانفتاح على الأخرين وفهم وجهات نظرهم المختلفة، فالإيمان الحقيقي لا يفرض بالقوة بل يقنع بالحجج، والعقل يمكننا من الحوار البناء مع أصحاب المعتقدات المختلفة، وفهم خلفياتهم وفهم أراءهم، وهذا الانفتاح لا يعني التنازل عن معتقدنا بل هو احترام الأخرين والبحث عن أرضية مشتركة مع باقي المذاهب. مثال على ذلك مناقشة هادئة مع شخص من ديانة مختلفة تمكننا من فهم معتقداته وتقدير ثقافته وربما نجد ثقافة مشتركة بيننا. وهنا انصح بالاهتمام والاستماع إلى وجهات نظر الأخرين ومحاولة فهم خلفياتهم، ولانحكم عليهم بناءً على معتقداتهم، وأن أكون محترماً وبعيداً عن النقاشات الحاده.
كذلك هناك جانب ثالث وهو العقل والإيمان في موجهة التحديات حيث أن في الحياة العامة يساعدنا العقل والإيمان في التغلب على الصعاب، فالعقل يمكننا من تحليل المشكلات وإيجاد الحلول المناسبة لها، والإيمان يعطينا القوة والصبر والثقة بالنفس، حيث أن العقل والإيمان يعملان معاً كفريق واحد يساعدنا على مواجهة الحياة بكل ثقة وأمل. مثال على ذلك شخص ما يواجة مرضاً خطيراً يمكنه استخدام عقله في البحث عن أفضل العلاجات، وفي نفس الوقت يمكنه اعتماده على إيمانه ليعطيه القوة والصبر. وأنصح في هذا الموضع أن لا استسلام للصعاب، واستخدام العقل في إيجاد الحلول وفي نفس الوقت الاعتماد على الإيمان لكسب الطاقة الإيجابية، وتذكر أن الله معك في كل الظروف. وفي الختام نجد أن العقل والإيمان ليسا متناقضان بل متكاملان، فالعقل يساعدنا على فهم الإيمان وتدبيره ويحافظ على نقائه من الشبهات، والإيمان يلهمنا بالبحث والمعرفة ويبحث في أسرار الكون العميق، والعقل هو أساس الإيمان وهو أداة قوية لبناء منظومة إيمانية متينة ولا يمكن أن يكون هناك إيمان حقيقي دون استخدام العقل، ولا يمكن أن يكون هناك عقل سليم دون إيمان بالحق.
***
م.م قائد عباس حمودي
جامعة واسط / كلية الآداب