قضايا

حاتم حميد محسن: أساطير مقدسة.. الإنفجار العظيم هو سبب خلق العالم؟

بعيداً عن الالتزام بما يقوله الإنجيل، جرى تفكير جريء في القرون الوسطى حول ما اذا كان الله قد خلق كونا أبديا. ابن رشد، فيلسوف القرن الثاني عشر جادل بان الكون كان دائما هناك. الكاتب دافا سوبيل اقتبس من غاليلو عبارة "الانجيل يعلّمنا كيف نذهب الى السماء، وليس كيف تذهب السماوات". غاليلو ربما حصل على الفكرة من رجل النهضة كاردينال بارونيوس، وعلى الارجح ان القديس اوغستين قال نفس الشيء في القرن الرابع في تعليق على سفر التكوين. كلهم اهتموا بالطريقة التي تجري بها السماوات، وكيف بدأت الآلية. بعض الحلول كانت جريئة. مفكرو القرون الوسطى كثيرا ما اتُهموا باتّباعهم الأعمى لأرسطو، وهو ما لم يحدث. في مسألة عمر الكون، كانت لأرسطو اطروحة رائعة: وهي ان الكون دائما موجود. غير اننا لا يمكننا فهم كيف جئنا الى الحاضر اذا كانت العصور السابقة لامتناهية، هناك الكثير من الأشياء التي لا نفهمها تماما.

أبدية العالم كانت موضوعا ساخنا للنقاش في القرن الثالث عشر. إعادة اكتشاف أعمال ارسطو حفز النقاش كثيرا، كما فعل ابن رشد (ولد عام 1126 في قرطبة). افلاطون جادل في حوار تيموس ان الكون المادي خُلق بواسطة خالق مادي Demiurge. لاحقا، أصر الإفلاطوني الجديد بروكلس proclus (410-485) في عمل له مفقود الان، بان العالم كان أبديا، خُلق أبديا بواسطة خالق مادي. يُعتقد بان بريكلس تأثر بشعور مضاد للمسيحية.

في عام 1280، جادل المسيحي سيجر Siger(1240-1284) وبشدة بإمكانية وجود دائم للعالم. هو انخرط مع ارسطو كما فُسر من قبل ابن رشد ولهذا تعرض للادانات من قبل اسقف باريس انذاك، بسبب افتراضات كهذه قيل انها مشتقة من ارسطو. عمل سيجر حول أبدية العالم يُعد هاما. انه يتقبل فكرة ان الكائن البشري وُجد من أب الى ابن في سلسلة أبدية. هو يهتم في السؤال حول منْ جاء قبل الآخر، الدجاجة ام البيضة. كان جداله يتم بطريقة معتمة لكنها صارمة. ورغم شبهات عقيدته الارثودكسية، لكنه بعد موته بسنوات، وضعه دانتي في أعلى فردوسه.

من المفيد الرجوع الى عمل توما الاكويني (توفي عام 1274) حول أبدية العالم. الاكويني يرى ان الكنيسة تعلّم بان العالم خُلق منذ بداية الزمن، وكما يذكر سفر التكوين (في البداية خلق الله السماء والارض ..) . لكنه يجادل بشكل مقنع ان الله خلق مخلوقا كان دائما موجودا. أبدية الله هي أكثر من كونه موجود للابد: هو لم يُحكم بالزمن وان فعلْ خلقه لم يتم بسلسلة من الحركات. و توما لا يجد أي تناقض في وجود مخلوق كان موجودا دائما.

القديس توما الاكويني راجع تفكير اوغسطين الذي جادل بان العالم خُلق في بداية الزمن. مع ذلك، يصر توما الاكويني بان اوغستين لم يفترض استحالة الوجود الدائم للاشياء المخلوقة. وجودها نتج عن فعل الله،سواء كانت جديدة او قديمة او موجودة منذ الازل.

يمكن الاستنتاج من النقاشات المفعمة للقرن الثالث عشر ان المسيحيين غير ملزمين لتوضيح بداية الكون بواسطة الانفجار العظيم Big Bang. في الحقيقة، الانفجار العظيم لم يوضح لماذا هناك اشياء بدلا من لا اشياء، بل يتم تفسير الكون من خلال الحالة الثابتة او الكون المتوسع والمنكمش الذي كان موجودا دائما.

***

حاتم حميد محسن

...........................

من صحيفة

The Telegraph في، 25 Jan 2025

 

في المثقف اليوم