قضايا
زهير ياسين شليبه: تأثير الآداب الأوروبية في الأدب العربي الحديث والمعاصر
شهد عصر اليقظة العربية ظهور تيارات فكرية مختلفة، منها العلماني والإسلامي السلفي ومنها الوسط، اتفقت أغلبها إن لم نقل كلها على ضرورة الالتقاء مع الغرب والاستفادة من تجاربه وعلومه، على ألا يؤثر ذلك على مقومات الشخصية العربية والإسلامية كما أكد العلامة محمد عبده في أغلب كتاباته (1).
ونود هنا أن نلقي الضوء على العلاقة بين الأدبين العربي والغربي في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية حتى الثمانينات.
لقد قامت العلاقة بين الشرق والغرب منذ قدم التاريخ على أساس المنافسة والرغبة في تبوّء مركز الصدارة في مختلف ميادين الحياة، بدءاً من الفكر مروراً بالسياسة وانتهاءاً بالحروب التي كانت تتويجاً لفشل سياسة أحد الطرفين في إخضاع الآخر تحت سيطرته.
وعلى الرغم من حالات الحروب والاستعمار والعداء، التي اتسمت بها علاقات العرب مع الغرب في العصر الحديث، إلا أننا نجد الاهتمام الكبير من قبل الأدباء العرب بالنتاجات الأوروبية الشرقية والغربية والأمريكية يتعاظم باستمرار.
يُعد هذا الاهتمام امتداداً لنشاطات التنويري بطرس البستاني في مجال الترجمة الأدبية حيث ترجم الإلياذة لفرجيل، بينما نقل الشيخ رفاعة الطهطاوي صاحب "المرشد الأمين في تعليم البنات والبنين"،"مغامرات فلنون" الرواية الفرنسية التعليمية (2).
إلا أن الاهتمام بالآداب الغربية من قبل العرب، أخذ في العصر الحديث طابعاً آخر يختلف كثيراً عن البدايات، من حيث التركيز على أنواع معينة في الأدب دون غيرها مثل قصيدة الشعر الحر، والقصة القصيرة، والرواية، وغيرها.
ولو نظرنا إلى تطور الشعر العربي الحديث مثلاً فسنجد أن التأثيرات الأوروبية والأمريكية لعبت دوراً هاماً، وإن كان غير ملموس في بداياته الأولى، مما يمكن ملاحظته في مدرسة أبوللو التي يدل اسمها اليوناني الأصل (أبوللو- رب كل شعر) على دلالتها وعلاقتها بالغرب.
تأسست هذه الجماعة في بداية العقد الرابع من القرن، بدعوة من الشخصية الألمعية الطبيب ورائد الشعر العربي والناقد الأدبي أحمد زكي أبو شادي (1892- 1955) أما خليل مطران (1872-1949)، الذي لُقّبَ بشاعر القطرين ومن ثم شاعر الأقطار العربية (1872-1949) فكان يعد أباً روحياً لها.
أما جماعة (الديوان) التي أسسها الشعراء الثلاثة عبد الرحمن شكري، إبراهيم المازني، وعباس العقاد، والتي حملت اسمها نسبة إلى كتاب (الديوان) فهي في حقيقة الأمر ثورة ضد التقليدية.
لسنا بصدد التوقف بالتفصيل عند هاتين الجماعتين الرومانسيتين، لكننا نؤكد علاقتهما مع العصبة الأندلسية والرابطة القلمية في جنوب أمريكا وشمالها، وبالتالي مع الثقافة الغربية بهذا الشكل أو ذاك.
لقد كانت لمحمود عباس العقاد الذي ثار على شوقي وإبراهيم علاقة بميخائيل نعيمة، وهناك أوجه شبه مشتركة بينهما تظهر في (عابر سبيل) للعقاد. وكان هؤلاء جميعاً على صلة بالأدب الرومانسي الإنجليزي، وتتحرك في دواخلهم نزعات التجديد الأدبي فدعوا إلى ضرورة التعبير عن الذات وتجاربها وليس محاكاة للطبيعة وانعكاسها لها واعتبروا الشعرعمليةً لتوصيل المشاعر بين الشاعر والمتلقي، وأن المتعة الفنية يمكن تحقيقها في الشعر نتيجة لهذه المشاركة الوجدانية بين هذين الكائنين الحيين المتفاعلين مع كائن حي آخر هي الطبيعة.
أهم ما دعوا إليه من الناحية اللغوية هو كسر وحدة القافية الواحدة والتوجه نحو الشعر المرسل والابتعاد عن اللغوية العربية الكلاسيكية واستخدام اللغة الميسرة.
ظهرت هذه التوجهات التجديدية في الشعر قبل أكثر من خمس وعشرين سنة من نشر قصيدة (الكوليرا) وغيرها من بدايات الشعر الحر لنازك الملائكة والسياب.
وانتقدا شوقي وإبراهيم في مرحلة كان الأول يتصدر فيها الشعر في البلاط الملكي، والثاني قريباً للشعب من خلال تصويره مختلف المناسبات.
انتقدهما الناقد والمترجم والكاتب المتعدد المواهب إبراهيم المازني أكثر من مرة في الصحافة قبل صدور (الديوان) الذي تضمن كلَّ آرائهما هو والعقاد عن الشعر العربي التقليدي وإذا تمعنّا في مطالب الأخير نحو التجديد وجدناها لا تختلف كثيراً عن واقع الشعر الإنجليزي والأوروبي عموماً. إذن فإن التأثيرات الغربية واضحة المعالم هنا، وعلى الأقل من ناحية التنظيرات الأدبية وتوجهاتها.
لا أحد يستطيع أن ينكر دور الموهوبين والمبدعين في تطوير الأدب وتغيير مساراته، وخاصة أولئك المطلعين على ثقافات الأمم. هذا هو حال هؤلاء الشعراء المصريين مثل شكري وأبو شادي وإبراهيم ناجي وطه والمازني والعقاد ومطران، وكل المهجريين.
ولنتذكر أن روايات نجيب محفوظ الشهيرة في الوطن العربي كله تتسم بمقومات مثل الحوار والحوار الداخلي (المناجاة-المونولوج) والوصف الخارجي للمكان والأبطال الرئيسيين والثانويين والخ من مقومات سردية لم تكن موجودة عناصرها الأولى لا عند قصص ابن منبه ولا في ألف ليلة وليلة ولا في قصص العرب قبل الإسلام ولا بعده.
كان يمكن أن يحصل تطور لكل هذه الأشكال النثرية العربية القديمة فتنتقل من (التاريخية) واللغوية والاجتماعية والدينية إلى الحياة اليومية، لو استمر الأدب العربي بالصعود والتطور بعد الفترة العباسية التي شهدت بزوغ التجديد.
لم يحدث مثل هذا التطور حيث انشغل الكتّاب العرب بالتدوين التاريخي والاجتماعي والديني منذ سقوط بغداد على يد المغول عام 656 هج مما أدّى إلى بقاء العرب أسيري الماضي، وبقيت المقامة تراوح مكانها حتى في العصر الحديث عندما كتب اليازجي مقاماته (ليالي سطيح)، هذا إذا ما استثنينا إلى حد ما مقامة (حديث عيسى بن هشام) للمويلحي التي تميزت ببعض عناصر السرد الحديث ليس بدون التأثير الأوروبي. (5)
إذن من أين أتى محفوظ بهذه القدرة على الكتابة مستخدماً كل أساليب الرواية الواقعية الانتقادية كما عرفناها عند الكلاسيكيين الأوروبيين ومقومات الواقعية الاجتماعية؟
إنها موهبة كتابة السرد أولاً وقبل كل شيء، والاطلاع الدقيق على الرواية الأوروبية الكلاسيكية والآداب الغربية بشكل عام، وهذا أمر لا يحتاج إلى الكثير من الأدلة والبراهين، فعلاقة جيل محفوظ بها معروفة، لكن الأهم هو كيفية إيجاد هذه التاثيرات في النصوص الأدبية من خلال التحليل النقدي المقارِن وليس بإطلاق الأحكام جزافاً.
فليس من الصعب مقارنة مقومات روايات محفوظ وأسلوبها بنظيراتها الأوروبية، لكن الأهم هنا برأيي هي الموضوعات والمضامين، التي اتسمت لديه بالمحلية بحيث أصبحت واسعة الانتشار في أوساط قراء العربية.
هذا هو سر نجيب محفوظ الذي جمع بين سحر الشرق وأزقته وتكنيك الغرب.
وعلى الرغم من أن نجيب محفوظ تربّى على العلماني سلامه موسى، كما قال هو بنفسه وأتقن صنعة الكتابة السردية ليس بدون الدور الإيجابي لاطّلاعه على الغربيين أمثال توماس مان ودوستوييفسكي وبلزاك وديكنز وغيرهم، وتوجهه نحو حارات مصر وأزقتها فأنتج "أولاد حارتنا" و"زقاق المدق" و"بدايه ونهايه"، وربط إلى حد ما بين مضامينه المحلية وأسلوب الكتابة الواقعية الأوروبية.
ولهذا نشرت الصفحات الثقافية العربية في السبعينات مقالاتٍ عديدةً تشير إلى تأثر نجيب محفوظ وأدباء عرب آخرين بالكتّاب الغربيين، لكن بعض "النقّاد" الصحفيين بالغوا ولايزالون يبالغون أحياناً في ترداد ما يقوله الآخرون عن تأثر هذا الأديب أو ذاك لمجرد سفره إلى أوروبا أو اطّلاعه على الآداب والنتاجات الغربية! فالاطّلاع على النتاج الأوروبي وحده لا يعني ضرورة التأثر به.
بلا شك، إننا لو توجهنا بهذا السؤال إلى هؤلاء الروائيين لأنكروا التأثر ولقدموا لنا تفاسير وآراء أخرى مختلفة، ويمكن أن يحصل التأثر من خلال لاوعي الكاتب وبدون إدراكه. وأحياناً أخرى يقر الروائي تأثره بهذا الكاتب الأجنبي أو ذاك كما هو الحال بالنسبة للراحل غسان كنفاني وتأثره بفوكنر، وغائب ط. فرمان مع إينازي سيلوني.
كما يتضح ذلك في تحليل خاص قمتُ به لرواية (النخلة والجيران) لغائب ط. فرمان وجدتها تشبه (فونتَمارا) للإيطالي إيناسيو سيلوني، ولا تخفى علينا قصة العلاقة بين الأولى ورواية نجيب محفوظ (زقاق المدق)، فمن تأثر بمن يا ترى؟ أم أنها العلاقات الأدبية "التايبولوجية" أوجه الشبه بينها لتشابه الظروف والبيئات الاجتماعية هي التي مارست فعلها؟
بالتأكيد أن تشابه الظاهرات الاجتماعية يؤدي إلى ظهور نتاجات أدبية متشابهة وليس بالضرورة نتيجة التأثر.
شهدت الخمسينات والستينات انتشار العديد من نتاجات الأدب الغربي، واطلع أدباء هذين العقدين على أعمال فوكنر وجويس وزولا ودوستويفسكي وشتانيبيك وأرثر ميلر وهمنغواي وسارتر وغيرهم الكثيرين أما عن طريق الترجمة أو القراءة المباشرة مما أثر على المستوى الفني لبعضهم من الفنانين الشباب آنذاك، الذين كانوا يسعون إلى إعادة خلق العالم من زوايا مختلفة عن تلك السائدة في أيامهم.
وظهر كتاب عرب مثل إحسان عبد القدوس والسباعي والشرقاوي ومحفوظ وحنا مينا وغائب فرمان والطيب صالح والتكرلي وعبد الرحمن منيف ممن كتبوا رواياتٍ فنيةً، ولهذا يقال عنها إنها "متأثرة بالنتاجات الغربية".
وبما أن التأثير يفهم عند العرب تقليدياً، على أنه تقليد وسرقات أدبية، فنرى أن الأدباء العرب أكثر من غيرهم ينئون بأنفسهم عن هذه (التهمة) التي "تهدد" وسمعتهم وأصالتهم الأدبية. ونكرر هنا أيضاً بأن التأثر غالباً ما يُنظر إليه كأمرٍ غير مقبول أو سلبياً في فترته عندما ترفضه جملة العوامل الاجتماعية والبيئية التي يعيش فيها الكاتب بسبب اختلاف الظروف.
ولكن على أية حال، هناك تأثر بالمضمون، كالذي حدث بالنسبة للرومانتيكيين، الذين "استعاروا" موضوعات الحب وإرهاصاته، مثل الحب بين الفقير والغنية أو العكس، أو بين شباب ينتمون إلى فئات مختلفة كما هو الحال في قصص محمد عبد الحليم عبد الله مثل (لقيطة) و(تحت ظلال الزيزفون) و(شجرة اللبلاب) وغيرها من القصص الرومانتيكية، التي تذكرنا بـ (آلام فرتر) لغوته و(رفائيل) للشاعر الفرنسي لا مارتين وغيرهما.
أما موضوعة الفقراء وكفاحهم ضد الأغنياء، فهي بلا شك انتشرت انتشاراً واسعاً لدى الواقعيين بسبب الظروف الموضوعية المتشابهة مع البلدان الأخرى، متأثرين بـ (الأم) لغوركي أو (العقب الحديدية) لجاك لندن، وكانت حالات التأثر مختلفة حسب مستوى الكتّاب العرب فظهرت ما يسمى بالقصص الساذجة بسبب التصوير المباشر والتقريرية، التي لا يزال يعاني منها بعض الأدباء العرب.
الشرقاوي قدم لنا (الأرض) على نحو يختلف كثيراً عن الكتّاب الواقعيين المبتدئين فجمع بين المضمون الواقعي والمهارة الفنية ومقومات الرواية الأوربية، هناك مؤلّفون واقعيون لم يستمروا في الكتابة على نمط الواقعية فانتقلوا إلى تجارب أكثر تنوعاً مع المحافظة على مضامينهم الواقعية فقدموا نتاجات روائية أصيلة مثل أعمال صنع الله إبراهيم والقعيد والغيطاني وعبد الحكيم قاسم من الجيل الجديد الذي ظهر في السبعينات والثمانينات.
استمر كتاب الخمسينات الواقعيون مثل حنا مينا وغائب طعمه فرمان وغالب هلسا وآخرين ضمن هذا الخط، ولكن بأساليب أخرى، ومضامين مختلفة تنطبق عيها تسمية الواقعية الجديدة، أو الواقعية الفنية أو الواقعية المشوبة بالرومانتيكية، فهي فعلاً خليط بين مضامين واقعية ورومانتيكية بسبب ظروف الشرق وتكنيك الرواية الغربية، إذ إنهم (الواقعيون) استخدموا أدواتها إلا أن هذا لا يعني استنساخاً كاربونياً، بأننا لوغيّرنا أسماء شخصيات رواياتهم لحصلنا على نتاجات غربية، فالمحلية لدى أغلبهم قوية وعالم كبير يمارسون رحلاتهم فيه.
وهناك كتاب تأثروا بموضوعات تقع على الضد من المضامين الواقعية مثل الوجودية والفردية والعبثية في بعض الحالات القريبة من أساليب ألبير كامو وكافكا مثل الكاتب اللبناني جورج سالم صاحب رواية (في المنفى) 1962، وكتابات مطاع صفدي وثلاثية سهيل إدريس، التي طرحت الأفكار الوجودية.
اهتم نهاد التكرلي بالأدب الوجودي في العراق، كذلك سار على منواله الروائي فؤاد التكرلي بالأعمال الأوروبية وأعجب ببعض الأدباء، وكتب على طريقة الروائيين الفنيين المهتمين بالتكنيك، لكنه رفض فكرة تأثير فوكنر عليه لأنه أصلاً لم يُعجب به بسبب غموضه، ولكنه أديب يهتم منذ بداياته الإبداعية بالأدب الرمزي والتعمّق في وصف الشخصية من الداخل، قد يكون قبل اطّلاعِه على الوجودية.
لكن جبرا إبراهيم جبرا هو أكثر من أهتم بهذا النوع من الأدب، وبخاصة روايات وليم فوكنر فترجم (الصخب والعنف) ونشرها في بغداد عام 1961 وقرأها أغلب كتاب تلك الفترة وأعجب بها قسم منهم مثل غسان كنفاني بينما أنكرآخرون هذا الإعجاب أو التأثر بها، لكن يبدو واضحاً أن الجو العام الذي يحيط أعمال التكرلي وجبرا إبراهيم جبرا يختلف عن أجواء روايات عراقية أخرى لكتّاب واقعيين تتميز لغتهم بالوضوح والبساطة أحياناً.
سبق وأن أشرنا إلى (ظلال على النافذة) لغائب طعمه فرمان و(الصخب والعنف) لفوكنر التي قد تكون "أثرت" تكنيكياً فيها و(شرق المتوسط) لعبد الرحمن منيف و(الرجل الذي فقد ظله) لفتحي غانم. وكانت هذه الفكرة تتردد كثيراً في الصحافة العربية في السبعينات.
وهناك من يرى أن الراحل فؤاد التكرلي متأثر بنتاجات الوجوديين والغربيين، لكنه أكّدَ لي شخصياً في لقاءاتنا اليومية أثناء إقامته المؤقتة في دمشق، رفضَه لتأثره مثلاً بفوكنر لأنه أصلا لم يعجب برواياته!
هناك فرق كبير بين التأثر بنتاج غربي معيّن والكتابة على منواله وأسلوبه المتجسّد في الجو العام أو الموضوعة والشكل والتكنيك. يبدو هذا النوع من الروايات الفنية العالية لبعض التقّاد أنها كُتبت بفضل "التأثر" بالأدب الغربي، لكن هذا الأمر يحتاج إلى إثباتات أكثر دقة، وأوجه الشبه وحدها غير كافية.
ولكن هذا لا يعني بأن هؤلاء لمجرد أن قرأوا هذه الروايات الغربية تأثروا بها وكتبوا على منوالها، فهناك ذات الكاتب الإبداعية ووعيه وشخصيته وذات أخرى مستقلة "صورة الكاتب" تظهر أثناء عمله في مشغله هي التي تلعب الدور الحاسم في عملية الإبداع الأدبي وهي التي تظهر في حقيقة الأمر درجة مهارته وقدرته على الخيال والتصوير.
على الرغم من أن بعض النقاد العرب حاول ويحاول إعادة أصل النوع الروائي إلى التراث العربي، إلا أن هناك روايات عربية عديدة تثبت عكس ذلك، وتؤكد متابعة الكتاب العرب للتكنيك الغربي والمواظبة على ممارسته. ولم يصل الروائيون العرب إلى المونولوج إلا بعد مجهود كبير وفترة طويلة اطلعوا خلالها على أعمال كبار الأدباء الغربيين.
ولهذا فإن أغلب ما ظهر قبل نجيب محفوظ هو محاولات على طريق الرواية الفنية، وخطوات تمهيدية لم يكن للروائي العربي بدونها أن يصل إلى رواية اليوم المعاصرة المتميزة بالأصالة والفنية والقدرة على الاستيعاب والخلق والممارسة اللغوية ذات النغمات المتعددة.
هذه هي أهم خطوط العلاقة بين الرواية العربية والغربية، ولا بدّ للباحث في الأدب المقارن من توخي الحذر والدقّة عند مقارنتة للنتاجات العربية بالغربية لكي يجد التأثيرات الملموسة، وليس إطلاق الآراء "التعسفيّة" كما وصفها أكثر من روائي. في الثمانينات والتسعينات انتشرت الأعمال الروائية المترجمة من الإسبانية مثل روايات ماركيز وأمادو وغيرهما، وبلا شك أن هذه النتاجات جنباً إلى جنب مع الأعمال الأخرى المترجمة مارست حضورها في العملية الأدبية قد تكون مادةً مهمّةً لبحث موضوعات التاثير والتأثّر بين النتاجات الإبداعية.
***
الدكتور زهير ياسين شليبه
.........................
الهوامش:
نكتفي هنا بالإشارة إلى أهم الكتب، التي تُعد مصادر رئيسة في هذا المجال.
1- أبا عوض أحمد والمغاربي عبد اللطيف. الحركات الفكرية الأدبية في العالم العربي الحديث. المغرب 1979
- وانظر: د. أحمد هيكل، تطور الأدب الحديث في مصر من أوائل القرن التاسع عشر إلى قيام الحرب العالمية الثانية، ط2، 1971، القاهرة، محمد عبده الأعمال الكاملة، تحقيق د. محمد عمارة.
- د. عمر الدسوقي، في الأدب الحديث، ج1 -2، ط ح، 1980
2- انظر د. لويس عوض، المؤثرات الأجنبية في الأدب العربي الحديث، ج1 قضية المرأة، ج2 في الفكر السياسي والاجتماعي ط4 دار المعرفة 1966.
- وانظر: د. محمد الكتاني، الصراع بين القديم والجديد، الرباط، 1982.
- أندريه ميكال، الأدب العربي، تونس، 1979، الفصل 1 عن الطهطاوي، فصل 2 بطرس البستاني
3- انظر حول هذا الموضوع: د. محمد الكتاني، الصراع بين القديم والجديد، الفصل التاسع
- د. شوقي ضيف، الأدب العربي المعاصر في مصر، القاهرة، ط4، 1971
4- نشر عبد القادر المازني عام 1912 مقالاً في صحيفة (الجريدة) انتقدَ فيها حافظ إبراهيم وشوقي "شعرهم كلام منسجم وأسلوب رائع ولفظ شائق ... لكن شعرهما يفتقد إلى روح وشخصية الشاعر وروح العصر".. وفي عام 1914 كتب المازني مقالات في صحيفة (عكاظ) جمعها في كتابه (شعر حافظ) وفضل فيها شكري عليه. وفي عام 1921 صدر الديوان بالاشتراك مع العقاد حيث كرسا فصولا طويلة لنقد العقاد لشوقي، والمازني لحافظ إبراهيم.
هذه المراجع متوفرة في طبعات مختلفة.
5- لا أرى ضرورة لكتابة عناوين النتاجات الروائية العربية والغربية فهي معروفة للقارئ المتخصص وغير ضرورية للقارئ العادي، لا سيما وأنها كثيرة في هذا المقال الصحفي الموجز.