قضايا

عبد الاميرالركابي: الثقافة العراقية ازاء ذاتها والعالم (ملحق)

ـ النطقية العظمى والانقلاب الالي اللاارضوي: 

يظل العراق محكوما من حيث الاشتراطات التاريخيه للطور اليدوي الى ما بعد انتهاء الفترة العثمانية، وحين يتلقى اثار ومفاعيل الالية فانه يتلقاها بما متوفرلدية من حصيلة الفترة المذكورة، خصوصا وانها انقطاعية انحطاطية، بينما يحل الغرب بالاخص منذ الاحتلال الانكليزي المباشر، بموقع الافنائية النمطية البنيويه، لتغدو هذه الواجهه وطليعة الحضور الغربي، بينما يكون العراق ساعتها واقعا مايزال تحت طائلة "اللانطقية" والعجز التاريخي عن التعرف على الذاتيه، فلا يتيسر في حينه وبديناميات متسارعة سوى الانقلاب الايديلوجي الماخوذ بقوة وزخم فعالية الاليات التكوينيه البنيوية، تلك العائدة الى التشكلية الحديثة المستمرة منذ القرن السادس عشر، مايعزز بقوة فعالية تبني وسائل الغرب استبدالا لمجابهة الحضور الغربي، بحيث امكن لقوة علمانيه ان تخترق المجال الاسفل اللاارضوي، بغض النظر عن مستويات "تخلفه" الاستثنائي المفترض، وعلمانيتها القصوى، بما استثار ردود افعال مضادة غير عادية من القيادة الاسبق الانتظارية النجفية، تجلى اخيرا في الفتاوى العلنيه المباشرة كما فعل المجتهمد "الحكيم"اوائل الستينات، بلا نتيجه تذكر.

ولاتعود الظاهرة المشار اليها مع قيام الحزب الشيوعي اللاارضوي القرمطي الكوراجيني (1934/1958) الى "اصطراع الطبقات" التي لاوجود لها ولا ماض، وهو ماشمل ايضا حزبا اخر قومي النزعه ( حزب البعث) لم يتاسس، بعد محاولات فاشله عرفها الحزب الشيوعي هو الاخر في بغداد، الا في الناصرية/ سومر، عاصمة المنتفك، ومنطلق التشكلية العراقية الثالثة الحالية، ليشكلامحور دينامية "دولة" مقابلة من أسفل، انتهت باسقاط وسحق الدولة البرانيه المركبه من خارج النصاب المجتمعي التي اقامها الانكليز عام 1921 في بغداد عاصمة البرانيه والانهيارمنذ هولاكو 1258 .

خلال اكثر من قرن عرف العراق محطتين افنائيتين، الاولى نموذجية كيانوية مفهومية، والثانيه احترابية ساحقة، الاولى تكفلت بها اوربا، والثانيه وريثتها زعيمة الطور الالي الثاني التكنولوجي الانتاجوي الامبراطورية المفقسه خارج رحم التاريخ، حضر فيها عنصر من خارج البنية التاريخيه هو "الريع النفطي"، وحل عالم من العيش الثاني على حافة الفناء مادي احترابي استمر من عام 1980 مع الحرب العراقية الايرانيه، حروبا واحترابات داخلية مع فقدان للاليات التي تبرر الكيانوية، كلها تعني مجتمعة مسارا موصولا ب "فك الازدواج المجتمعي التاريخي" متوافق مع انتهاء صلاحية وفعالية المجتمعية الارضوية على مستوى المعمورة، بينما تبدا علائم الانتقال الالي الثالث من " التكنولوجيا الانتاجية" الى التكنولوجيا العليا العقلية، ومايواكبها ويبدا في الافصاح عنها على مستوى المعمورة بصيغة افتقاد الكيانوية المحلوية والامبراطورية الامريكيه ممكنات الاستمرار.

كل هذا من شانه ان يتحول في مكان واحد بالذات على مستوى المعمورة، الى انقلاابيه عظمى مقابله لتلك التي عرفتها المجتمعات الارضوية مع بداية الانقلاب الالي، وبالذات في اوربا الطبقية وما قد طرا عليها في حينه من انتقال من المنظور اليدوي الى صيغة المنظور والنموذجية الالية الابتدائية، معرفة بالعلموية والعقلانيه الحداثوية، لتاتي ساعه الانتقال اللاارضوي الرافديني، من الحدسية النبوية، الى العليّة السببية، حين يصير المنظور اللاارضوي الاول السماوي تعبيرية وظاهرة "مجتمعية" مادية مصدرها الارض ونوع واشتراطات البيئة التي وجدت في غمرتها المجتمعية السومرية ابتداء.

ليس الانتقال الى الالية واحد على مستوى المعمورة كما كانت الحداثوية وعموم المنظور الغربي الحديث قد قرر، مكرسا صيغتة التي عرفها كطبعه وحيدة ثابته ، معتبر ا الالة مجرد انتقال في وسائل الانتاجية، وليس انقلابية فاصلة مجتمعية يدخل عندها عنصر ثالث على التكوين والبنيه المجتمعية التاريخيه المؤسسة على وحدة ( الكائن البشري / البيئة)، والتي لن تعود بعد حضور الالة هي نفسها وقد دخلت من حينه سيرورة اصطراعية نتائجها موكولة للمستقبل، تتعدد خلالها اشكال تفاعلية كل مجتمع بتدرجات، بحسب نمطيته الاولى اليدوية ومامتبق منها، ماينعكس على الالة نفسها مثلما على المجتمعات، فيؤدي الى تحولها وصولا لصيغتها الاعلى المتوافقه مع النمطية الاقرب لمافوق جسدية ومايتعداها، ذهابا الى الغاية العليا من الظاهرة المجتمعية، والى مايحكم وجودها ومسار تفاعليتها اللاارضوي الكوني.

هكذا ينقلب كليا المفهوم المواكب والناتج عن الانقلاب الالي، باعتباره بدئية ثانيه وليس عملية استمرار للاولى بوسائل جديده، مامن شانه تحدي القدرة العقلية البشرية التي تقع هي الاخرى بجانب الاصطراعية الالية المجتمعية الطارئه على محك الارتقاء لمستوى الانقلابية الكبرى الشامله، مع مايمكن توقعه من تعدد اشكال ومستويات التفاعلية ونتائجها بحسب الننمطية المجتمعية المتاحة والباقية من الطور اليدوي، وفي مقدمها النمط اللاارضوي الذي تحل اليوم لحظة اماطة اللثام عنه كمعطى اساسي غير مزاح عنه النقاب حتى حينه، بينما تكو ن عناصر الاصطراعية قد انتقلت نوعا، من اشكالها السابقة الجسدية الى المستوى الادراكي حيث العقل والتصور الكتابي الذي كان في الماضي وتاريخيا شكل تحقق اللاارضوية، ان صياغة مبتنى اللاارضوية الحدسي النبوي وتحققاته الكونية اللاكيانيه واللارضوية ابراهيميا، وفي التدرجات كمشروع اختراقي للمجتمعات الارضوية الاخرى، وصولا للختامية المحمدية الذاهبة الى الصين والهند، والى غرب اوربا، وقبلها المسيحية الاوربيه باعتبار مايشار اليه تعبير مجتمعي من نمطية بذاتها، مخالف ومناقض لتلك الارضوية على الطريقة المصرية ابتداء، والاوربية الطبقية ابتداء ثانيا.

لكم هي ضخمه وهائلة مترتبات العبور اللاارضوي من متبقيات الانقطاعية الانحطاطية الاخيرة، مع تحدي الالة وانقلابيتها، بالاخص ابان طورها التاسيسي، ومايواكبه من تاسيسية اوربية ارضوية توهمية طاغية، ان لم تكن كاسحه، بمقابل الاستئنافية البدئية الموجلة التحقق، والباقية بانتظار التفاعل المجتمعي التاريخي على مدى الدورات، قبل ان تتوفر الاسباب المادية للانقلابية العقلية العظمى، ومغادرة الجسدية، ومقابلها الاهم، الانطلاق التصوري التفكري العراقي المدخر والمنتظر الذي لااكتمال للانقلابية العقلية العظمى من دونه، وهو مايقف العقل العراقي اليوم ازاءه متهيئا لاجتياز متبقيات الغلبه التوهمية الغربية، باتجاه اللاارضوية العظمى التحققية العليةّ السببية التي تسقط سببية الغرب الاوربي الابتدائية، لتضع العالم على الطريق نحو الانقلاب الكوني اللاارضوي: هنا تتمثل مسيرة ومآلات الثقافة العراقية ومسيرتها الراهنه الحديثة، ذهابا الى الكونية الكبرى التحققية المؤجلة.

***

عبد الاميرالركابي

في المثقف اليوم