قضايا

علي حسين: لمن يكتبون وينشرون؟

من بين الكتب التي كنت أقتنيها في سنواتي الأولى، كان هنالك عدد من كتب سلسلة  بعنوان " كتاب الهلال "، وقد احتوت تلك السلسلة على كتب من كل أنواع المعارف، فقرأت من خلالها كتبا للعقاد وطه حسين وأحمد امين وزكي نجيب محمود وجبران خليل جبران وسلامة موسى في بعض كتبه، وكانت هناك اسماء لم اقترب منها لجهلي بنتاجها الادبي والمعرفي، ومن هذه الأسماء كان اسم ابراهيم عبد القادر المازني، فقد كنت اعتقد انه كاتب من الصف الثالث  إلى أن قرأت ذات يوم مقالا كتبه العقاد يقول فيه ان المازني واحد من خمسة كتاب لا يمكن للقارئ  ان ينشغل عنهم، المازني المولود في الاول من آب عام 1890، عاش 59 عاما قدم خلالها العديد من الكتب التي وصفت بانها ذات أسلوب فني جديد

. قد يقول البعض ما الذي ذكرك بالمازني ونحن نعيش عصر ما بعد الحداثة . كنت قد قرأت المازني قبل اكثر من أربعين عاما، ايام ما كنت فضوليا في القراءة، ومع كثرة المطبوعات وتنوع مصادر المعرفة لم  يخطر ببالي انني ساعود يوما إلى المازني، لكني بالأمس وانا أتجول في اروقة معرض الرياض الدولي للكتاب لمحت المازني من بعيد يستقر على احد الرفوف، اقتربت منه فوجدت العنوان مثير للفضول "رحلة المازني المعرفية من القراءة إلى الكتابة " التقطت الكتاب وانا امني النفس بمتعة خاصة فتحققت الأمنية، كتاب يأخذك في رحلة مع المازني والكتب التي تاثر بها والكتب التي كان يسخر منها، وحياته التي تقلبت بين الفقر  والاهمال، وسخريته اللاذعة من العالم المحيط به، وشكواه من الحال التي وصل اليها المشتغلين بحرفة الأدب،  حيث يكتب :" اما الأديب فلا يزال مركزه الاجتماعي قلقا، وصفته يشارك فيها كل من هب ودب ".وتذهب به السخرية إلى أقصى حدودها حين يقول  :" ترى لو أراد في زماننا إديب لا عمل له غير الأدب أن يتزوج، وتقدم إلى أسرة يطلب مصاهرتها، وسألوه عن عمله أو صناعته، فقال لهم : إنه أديب، فماذا يكون رأيهم فيه وظنهم به؟ أما أنا فأرجح ان يتوهمونه عاطلا، ويحسبوه قد جاء يطلب مصاهرتهم ليسرق مالهم " . وفي واحدة من اجمل المقالات يكتب عن العشوائية في النشر، وهو الأمر الذي نعاني منه الآن، فتجد عشرات الإصدارات الأدبية المحلية الجديدة  يعلن عنها في مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها سرعان ما تتبخر، دون ان تترك إي إثر عند القارئ الذي لا يقترب منها، في الوقت نفسه نجد ان بعض المشتغلين في النقد يسودون صفحات كثيرة في شرح مزايا هذه الرواية، وعبقرية صاحب هذا الديوان، لكنك تسأل هل وصل هذا النتاج إلى القارئ، او هل اهتمّ القارئ بهذه الرواية او ذاك الديوان  بالشعر والرواية، فيكون الجواب صادما، فتعرف أن البعض يكتب وينشر من اجل عيون بعض الأصدقاء والنقاد، يوزع كتبه بالمجان ويطبعها على حسابه الخاص،بعدها سنجد  هذه  الكتب ملقاة على ارصفة شارع الرشيد تباع بالكيلو. يكتب المازني في مقالة بعنوان زيتون في قرطاس من الشعر " :" اتفق يوما ان اشتريت من بقال زيتونا اسود، فلقه لي في ورقة حملتها وانصرفت، فلما صرت في البيت أفرغت الزيتون في صحن، وهممت أن أرمي الورقة، وإذا بها منزوعة من ديواني الذي كنت قد بعت ما بقي منه بالوزن . في ذلك اليوم بدأ رأيي يتغير في الأدب وقيمته، وما قيمة أدب مصيره دكاكين البقالين "

***

علي حسين – رئيس صحيفة المدى البغدادية

 

في المثقف اليوم