قضايا

غالب المسعودي: السرديات التاريخية “بروباغندا" سياسية مقصودة

كان افلاطون قد شغل نفسه بمشكلات المدنية، الجمالية، التكنيكية والقانونية، في وقت غدت المدينة اليونانية مشكلة لاحل لها، المهم في الامر كلما اتسعت المدينة انتشر الخوف من التكنولوجيا وتطوراتها المخيفة، هذا سبب ارباكا للعقل البدائي والانسان مشروط بمتطلباته اللامتناهية وهو ينظر الى المستقبل وكانه بيروقراطيات تسود، لا يستوعبها زمن وهي لعبة سياسية لا تستبصر حاجة الانسان، هيكليتها شخصانية بدائية و لمسة مشتركة بين الطبيعة والانسان، لذا تمت كتابة التاريخ من خلال تقنيات متعددة ووجهات نظر مختلفة وسرديات موجهة، مما أدى إلى روايات متناقضة، تؤثر الخلفيات الثقافية والسياسية للمجتمعات و تفسير الأحداث التاريخية، لكن حضور الأخطاء يساعدنا على تشخيص دورها في تكرار الفشل من خلال اعتماد التفكير النقدي في قراءة السرديات التاريخية وعدم قبولها كحقائق مطلقة، الحوار المعرفي بين الثقافات يساعد على تقديم صورة أكثر شمولية للتاريخ، من خلال تطبيق هذا الرؤية يمكن اعتبار بعض الروايات التاريخية "بروباغندا" مقصودة، تُستخدم فيها الروايات التاريخية لتشكيل هوية وطنية و تعزيز الانتماء القومي، وكذلك تُستخدم كأداة لتبرير السياسات أو الأفعال العسكرية، اذ يتم اختيار أحداث معينة وتجاهل أخرى لتقديم صورة منحازة لصالح السلطة في اكثر الأحيان، قد يتم تعديل الحقائق أو تقديمها بشكل مضلل لدعم رواية معينة. الروايات التاريخية التي تهدف إلى توجيه الرأي العام نحو قضايا معينة، تؤثر في كيفية فهم الناس لتاريخهم ويمكن أن تؤدي إلى خلق أعداء تاريخيين أو أبطال قوميين بطريقة تخدم أهداف السلطة الأيديولوجية المستقبلية، هذا الاستخدام هو استخدام النبوءات في السرد التاريخي، بالتالي يظهر كيف يمكن أن يستخدم السرد في تشكيل الروايات التاريخية السياسية، مما يؤثر في فهم الصراع ويساهم في تعقيداته، بذلك يمكن اعتبار ما تم سرده في بعض الروايات التاريخية جزءا من بروباغندا سياسية، استخدمت فيه السرديات لتعزيز الرسائل والأهداف السياسية، رغم ذلك، من المهم أن نفهم ان هذه السرديات تلعب أيضا كأدوات للحوار والتفاهم إذا تم استخدامها بشكل مسؤول .

تمييز السرد التاريخي الدقيق من البروباغندا

 التمييزيتطلب تحليلًا نقديًا وفهمًا عميقًا للسياقات واستخدام مصادر موثوقة ومتنوعة، مثل الوثائق الاركيولوجية، والأبحاث الأكاديمية في فهم الهدف من السرد هل هو إعلامي أم سياسي؟ هل يسعى لتوجيه الرأي العام أو لتقديم معلومات موضوعية؟ السرد الدقيق يتضمن آراء وتجارب متنوعة، بينما تركز البروباغندا على وجهة نظر واحدة، التعمق في كيفية تقديم الأحداث، هل هناك تركيز مفرط على جانب واحد دون الآخر؟، السرد الدقيق يعتمد على الأدلة الموثوقة، بينما تفتقر البروباغندا إلى الأدلة القوية أو تستخدم معلومات مضللة، السرد التاريخي الدقيق يتجنب التعميم المبالغ فيه عن مجموعات أو أحداث، بينما تُستخدم البروباغندا التعميمات غير دقيقة في فهم الظروف الاجتماعية والسياسية التي أثرت على الأحداث، مما يساعد في توضيح كيف تشكل السرد، ان تحليل المعلومات بشكل نقدي والتساؤل عن الدوافع وراء سرد معين إذا كان السرد يُكرر في وسائل الإعلام أو الخطابات السياسية، قد يكون مؤشرًا على بروباغندا، تلعب اللغة العاطفية أو المحملة بالتحريض و تكون مؤشرًا على البروباغندا، بينما اللغة الموضوعية تُظهر السرد الدقيق، تمييز السرد التاريخي الدقيق عن البروباغندا يتطلب فحصًا دقيقًا للمصادر، وتحليل النوايا، وفهم السياقات، واستخدام مهارات التفكير النقدي. يجب أن نكون واعين للرسائل التي تُقدم وأن نتساءل عن دقتها وموضوعيتها.

التحيز المعرفي

يميل الأفراد إلى البحث عن المعلومات التي تدعم معتقداتهم السابقة وتجاهل ما يتعارض معها، مما يسهل قبول الرسائل البروباغندية التي تتماشى مع هذه المعتقدات، البروباغندا غالبًا ما تستخدم رسائل بسيطة وسهلة الفهم، مما يجعلها أكثر قبولًا للأفراد الذين يفضلون التفسير المبسط للواقع، البروباغندا تستخدم مشاعر قوية مثل الخوف أو الغضب لجذب الانتباه، مما يؤدي إلى قبول الرسائل بشكل أسرع دون تحليل نقدي، الأفراد يميلون لقبول المعلومات التي تتوافق مع آراء مجموعاتهم، مما يعزز من انتشارها داخل تلك المجموعات، وسائل الإعلام تكرّس رسائل معينة، مما يزيد من قبولها، حيث يؤثر التكرار على التصورات الذهنية، القيم والمعتقدات الثقافية تساهم في قبول بعض الرسائل البروباغندية، حيث تتماشى مع الهوية الجماعية، الأفراد يميلون لاختيار مصادر المعلومات التي تعزز من تحيزاتهم، مما يقلل من تعرضهم لأفكار متعارضة، الخوف من المجهول أو من التهديدات الخارجية يؤدي إلى قبول الرسائل التي تدعو إلى العمل بناءً على تحذيرات معينة، الأفراد لايسيئون فهم المعلومات التي تتماشى مع تحيزاتهم، مما يسهل قبول البروباغندا، في ظل الضغوط النفسية أو الاجتماعية، يتجنب الأفراد التفكير النقدي، مما يسهل قبول الرسائل البروباغندية، التحيز المعرفي يسهم في قبول البروباغندا من خلال تعزيز المعتقدات السابقة، وتيسير فهم الرسائل، واستغلال العواطف. ولفهم هذا التأثير، من المهم تطوير مهارات التفكير النقدي لتعزيز الوعي بالمعلومات التي نتقبلها.

آليات قبول البروباغندا

الثقافات التي تركز على القيم الجماعية قد تكون أكثر قبولًا للبروباغندا التي تعزز الهوية الجماعية، بينما الثقافات الفردية تكون أكثر انتقادًا، في الثقافات التي تعزز الاحترام للسلطة، تكون البروباغندا أكثر قبولًا، حيث يُنظر إلى الرسائل التي تأتي من الحكومات أو القادة بشكل إيجابي، المجتمعات التي عانت من أنظمة قمعية قد تكون أكثر حساسية تجاه البروباغندا، مما يجعل الأفراد أكثر وعيًا وحرصًا على تحليل المعلومات، الثقافات ذات مستويات التعليم المرتفعة تكون أكثر قدرة على تمييز البروباغندا، بينما تكون الثقافات ذات مستويات التعليم المنخفضة أكثر عرضة لقبول الرسائل دون تمحيص، المجتمعات التي تتمتع بتنوع وسائل الإعلام تكون أقل عرضة لقبول البروباغندا، بينما المجتمعات التي تسيطر عليها وسائل إعلام محددة تكتسب رسائل معينة بشكل أسرع، اللغة المستخدمة في الرسائل البروباغندية يمكن أن تؤثر على فهمها وقبولها، حيث تختلف معاني الكلمات والعبارات بين الثقافات، الثقافات التي تُعلي من قيمة الدين قد تستجيب للبروباغندا التي تستخدم الإشارات الدينية بشكل أقوى، في الثقافات التي تركز على الهوية الوطنية، قد تكون الرسائل البروباغندية التي تعزز من روح الوطنية أكثر قبولًا، في المجتمعات التي تعاني من أزمات اقتصادية، قد تكون البروباغندا التي تعد بتحسين الأوضاع أكثر جذبًا، تختلف آليات قبول البروباغندا باختلاف الثقافات من خلال التأثيرات المتعددة. لفهم هذه الظواهر بشكل أعمق، تحليل السياقات الثقافية والاجتماعية التي تؤثر على كيفية استقبال المعلومات.

دورالثقافة

الثقافة تعزز من التفكير النقدي وتساعد الأفراد على تحليل المعلومات بشكل أعمق، مما يقلل من قبول الرسائل البروباغندية دون تمحيص، الثقافة تشجع على تبادل الآراء ووجهات النظر المختلفة وتُساعد في تقويض الرسائل البروباغندية، حيث يمكن أن يتعرض الأفراد لوجهات نظر متنوعة، يمكن للثقافة أن تلعب دورًا حاسمًا في تقليل فعالية البروباغندا من خلال تعزيز التفكير النقدي، وفتح الحوار، ودعم القيم الإنسانية. من المهم أن نكون واعين لهذه الديناميكيات لتطوير استراتيجيات فعالة لمواجهة البروباغندا. تساهم هذه العوامل الثقافية في تعزيز مقاومة البروباغندا من خلال تعزيز التفكير النقدي، وتعزيز الحوار، وبناء الثقة، تعزيز المرونة الفكرية يتطلب جهدًا جماعيًا من المؤسسات التعليمية، والمجتمعات والأفراد من خلال تطبيق هذه الاستراتيجيات، يمكن بناء ثقافة تشجع على التفكير النقدي والتفاعل الإيجابي مع الأفكار الجديدة.

المقاومة الثقافية

بعض المجتمعات قد تكون متجذرة فيها تقاليد أو معتقدات معينة، مما يجعلها مترددة في قبول أفكار جديدة أو تغيير طرق التفكير، الوعي بأهمية المرونة الفكرية يؤدي إلى تقليل الجهود المبذولة لتعزيز مقاومة البروباغندا، في بعض المجتمعات يشعر الأفراد بالضغط للامتثال لآراء الأغلبية، مما يقلل من رغبتهم في التعبير عن أفكارهم الخاصة، نقص الشخصيات العامة أو القادة الذين يمثلون قيم المرونة الفكرية يمكن أن يقلل من الإلهام لدى الأفراد، الخوف من الرفض أو النقد يمكن أن يمنع الأفراد من التعبير عن آرائهم أو الانفتاح على أفكار جديدة، تتطلب مواجهة هذه التحديات جهودًا متكاملة تشمل التوعية وتدعم التفكير النقدي. تتطلب مواجهة مقاومة البروباغاندا في المجتمعات المحافظة جهداً مشتركاً يتضمن التعليم، والمشاركة، والدعم، مع التركيز على القيم المحلية. من خلال تطبيق هذه الاستراتيجيات، يمكن تعزيز مقاومة البروبكندا السردية وتحقيق نتائج إيجابية. على الرغم من ان بعض المجتمعات متجذرة فيها تقاليد ومعتقدات معينة، مما يجعلها مترددة في قبول أي توجيه، لكن استراتيجيات مدروسة تشمل التثقيف، وبناء الثقة، وإشراك الطليعة الثقافية وفهم هذه السرديات التي تحمل اجندات سياسية ملغمة، يمكن تعزيز الجهود لتحقيق التغيير الإيجابي في المجتمعات.

***

غالب المسعودي

في المثقف اليوم