قضايا

جودت العاني: المرأة والرجل ومحنة الوعي.. من يحرر من؟

إذا كان الرجل معني بتحرير وعي المرأة فمن يحرر إذن وعي الرجل في المعنى الوجودي للكائن؟ وهل أن الرجل قد تحرر وعيه أولاً لكي يتكفل بتحرير وعي المرأة في ما بعد؟ أم إنهما معنيان سوية بتحرير الوعي باعتبارهما كائنان وعيهما ليس كاملاً بل يتكامل؟

هنالك مسلمات وجودية لا مفر منها وهي الكمال والتكامل، ليس ذلك من باب الإجتهاد أو التنظير المجرد، إنما تكريس هذا الفعل في ضوء واقع ليس افتراضيا، بل يقتحم مدخل الحتمية.. الذكر والأنثى هما الملحمة الأزلية التي تقوم عليها البشرية، ليس ذلك من باب الدين، إنما حقيقة وجودية لا مناص منها تعلن أنهما عالمين متحدين، العالم الذكوري والعالم الأنثوي، ملتحمان أزلياً لا احد يستطيع ان يفرز بينهما والالتحام بينهما حتمي ولا نقاش عليه كقاعدة عامة ولا نتحدث عن الاستثناء.

الوعي لدى الذكر والوعي لدى الأنثى يستلزم التوقف عند الحديث عنه، فهل هو الوعي بالآخر؟ أم الوعي بالفضاءات الاخرى التي تحيط بهذين الكائنين؟ والاجابة، ان الوعي يلامس الاخر خاصة كما يلامس المحيط عامة. وهل هناك عمق في الوعي ام سطحية فيه .. بمعنى هل ان العمق في الوعي حتمية لدى الرجل وسطحية لدى الانثى.. فلماذا يصار الى (تحرير وعي المرأة وتكريس انسانيتها؟) فهل ان الذكر مكلف بتحرير وعي الانثى؟ وهل ان وعيها قاصراً يتطلب التحرير؟ ومن قال ان الذكر أعلى وعياً أو أعمق وعياً من وعي المرأة بحيث توكل اليه مهمة تحرير وعي المرأة؟ ألا يعني ان تحرير وعي المرأة أن وعي الذكر يكون في هذه الحالة (محرراً) فتوكل اليه وظيفة تحرير وعي الأخر الانثى؟

ان عقل الذكر كإنسان ليس كاملاً وعقل الأنثى كإنسان ليس كاملاً، إنما عقلهما يتكامل، والتكامل هذا يرتبط بجملة من المعطيات (العائلية والقبلية والعشائرية والبيئية والعقائدية والدينية) .. وتكوين الوعي يرتبط بكل هذا الإرث الذي يسمى (المحيط) الذي يخلق مستوى الوعي ونوعه ومستوى الادراك ونوعه ونضج الكائن سواء كان ذكرا ام انثى .

هذه المدخلات اقتحاميه منذ الطفولة حيث ينشأ الوعي، فماذا يعني الوعي؟

يعني: أن الذكر والأنثى يعيان الاشياء في المحيط ويعيان الآخر في السلوك والتصرف ويضعان محصلة الوعي في ميزان التقييم والاستنتاج في ضوء قيم قدمتها معطيات المحيط آنفة الذكر.. فكيف وبأي معيار يحرر الذكر وعي الأنثى؟ وهل ان وعي الذكر كاملا بحيث يتمكن من (تحرير) وعي الانثى ويعيد لها انسانيتها؟ ولماذا توكل مهمة التحرير للذكر؟

إنها ليست محنة وعي الانثى، كما ليست محنة وهي الذكر، إنما محنة الوعي لدى الإنسان ومحنة المدركات لديه فضلا عن محنة (المحددات) التي تمنع أو تضع أمامه الحجب والموانع وغيرها .. والسؤال الأساسي هو ما الذي يمنع الوعي من التكامل؟ لماذا يسرح الوعي في طرق ومجالات لا تحقق له النضج؟ ولماذا إبقاء الوعي مغيباً عن الحقائق؟ هنا نجد المفتاح الذي يقود إلى محنة الوعي !!

***

د. جودت صالح

17/07/2024

في المثقف اليوم