قضايا

المولدي فروج: الجائز في الجوائز

هل صارت فضيحة الحصول على الجائزة أكبر قيمة من الجائزة نفسها؟ لا أملك الاجابة.

يجوز أن نصدق أن المؤسسات أو الأفراد الذين يمنحون الجوائز الأدبية إنما يفعلون ذلك طواعية وعن طيب خاطر وبدون سعي إلى أي مقابل حتى وإن كانت إداراتهم وأعوانهم وموظفوهم لا يشترون ولا يقرؤون كتابا إبداعيا واحدا في السنة.

ويجوز أن نصدق أن كل المانحين للجوائز الأدبية والفكرية يهدفون إلى الدفاع عن لغة أمتنا حتى وإن كان الكثير منهم يستعملون لغة غير العربية تمشيا مع الحداثة.

ويجوز أيضا ان نصدق المانحين عندما يدعون بأنهم لا يبحثون الا عن تشجيع النص الجيد وتشجيع الكتاب الجيدين حتى وإن كونوا لجانا تحترم مزاجهم ولا تلوي العصا في أيديهم.

ويجوز أن تكون الجائزة أجنبية مثل جائزة نوبل التي منحت للكاتب المصري الكبير نجيب محفوظ مكافأة له على قبوله التطبيع مع إسرائيل والقول محمول على عديد الكتاب التونسيين الذين طالما اختفوا واحتموا بحرّية النصوص في التجوال فكشفتهم الجوائز التي لا يستحقّونها وأصبحت فرصة للتشهير بهم عوضا عن الشهرة. وقد ندعي، اذن، ان قيمة العار الذي جلبته الجائزة قد يفوق مقدارها المادي.

ويجوز أن تكون الجائزة عربية فيرفضها صنع الله إبراهيم لأن الحكومة لا تملك مصداقية منحها على حد تعبيره. تهمة لم يستطع ردها وزير الثقافة المصري يوم الحفل.

من الطبيعي أن الجوائز في بداياتها حملت أسماء المانحين من الأفراد (العويس /الشيخ زايد / الفيصل / الطيب صالح / سعود البابطين) ثم تعدت ذلك إلى منافسة وسباق شرس بين الدول فتكونت في كل دولة جائزة وسعت من خلالها إلى "التفوق على جوائز جاراتها للفوز بالسبق وهذا لا يكون الا بالنفخ في القيمة المالية للجائزة حتى تضمن لنفسها كثرة المتسابقين وأكبرهم ونزلت المدن إلى حلبة السباق فصارت (الرياض /الدوحة/ابو ظبي/ القاهرة / الكويت / الخرطوم /و تونس) كلها فضاءات لسباق الجياد الأدبية. وتعددت الأسماء من بوكر الى كاتاري إلى الملتقى.

وصار جائزا للكتاب أن يهرولوا في اتجاه الجوائز رافعين وجوههم المألوفة والمعروفة وأن يسارعوا في نشر كتبهم حتى قبل أن تنضج فيأتي المولود خديجا. المهم أن يكون بين أيدي اللجنة لتمنحه الجائزة.

ويجوز للكتاب ان يبتعدوا عن الغمز واللمز وان يجتهدوا في إخفاء المديح من الكلام..

الا أن إسناد الجوائز اصطدم بفضائح كثيرة فأصبحنا نعرف اسم الحائز عليها قبل صدور قرار اللجنة وقبل صدور الكتاب المتوج أحيانا.

من الطبيعي أن تسعى الجهات المانحة إلى الدعاية فتختار الأسماء الكبيرة لتكون جائزتها كبيرة ولتكبر قيمة الجائزة في أعين الكتاب فيحتد السباق.

ولا يمكن لجهة مانحة الا ان تعول على لجان لتحقيق هدفها تختارها من الأسماء المعروفة ايضا وتعينها كما يعين حكم لمقابلة في كرة القدم لا ينازعه في قراراته أي لاعب ولا يرقى إليه الشك أبدا ولا حق للمتسابقين أن يعترضوا حتى عندما يشهد شاهد من اللجنة على عدم نزاهتها .

لذلك نجد أن بعض الكتاب قد صنعوا بالمناسبة فلهفوا الجائزة واختفوا وسط الزحام ولم نعد نسمع لهم ولا نقرا عنهم.

نحن نحيي المؤسسات المانحة ونبارك سعيها ولكن عليها ان تعمل على نبل هدفها وأن تحرص على أن تكون الجوائز التي أنشأتها مثمرة ومشجعة ومحركة للسواكن الإبداعية العربية حتى تتحقق الأهداف ولها أكثر من طريقة لذلك.

كما ندعو الكتّاب بأصنافهم إلى ترشيح أعمالهم الى الجوائز، دون السعي الى نيلها، لتكون لهم فرصة تجبرهم على الاشتغال على نصوصهم وتهذيبها واصلاحها وهذا في نظري أكبر جائزة قبل الجائزة الرّسمية.

***

المولدي فروج/ تونس

في المثقف اليوم