قضايا

رشيد الخيّون: عاشوراء.. ما بعد الوهم وهمٌ!

أخذت الطّقوس في مناسبة «عاشوراء»، تتنوع وتتفاقم تمادياً إلى الخرافة، في كلِّ سنة بعد أخرى، يدخل التّحشيد، مِن داخل العِراق وخارجه العربي والأفريقيّ بقوة، لم يكن ما يحصل بريئاً مِن جهةٍ تصنع الجهل، وتدريجياً تعزل الشّيعة عن أوطانهم، كي تُستبدل الطّائفة بالوطن.

فما يحصل اليوم حذر منه جماعة «إخوان الصّفا»، بسبب تحميل عاطفة الثأر، لأجيال ليس لهم علاقة بما حدث (مقالنا: عاشوراء.. لإخوان الصَّفا رأيهم، الشَّرق الأوسط 16/1/ 2008). بمعنى ما حصل بكربلاء(61هجرية) كان يجري استذكاره، و«إخوان الصفا» كتبوا في القرن الرابع الهجريّ، حتى جاء الصَّفويون فابتكروا المجلس الحُسينيّ، لغرض سياسيّ «أمروا الذاكرين بإنشاد مصيبة سيد الشُّهداء»، وكان المجتهد جعفر كاشف الغطاء(ت: 1812) مِن أوائل المحرمين لتمثيلها (التِّنكابنيّ، قُصص العُلماء)، كذلك فقهاء كبار كشفوا الابتذال الذي أُضيف عليها، ولم يتحرجوا مِن تسميتها بـ «الدُّكان»(النُّوريّ – ت1912- اللؤلؤ والمرجان في آداب أهل المنبر. محسن الأمين- ت: 1954- رسالة التّشبيه. مرتضى المُطهريّ- اغتيل: 1979- الملحمة الحُسينيَّة).

ظهرت تلك المصنفات قبل الشَّنائع التي لا يعرفها الشيعة، في الأزمنة السابقة، شنائع تتعمدها مرجعيات، همها تقويض العقل بين الشباب الشيعيّ، لإنشاء وطن طائفي افتراضي، بزعامتهم، ومعلوم أنّ مصالح الشيعة بأوطانهم لا خارجها. تُقدم هذه الممارسات الشّيعة خارج التّاريخ، وهم ليسوا كذلك قبل هيمنة الغُلاة، الذين تكفرهم مرجعيات شيعية عديدة.

إذا عدنا إلى ما قبل العهد الصَّفويّ(1501-1740)، كان الميل إلى الفكر والأدب والجدل سائداً، ونجد في تصنيف موسوعة «الذّريعة إلى تصانيف الشّيعة»(25 مجلداً) للشيخ أغا بوزرك الطَّهرانيّ(ت: 1970) كفاية للتمييز بين السّابق واللاحق. صُنفت الذريعة عندما أصدر جرجي زيدان(ت: 1914) «آداب اللُّغة العربيّة»، ولم يذكر للشيعة إلا النَّزير مِن المؤلفات، والحديث لنجل الطَّهرانيّ عليّ نقي المنزويّ (حداد، دانشنامة جهان إسلام): أنّ والده صرف في الذريعة أربعين عاماً، رداً على زيدان، وبالفعل نجد فيها أنواعاً مِن الفكر والفقه والأدب والفلسفة، ما مجموعه (53510) كتب، بين تأليف وترجمة، معتمداً على الفهارس مثل: «فهرس الطُّوسيّ»، و«فهرس النَّجاشيّ».

لكن لو تسأل اليوم عن محتوى الذّريعة، لا تجد أثراً، مقابل شهرة أحد الرواديد/المُنشدين ومنهم جنى الثروة الطائلة مِن إشاعة ثقافة الطائفية والجهل، أو المشعوذين، والسَّبابين، الذين تثنى لهم الوسائد، مِن قِبل مواكب الأحزاب والدَّوائر، فإذا كان (الرَّادود) يرى وزيراً وضابطاً يقف لاطماً الصّدر أمامه، مِن حقّه تجاهل العقل وما عقل.

إلى أين تذهب هذه القوى، الخفية والظَّاهرة، بشباب العِراق، وماذا سيورث التّمادي بالطقوس مِن ضغائن، بما يُهدد الأمن الاجتماعيّ، فبلاد العِراق غزتها الخرافة إلى حدٍ خطير، ولم يكن الزّمن، زمن المنابر التي يجتمع، في أقصى الأحوال، المئات تحت أعوادها، فاليوم إذا عطس أحدهم عطسةً تصل إلى الصّين بلمح البصر. أخذ ينتقل الهياج بالخرافة إلى العواصم، ولأنها تُقدم عبر الدّين والمذهب، يحصل الاحتقان الطَّائفيّ، بما تراه بقية الدّول تهديداً لأمنها الاجتماعيّ.

لا أحد يُريد منع عاشوراء، بقدر ما يُطلب ضبطه، لا تفتح لتجار الجهل الحريّة المطلقة، وصولاً إلى ممارسة «الجنون»، بما يسمى «مجانين الحُسين»، ويصل الحال اقتحام أحدهم لمسجد سُنيَّ، ليمنع خطيبه مِن «الجمعة»، لأنه يوم عاشوراء؟ أخذت وقائع المراسم تتناقل، بالصّوت والصورة، على أنّ أهل العراق يجيدون التّخلف بأحط درجاته، ناهيك عن تعطيل الدّولة، وشللها تماماً لأسابيع.

هل يُقرر العراق، تماشياً مع ما قررته إيران(1995)، وليس غيرها، بما عبر مرشدها حينها ومنعَ الممارسات قائلاً: «تُظهر الشّيعة، كأنهم يعيشون في الوهم، ولا يعيرون العقل أيّ أهميّة»(الحُسينيّ، ثورة التّنزيه 1996). أقول: هل يتحمل مفهوم الوهم ما يحصل مِن تمادٍ بالخرافة، أم هناك ما بعد الوهم وهمٌ؟!

***

د. رشيد الخيون - كاتب عراقي

 

تعليقات (1)
This comment was minimized by the moderator on the site
السيد الدكتور رشيد الخيون المحترم
مقالك هذا يدل على قدرتك بالإحاطة بكل العوامل التي فاقمت الجهل بمجتمعنه وبين أهلنه ، لقد أجدت حقا ولن يفوتك اي من العوامل التي جعلت من مجتمعنا هكذا ينوع سنويا ويطور ويبتكر الكثير من الطقوس والفعاليات المثيره . اكو عالم ديني في القرن التاسع عشر أفتى بالتوقف عن ظرب الرؤوس بالسيوف وانتهى به مصيره إلى القتل بالسكين داخل الحضره العلويه واصبح عبره لمن اعتبر وصار المألوف ان العالم الديني يسكت لعاملين الاول السلامه من الانتقاد والقتل والثانيه الكسب المعنوي والمادي لانه سار مع الركب والموجه ، في العشرينيات من القرن الماضي كان ضباط الاستخبارات العسكريه البريطانيه يوزعون النفط الاسود اللي كان غالي الثمن عصر كل يوم من ايام عاشوراء لاستخدامه في اضاءة المشاعل لمواكب اللطم وكان الناس في غاية الامتنان لهولاء الضباط . مراقبة وضبط الفعاليات بذكرى حدث جلل فصم ظهر آلامه وانته سيد العارفين ان شخص كسيدنا الحسين يجب ان لايقتل وكان على السلطه الاميه ان تكون حذره إلى ابعد الحدود، المراقبه والتشدد مع كل من يحاول عن قصد وعن غير قصد ابتكار المبالغات وعوامل الاثاره .
صناعة الجاهل حشاك ضررها كبير ، هم يضر روحه وهم يضر الناس وبعد المشكله الاكبر يصير من الموثرين بقدرة قادر. وفسي اعرف من اللي يريدوه نظل بهذا الحال ، مره اخرى حضرتك دايما حيادي من تكتب ولايفوتك شي وانه والله أتونس واستفاد من كتاباتك
لا توجد تعليقات على هذه المقالة حالياً.
شارك بتعليقك
Posting as Guest
×
0   Characters
Suggested Locations

في المثقف اليوم