قضايا
آمال طرزن: الجدل حول كتاب تحرير المرأة: قراءة في أفكار قاسم أمين ورد فعل المعارضين
بدأت يومي بمحادثتي للسيدة "أمينة" قائلةً لي: سنقضي ساعات الظهرية في نهار جميل مع محرر المرأة. وقد التقيت بالسيدة "أمنية" وصديقتي "نور الهدى" ننتظر قدوم أساتذتي الجليلين في طريقهما إلينا مع محرر المرأة. أخذت "نور" تشيد بجمال المكان حيث تتساقط خيوط أشعة الشمس على وجهها، ومع قدوم الجميع فوجئت باختفاء "أمينة" من جواري، على الرغم من تعطشها للقاء "قاسم أمين" أخذت أنظر في الجوانب كلها لم ألمح لها طيفًا. وقعت عيناي على رجل غريب طويل القامة وأسمر اللون، علامات الغضب تكسو وجهه ناظرًا لقاسم أمين نظرات حادة معلنًا فيها شن الحرب عليه وبدأ د. "عثمان" بالحوار وظل عقلي متسائلًا إلى أين اختفت "أمينة"؟! ومن هذا الرجل الغامض؟!
- دكتور حليم عثمان: بدأ حديثه بكلمات مليئة بالترحاب: الواقع أنه من دواعي السرور لقاؤنا اليوم بأهم رواد الفكر والتنوير في وطننا العربي، السيد "قاسم أمين"، والذي ارتبطت ريادته الفكرية بكتابه الشهير "تحرير المرأة" والذي تعرَّض لموجة عنيفة من الانتقادات يوجب علينا الوقوف في هذا اللقاء على بعض قضايا كتابك المثير للجدل، وسنبدأ بمحاولة توضح موقفك من إشكالية مساواة المرأة بالرجل؟ كان " قاسم أمين" يستمع بتركيز، وتبدو على وجهه علامات التأمل والتمعن، ويدرك أن كتابه أثارة الجدال بالأمس وسيثيره اليوم.
- قاسم أمين: كم أنا سعيد بلاقي بكما د. "عثمان" ود. "راشد" والحضور الكريم، والحقيقة أن المرأة بالنسبة لي هي إنسان مثل الرجل، لا تختلف عنه في الأعضاء ووظائفها، ولا في الإحساس، ولا في الفكر، ولا في كل ما تقتضيه حقيقة الإنسان من حيث هو إنسان، اللهم إلَّا بقدر ما يستدعيه اختلافهما في الصنف. فإذا تفوق الرجل على المرأة في القوَّة البدنيَّة والعقليَّة؛ فذلك يرجع إلى اشتغاله بالعمل والفكر أجيالًا طويلة كانت المرأة فيها محرومة من استعمال القوَّتين البدنية والعقلية. (1)
- لقد كان مرتديًا بدلة بيضاء، وفي يديه كتابه "تحرير المرأة" يخرج من وسطه وردة حمراء. وإذا بالرجل الغامض مقطب الحاجبين يبادر بالرد على "قاسم أمين" دون أن يعرب عن اسمه.
الرجل الغريب: في حديثك عن مساواة المرأة بالرجل أحب أن أوضح لك سيد "قاسم أمين" أن المرأة أقل من الرجل إدركًا وحسًّا؛ فقد أجمعت كل الشرائع المنزلة على ما سلم به الطبع والعقل من أن المرأة أضعف من الرجل وأقل منه في جميع الحيثيات جسمًا وإدراكًا، وعلى أن الرجال قوامون على النساء دون العكس. ولهم عليهن السيادة، ولهن منهم حسن المعاملة والرفق والمحبة والاحترام.... إن الدليل الحسي على ذلك هو وجود " المرأة من ابتداء الخليقة للآن تحت سيطرة الرجل يوجهها كيف يشاء، ويحكم عليها بما تقتضي ميوله (2).
- د. نجيب راشد: للأسف الشديد اعتمد الذكور على التأويل الخاطئ للنص الديني الذي يرفع من شأن الذكور على الإناث، ففي قوله - تبارك وتعالى- : "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء..." [سورة النساء، من الآية 34] استندت أنت وغيرك من الذكور في مجتمعاتنا الشرقية على نص الآية الكريمة؛ لفرض الهيمنة والتّحكم في الزوجات، في حين تعد القوامة تكليفًا وليست تشريفًا لجنس الرجال. ولكننا نود التعرف بك.
- أنه حضرة المحترم "السيد أحمد عبد الجواد" جاء ليعرب عن رفضه القاطع لأطروحة "قاسم أمين"، يبدو لي أن آراءه " تحمل نفس آراء منتقدي "قاسم أمين" ك"فريد أفندي" و"طلعت حرب" ..إلخ.
- نور الهدي: إنكار مساواة المرأة بالرجل سيترتب عليه رفض تعليمها، مع أن التعليم يزيد من معارف الفرد، ويحسن مهاراته بحيث يتصرف بأسلوب ذات طابع عقلاني يتصف بالموضوعية سواء في الحياة العائلية أو العملية. فما رأي "مفكرنا حول قضية تعليم المرأة؟
- قاسم أمين: أوافقك أستاذة "نور" ففي رأيي أن المرأة لا يمكنها أن تدير منزلها إلَّا بعد تحصيل مقدار معلوم من المعارف العقليَّة والأدبيَّة. فيجب أن تتعلَّم كل ما ينبغي أن يتعلَّمه الرجل من التعليم الابتدائي على الأقل؛ حتى يكون لها إلمام بمبادئ العلوم يسمح لها بعد ذلك باختيار ما يوافق ذوقها منها، وإتقانه بالاشتغال به متى شاءت. فإذا تعلمت القراءة والكتابة، واطلعت على أصل الحقائق العلمية، وكذلك معرفتها بالعقائد والآداب الدينية استعدَّ عقلها لقبول الآراء السليمة، وطرح الخرافات والأباطيل التي تفتك الآن بعقول النساء. (1)
- على الرغم أن "قاسم أمين" لم يطالب بالمساواة المطلقة بين المرأة والرجل في التعليم، وإنما حصولها على التعليم الابتدائي؛ حتى يتثنى لها إدارة شؤون منزلها، إلا إنني لاحظت بلوغ الغضب ذروة عنفوانه على وجهة "سي السيد" متحدثًا بصوت متسلط يفتقر للدفء.
- سي السيد: في حين إنني أخالفك أشد المخالفة، إن تعليم المرأة لا ينفع إلا إذا كان في مقدمة تعليم العلوم الدينية بما فيها من عقائد وآداب ومعاملات وعبادات، وأن يتعوَّد الأطفال منذ بدء نشأتهم على التمسك بها. فالأولوية للعلوم الدينية، أما تعليم العلوم العقلية لا يلزم أن يكون إلا مجملًا مختصرًا حتى لا يقعدهم عن إتقان العلوم الدينية.(2)
- الواضح اتفاقكما حول تعليم المرأة، حيث أراد "قاسم أمين" إلمام المرأة بالتعليم الابتدائي من تعلم القراءة والكتابة، ومعرفة الحقائق العلمية بجانب العقائد الدينية، ولكن قصر "سي السيد" تعليمها العلوم الدينية فحسب من أجل تنشئة وتربية الأطفال على تعاليم الدين القويم، أخذت التساؤلات تتبادر إلى ذهني حول قصر تعليم المرأة العلوم الدينية أليست المرأة نصف المجتمع، والأم التي تعد أجيال المستقبل؟ فكيف لها أن تنشئ أبناءها على قيم العصر إذا كان تعليمها قاصرًا على العلوم الدينية فحسب؟ ألا يؤثر ذلك سلبًا على مستقبل مجتمعاتنا العربية وتطلعاتنا نحو الرقي والتقدم خاصة اليوم في ظل عصر التكنولوجيا والثورة المعرفية؟
وإذا تنقلنا صديقتي نور إلى إشكالية الوظيفة الاجتماعيَّة للمرأة بطرح تساؤل لقاسم أمين حول موقفه من عمل المرأة؟
- قاسم أمين: لا شيء يمنع المرأة المصريَّة من أن تشتغل مثل الغربيَّة بالعلوم والآداب والفنون الجميلة والتجارة والصناعة إلَّا جهلها وإهمال تربيتها، ولو أُخِذَ بيدها إلى مجتمع الأحياء، ووُجِّهت عزيمتها إلى مجاراتهم في الأعمال الحيويَّة، واستعملت مداركها وقواها العقليَّة والجسميَّة لصارت نفسها حيَّة فعَّالة تنتج بقدر ما تستهلك، لا كما هي اليوم عبئًا لا تعيش إلَّا بعمل غيرها. وكان ذلك خيرًا لوطنها لما ينتج عنه ازدياد الثروة العامَّة والثمرات العقليَّة فيه. (1)
- ولكنني عالمنا الجليل كنت أود في كتابك تحرير المرأة أن تعود لوظائف المرأة الاجتماعية في حضاراتنا الفرعونية بدلًا من التركيز على نموذج المرأة في المجتمعات الغربية، وها هو سي السيد يقاطعني بملامح يخيم عليها القسوة.
- سي السيد: أنني أرفض رفضًا قاطعًا عمل المرأة خارج المنزل؛ لأن وظيفتها منزلية محضة، وأن اشـتـغـالـهـا خـارج بيـتـهـا خلل اجـتـمـاعي خطير، بخلاف الرجل فـإن حـيـاته تقتضي المحاولات الخـارجـيـة؛ لأنه سيبعدها عن عائلتها، وتقويض دعائم بيتها، لأن تكوينهـا البيولوجي ضعيف، فعملها خارج المنزل يشكل نوعًا من الاستعباد للمـرأة؛ لأنه ضـد فطرتها. (3) أما حديثك بأن تشتغل المرأة الشرقية مثل النابغات من النساء بأوروبا وأمريكا في العلوم الطبيعية والفلكية، فإنهن فضلًا عن كونهن أقل إدراكا وحسًّا، ولم يبلغن شأن الرجال فيها على الإطلاق إلى جانب عدم الزواج إلا بعد أن يشارفن سن الهرم تقريبا لا تتزوج قبل أن يبلغ سنها الخامسة والأربعين. فقل لي بأبيك: ماذا ينتظر منها من النسل بعد هذا السن؟!، وهل يستفيد الوطن من أبحاثها في علم الطبيعة أو السياسة أو التشريع. إنني لا أسر إذا كانت امرأتي دكتورة؛ فإني أود أن تكون المرأة مرأة (2) .
- قاسم أمين: ولكن حضرة المحترم "سي السيد" أن الوقائع أظهرت لنا أن كثيرًا من النساء لا يجدن من الرجال مَن يعولهن؛ فالبنت التي فقدت أقرباءها، ولم تتزوَّج، والمرأة المطلَّقة، والأرملة التي تُوفيِّ زوجها، والوالدة التي ليس لها أولاد ذكور أو لها أولاد قصر- كل هذه المذكورات- يحتجن إلى التعليم؛ ليمكنهنَّ القيام بما يسدُّ حاجتهن وحاجات أولادهنَّ إن كان لهنَّ أولاد، أمَّا تجرُّدهنَّ عن العلم؛ فيلجئهن إلى طلب الرزق بالوسائل المخالفة للآداب، أو إلى التطفُّل على بعض العائلات الكريمة. ولو فُرِض أن المرأة لا تخلو من زوج أو ولي ينفق عليها أفلا تكون التربية ضرورية لمساعدة ذلك العائل إن كان فقيرًا، أو تخفيف شيء من انتقال إدارة المال داخل البيت إن كان غنيًّا؟ فإن كانت المرأة غنيَّة بنفسها- وهو نادر- بأن كان لها إيراد من عقارات ونحوها أفلا يفيدها التعليم في تدبير ثروتها وإدارة شؤونها؟! (1).
- د. حليم عثمان: أؤيد رأي "قاسم أمين" عن عمل المرأة؛ فكما أن للمرأة دورًا مهمًّا في حياتها المنزلية والعائلية إلا إن هذا لا يلغي دورها الاجتماعي في إدارة المجتمع وتحمل شؤونه، خاصة وقد أصبح عمل المرأة اليوم ضرورة من ضروريات الحياة في ظل صعوبة الحياة الاقتصادية والاجتماعية في مجتمعاتنا الشرقية.
- د.نجيب راشد: ولكن شرط أن تسعى كل امرأة عاملة لإمكانية التوفيق بين العمل والحياة الشخصية والأسرية.
- نور الهدى: من أجل ذلك "د. راشد" لابد من دعم الأزواج لزوجاتهم؛ لتخفيف الأعباء المنزلية وعدم التمسك بالتقاليد والأعراف البالية التي ثقل كاهل المرأة بوصف العمل المنزلي خاصًّا بالنساء فقط.
- د. حليم عثمان: لقد كان حديثنا السابق مثمرًا للغاية، ولكن أرى استكماله في لقاءٍ آخر ، خاصة وأننا سنتحدث عن إشكالية الزواج وقضية تعدد الزوجات، وهذا يستلزم متسعًا من الوقت.
- د.نجيب راشد: هذه فرصة سعيدة أغتنمها لأدعو مفكرنا العزيز، والحضور الكرام كافة إلى حفل زفاف ابن عمي المقام في محافظة الأقصر. وسيكون هذا العرس مناسبة لقيام قاسم أمين بزيارة مدينتي.
–في إثر استجابة الجميع لدعوة "د.راشد"، أرى تعبيرات مبهمة على وجه "سي السيد"، أخذت أتسال ما يشغل باله؟ هل حضر لمعرفته بقدوم زوجته معنا؟ وإن كان كذلك، ماذا سيفعل معها؟ لا أستطيع أن أتصور كيف يمكن أن تحيا السيدة "أمينة" - وغيرها من النساء- مع مثله من الرجال؟!، فكل تصرفاته تفيض بالنرجسية والتسلط، عبوسه المستمر ينم عن طبيعته القمعية والاستبدادية.
قبيل مغادرة "قاسم أمين" اتجه إلىّ وأعطاني الكتاب، وبداخله الوردة الحمراء، قائلاً لي: "هذا لك حتى تكملي المسير، ولكن لابد أن تراعي اللاند سكيب أثناء مناقشة قضايا المرأة مع مفكري الفكر والتنوير.
***
د. آمال طرزن
.....................
(1) قاسم أمين: تحرير المرأة ص17.
(2) محمد طلعت حرب: تربية المرأة والحجاب، ط1،مطبعة الترقيب، بمصر، 1899م ، ص 11- 13.
(1) قاسم امين: تحرير المرأة ، مرجع سابق ،ص18.
(2) محمد طلعت حرب: مرجع سابق، ص 58.
(1) قاسم امين: تحرير المرأة ،مرجع سابق، ص18.
(3) أحمد محمد احمد سالم المرأة بين قاسم أمين وناقديه الوعي الإسلامي وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية 2003 ص74 .
(2) محمد طلعت حرب: مرجع سابق، ص 16.
(1) قاسم أمين: تحرير المرأة ص19.
نسوية شرقية