قضايا
محمد عبد الكريم: لودفيج فان بيتهوفن ونابليون بونابرت من الاعجاب إلى الخيبة
كان لودفيج فان بيتهوفن ونابليون بونابرت من الشخصيات المؤثرة التي شكلت مسار التاريخ في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر. على الرغم من أن حياتهما لم تتقاطع بشكل مباشر، إلا أن بيتهوفن ونابليون كانا معاصرين تربطهما علاقة معقدة اتسمت بالإعجاب وخيبة الأمل وفي النهاية الخيانة.
ولد بيتهوفن في بون بألمانيا عام 1770، قبل سنوات قليلة من ميلاد نابليون الذي ولد في جزيرة كورسيكا عام 1769. جاء كلا الرجلين من بدايات متواضعة وأظهرا علامات مبكرة على الموهبة في مجال تخصصهما. كان بيتهوفن معجزة موسيقية وسرعان ما صعد إلى الشهرة كملحن وعازف بيانو، بينما أظهر نابليون براعة عسكرية استثنائية ومهارات قيادية قادته في النهاية إلى أن يصبح إمبراطور فرنسا.
في السنوات الأولى من حياته المهنية، كان بيتهوفن من أشد المعجبين بنابليون واعتبره بطلا للحرية والمساواة. حتى أن بيتهوفن أهدى سيمفونيته الثالثة، المعروفة أيضا باسم "إيرويكا"، لنابليون، الذي كان يعتقد أنه يجسد مُثُل الثورة الفرنسية. كان اسم السيمفونية في البداية "بونابرت"، لكن بيتهوفن غيرها لاحقا إلى "إيرويكا" بعد أن أعلن نابليون نفسه إمبراطورا، الأمر الذي خيب أمل بيتهوفن بشدة وأثار غضبه.
من ناحية أخرى، كان نابليون يدرك جيدا إعجاب بيتهوفن به وقدّر التكريم الذي حظي به في موسيقى الملحن. اعترف نابليون بموهبة بيتهوفن ودعاه إلى الأداء في بلاطه، وهو ما رفضه بيتهوفن من حيث المبدأ. وعلى الرغم من ذلك، استمر نابليون في دعم موسيقى بيتهوفن، بل ومنحه معاشا تقاعديا لضمان استقراره المالي.
ومع ذلك، فإن سياسات نابليون القمعية والفتوحات العسكرية أفسدت في النهاية رأي بيتهوفن فيه. أصيب بيتهوفن بخيبة أمل بسبب طموحات نابليون المتعطشة للسلطة وتجاهله للمثل الديمقراطية التي دافع عنها ذات يوم. ردا على ذلك، قام بيتهوفن بتأليف أوبراه الوحيدة "فيديليو"، والتي عكست إيمانه بانتصار الحب والعدالة والحرية على الاستبداد والقمع.
ومع انتهاء عهد نابليون بهزيمته في معركة واترلو عام 1815، أصبحت مشاعر بيتهوفن تجاهه واضحة. في سيمفونيته التاسعة، أدرج بيتهوفن "نشيد الفرح" لفريدريك شيلر كخاتمة، والتي احتفلت بالأخوة العالمية للإنسانية وانتصار الروح الإنسانية. كانت هذه السيمفونية بمثابة شهادة على إيمان بيتهوفن الدائم بقدرة الموسيقى على نقل المشاعر العميقة وإلهام التغيير الإيجابي في المجتمع.
وفي الختام، كان بيتهوفن ونابليون يمثلان قوتين متناقضتين في أوائل القرن التاسع عشر ــ قوة الموسيقى في الارتقاء والإلهام، وقوة القوة العسكرية في الهيمنة والسيطرة. وبينما اتسمت علاقتهما بلحظات من الإعجاب وخيبة الأمل، إلا أن إرثهما لا يزال يتردد صداه حتى اليوم. لقد صمدت موسيقى بيتهوفن أمام اختبار الزمن وتبقى مصدر إلهام للأجيال القادمة، في حين أن تراث نابليون هو إرث الغزو والقوة، مشوب بطعم الخيانة المرير. في نهاية المطاف، يعمل بيتهوفن ونابليون بمثابة تذكير لتعقيد الطبيعة البشرية والصراع الدائم بين المُثُل والواقع.
فهل نعي دروس الحياة؟
***
محمد عبد الكريم يوسف