قضايا
علي عمرون: فِي ذِكْرَى اَلِاحْتِفَالِ بِيَوْمٍ اَلْعلَم
لَكَ اَللَّهُ أَيُّهَا اَلتِّلْمِيذُ اَلْجَزَائِرِيُّ اَلْبَئِيسُ!
وَإِذا المُعَلِّمُ ساءَ لَحظَ بَصيرَةٍ
جاءَت عَلى يَدِهِ البَصائِرُ حولا
وَإِذا أُصيبَ القَومُ في أَخلاقِهِم
فَأَقِم عَلَيهِم مَأتَماً وَعَويلا
أحمد شوقي
***
في السادس عشر من أبريل من كل سنة تحتفل الجزائر بذكرى يوم العلم وهو يوم وفاة الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمة الله واذا كان من الواجب التذكير بعبقرية وجهود وإخلاص هذا الرجل العظيم وامثاله من رجال العلم والإصلاح وشهداء الثورة التحريرية، ممن كان لهم فضل على الامة الجزائرية والإسلامية ، فانه من حق هؤلاء علينا ان نتساءل بعمق عن المكتسبات المحققة وان ننظر بعين النقد وميزان الواقع الى اخطائنا وان تكون لنا الشجاعة لمحاسبة انفسنا وفضيلة الاعتراف بإخفاقنا وفشلنا وبين المكاسب والحدود مساحة لا يمكن لهذه الورقة في حدود ما ارتسمت له تغطيتها، وقد كان الباعث على كتابتها الإحساس بالألم ونحن نعيش زمن الانكسار وتراجع قيمة العلم والاستخفاف بمكانة العلماء واذا شئت انظر من حولك في حال مؤسساتنا التعليمية ووامعن النظر وارجع البصر سينقلب اليك حزينا من سوء ما رأى " فالمدرسة التي هي المؤسسة الاجتماعية الرسمية التي تقوم بوظيفة التربية ونقل الثقافة وتوفير الظروف المناسبة للنمو جسميا وعقليا وانفعاليا واجتماعيا... المدرسة التي يتعلم الطفل فيها المزيد من المعايير الاجتماعية في شكل منظم ، ويتعلم أدوارا اجتماعية جديدة، يتعلم الحقوق والواجبات وضبط الانفعالات، ويتعلم التعاون..." أضحت اليوم اقسامها مهجورة من تلامذتها بالإكراه في الاطوار النهائية بالتعليم الثانوي في اغلب ثانوياتنا وقد اشارت بعض الصحف عندنا الى ان نسبة العزوف عن اختبارات الفصل الثاني عند هذه الفئة قاربت الثمانين بالمئة وفي باقي الاطوار تراجع منسوب المعرفة بشكل مرعب والتحصيل العلمي بشكل مخيف واصبح تلميذ اليوم مكبلا بقيود السذاجة تائها بين مستودعات الدرس الخصوصي واغراءات منصات التواصل الاجتماعي يعيش أوهام العالم الافتراضي وهو لا يستطيع النظر فكريا ابعد من قدميه وأمسى المعلم المخلص اليوم عملة نادرة مهموما تتجاذبه اكراهات الحياة المادية وذلك التفاوت في المكاسب وهو يرى البغاث في ارض الثوار والاحرار تستنسر .
مدرسة جزائرية مريضة تعاني الهزال الفكري أنهكها الانفاق المادي المصطنع على الدروس الخصوصية في ازدواجية غير مبررة مدرسة حزينة اتسعت بداخلها دائرة الغش بكل اشكاله لا يشعر فيها التلميذ الغشاش بأي حرج امام زملائه " ظاهرة الغش الحاضرة بقوة في الجزائر، التي يمكن رصدها من داخل العائلة وهي تقوم بمساعدة أبنائها في توفير وشراء أجهزة الغش لهم، وهم على أبواب أي امتحان مهم. غش في الامتحان يتعامل معه الجزائري كجزء من غش عام يسود المجتمع على مختلف الأصعدة، يتهادن معه ولا يرى فيه حرجا كبيرا، بل يتعامل معه كشطارة «قفازة» كما يعبر عنه بلغته الدارجة.." فلك الله أيها التلميذ الجزائري البئيس مساعدا ونصيرا من ظلم الزمن وحيف الانسان وعدوانه .
ان الأمم الحية والعريقة منذ الأزمنة القديمة تنظر الى التعليم نظرة تقديس وتعلن النفير على كل من تسول له نفسه التلاعب بعقول أطفالها وشبابها وتروي كتب التاريخ ان السيد فشر وضع سنة 1918وهو من اعضاء مجلس النواب البريطاني مسودة مشروع قانون لإصلاح التعليم في انكلترا وعرضه على مجلس النواب فقررت الحكومة تأجيله إلى فرصة أخرى. فثارت معاهد التعليم الكبرى في البلاد وتعالت أصوات النخبة بل وعامة الناس على إثر هذا التأجيل وملأوا البلاد احتجاجاً وكتبوا كتب الاعتراض على هذا القرار في الصحف. وقالوا انه ليس امام الامة مسألة مستعجلة مثل اصلاح التعليم وانشاء منظومة تعليمية تزيد ارتقاء النشء الجديد جسماً وعقلاً وخلقاً وان عدم اغتنام الفرصة الحاضرة يعد نكبة على البلاد . وأضافت هذه الأصوات المنددة ان الامة انذرت مراراً وتكراراً في العشر السنوات الماضية بانها اذا تركت نصف اولادها تقريباً يغادرون المدارس قبل اتمام السنة الرابعة عشرة من سنهم واكثر من ثلاثة ارباع الذين سنهم بين 14 و18 لا تمسهم المراقبة التعليمية نشأ من ذلك مشكلة ادبية واقتصادية لا تحل فيما بعد ولو بذلت اقصى الجهود في حلهاو ، وراهن المدرسة الجزائرية اليوم ونحن نحتفل بيوم العلم يبدو مشابها لماضيها فالتعليم عندما كما يقول الدكتور عبد الحكيم بليليطة :" يعاني الكثير من العجز والقصور ففي مقابل الانفاق المادي للدولة وتزايد عدد المتمدرسين الا ان النتائج تبدو هزيلة فالمدرسة الجزائرية اليوم يجد فيها معظم التلاميذ انفسهم خارج اسوارها اما لان هناك مطالب اجتماعية تظهر في الأفق في ظل وضع اقتصادي متأزم ،مدرسة تأثرت بالمحيط الخارجي واضحت غير قادرة على التأثير ."
مدرسة منكوبة من خلال ما تقدمه من معارف هزيلة عجزت عن بناء الانسان القادر على ان يعيش عصره، انسان عاجز عن التكيف مع عالمه الخارجي وعن مواكبة تحديات العولمة . وقد أكد الأستاذ عبد الحكيم بليليطة ان الواقع أصبح يتكلم حسرة وهذا باعتراف من أسندت لهم مهمة تسيير قطاع التربية فعدد الناجحين في البكالوريا ممن لم يعيدوا السنة الدراسية في جميع الاطوار لا يتجاوز 04 بالمئة ونسبة التسرب المدرسي حوالى 32 بالمئة والتلميذ الذي درس اثنى عشر سنة اللغة العربية نراه اليوم عاجزا في النهاية عن تكوين فقرة، يدرس عشرة سنوات لغة فرنسية ويجد نفسه غير قادر على كتابة اسمه على ورقة الامتحان، يدرس سبعة سنوات لغة انجليزية ولا يميز بين كلمتين ...
وحال المدرسة الجزائرية لا يختلف كثيرا عن حال التعليم في عالمنا العربي والإسلامي فقد احتلت الجزائر حسب المركز الدولي للتعليم «اليونيفيك» التابع لليونيسكو سنة 2018 المرتبة 22 عربيا حول جودة التعليم الابتدائي، فيما احتلت المرتبة 189 عالميا، متخلفة عن أغلب دول إفريقيا مثل مالي التي جاءت في الرتبة 160 والنيجر في الرتبة 172 على التوالي. ومن قبل اشارت تقارير التنافسية العالمية الى ضعف وتردى القدرة التنافسية لنظام التعليم الجزائري، فقد أوضح التقرير الخاص بعام 2015/2016 إلى تأخر ترتيب الجزائر إلى المركز 87 من إجمالي 140 دولة.
واحتلت الجزائر المرتبة 119 عالمياً في مؤشر جودة التعليم ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﺍﻟﺼﺎﺩﺭ ﻋﻦ المنتدى ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻓﻲ دافوس 2021، في وقت كشفت القائمة خروج 6 دول عربية من التصنيف بشكل كامل وفي مقال له حدد الدكتور ضياء الدين زاهر سبعة عوامل لعقم العملية التربوية في العالم العربي معتبرا هذه العوامل خطايا ، وهذه الخطايا السبع تتمثل فيما يلي: 1-تنمية تربوية هشة.2- تفاقم الفجوة بين الخطابين الرسمي والواقعي الممارس.03- تعظيم التمايزات.04- ارتفاع التكلفة مع انخفاض المردود.05-تنمية البطالة.06- تهافت محتوى التعليم.07-غياب التخطيط المستقبلي للتعليم.جذور أزمتي التربية والتّعليم في العالم ا ويرى الدكتور عبد الرزاق بلعقروز أنّ الوعاء التعليمي يحتاج منا إلى مساءلة جذرية تطالعنا بالأسباب الفعلية لعطالة المنظومة التعليمية في أفقنا الثقافي، ما هي الأسباب؟ ما هي الموانع الحقيقية التي تمنع من فاعلية المنظومة التّعليمية؟ وأجاب اننا قد وجدناها في: الجذر الحداثي وصورته في الاستتباع الثقافي، الجذر الذّاتي وقصور المنظومات المعرفية الموروثة، والجذر العولمي واختزال المعرفة في القيمة الاقتصادية، والجذر التاريخي الذي يعدّ الاستعمار عنوانه الأكبر.
ومن قبله نبه محمود يعقوبي رحمه الله الى انزلاقات ديمقراطية التعليم في الجزائر فاذا أمعنا النظر بكل موضوعية في ما حصل في سياسة التربية والتعليم في الجزائر خلال نصف القرن الماضي، فإنه يمكننا أن نستشف حصيلة لا ينكرها إلا الممارون وهي أن ديمقراطية التعليم قامت على التسوية بين المواطنين في التعلم. لكن هذه التسوية في التعلم سرعان ما انزلقت من التسوية في الحقوق إلى التسوية في الاستحقاق الذي قام هو الآخر على فكرة إهمال الفروق الفردية في الكفاءة والتفوق. وبذلك أصبحت المدرسة الجزائرية مجرد حاضنة يتباه فيها بعض السذج بالأرقام المحققة والتي يعاد التذكير بها عشية موسم الامتحانات النهائية ونحن هنا ننبه الى خطورة هذا الامر فلا يجب يكون هدف التعليم هو غرس وعاء للمعرفة، وإنما تطوير ملكات أساسية كالقراءة والكتابة والعد، وكذلك ملكة التصرف بمسؤولية تجاه الآخرين، واتخاذ المبادرة، والعمل الخلاق والجماعي. وأهم هذه الملكات، والتي أخفق التعليم التقليدي في رعايتها، هي القدرة على مواصلة التعلم والإقبال عليه، فالإسراف في التعليم يقتل الرغبة في التعلم."
وكتخريج لمقالنا نعيد ماقاله المتنبي
عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ.
بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ.
***
علي عمرون
أستاذ مادة الفلسفة