قضايا
سليم مطر: الاديان العالمية.. والجدالات التشكيكية بوجود مؤسسيها وكتبها المقدسة!
تحدثنا في موضوعنا في الاسبوع الماضي، عن الموجة السائدة منذ سنوات لدى الباحثين العرب لـ(التشكيك بتاريخ الاسلام الاول والنبي والقرآن). ما يجلب الانتباه ان (غالبية) هؤلاء الباحثين يتجاهلون عن عمد حتى بالاشارة، الى ان هنالك ايضا ومنذ سنوات طويلة في الغرب وباقي العالم، عمليات تشكيك بتواريخ جميع الاديان المعروفة مثل: البوذية والهندوسية واليهودية والمسيحية، وغيرها.
نسجل هنا باختصار شديد الجدالات التشكيكية بخصوص هذه العقائد الدينية الكبرى، وغايتنا دفع القراء والمهتمين للبحث بانفسهم عن التفاصيل وخصوصا باللغتين الانكليزية والفرنسية:
ـ الهندوسية (البراهمية):
يدعي اتباعها انها اقدم ديانة حيّة ومستمرة في العالم، وانها موجودة قبل 3000 عام ق.م . ولكن هذا الادعاء يتناقض تماما مع الحقيقة التالية: ان جميع عقائد البشرية لا يمكن التأكد من صحة تاريخها الا بووجود آثار كتابية لها. فمثلا، ان العالم اجمع متفق على ان عقائد مصر والعراق ثم الشام هي اقدم عقائد البشرية، لانها قد تركت لنا اقدم النصوص المكتوبة في التاريخ(حوالي 3000 ق.م).
طبعا ان الجماعات البشرية كلها منذ بداية تكوينها كانت لها معتقداتها الروحية والغيبية، لكنها بقيت شفاهية ولم تدخل التاريخ الذي نعرفه الا بعد ان اصبحت مدونة وعثرنا على بعض نصوصها المكتوبة.
بالنسبة للهندوسية، مثل جميع عقائد البشر، قد تكون موجودة قبل مليون عام او اكثر، ولكن كيف نعترف بذلك ما دامت نصوصها لم تكتب الّا في القرن الثالث ق. م. لان الهند كلها لم تعرف الكتابة الا في هذا التاريخ،عندما انتقلت اليها (الكتابة الآرامية العراقية الشامية) التي اسموها(البرهمية)،عن طريق الايرانيين الاخمين الذين عرفوا، هم ايضا، لأول مرة الكتابة بعد احتلال بابل عام 539 ق.م،إذ تبنوا الكتابة المسمارية العراقية ثم الكتابة ألارامية (الفينقية) الشامية. ([1])
ـ البوذية:
البوذيون انفسهم، حسب طوائفهم الصينية والتبتية واليابانية والهندية، يختلفون في تحديد تاريخ حياة (بوذا) في اكثر من خمسة قرون، تترواح بين اعوام 1000 ق. م حتى 400 ق.م
علما بأن اقدم نص بوذي يعود الى القرن الاول الميلادي، أي بعد التاريخ المفترض لحياة (بوذا) بحوالي الف عام. وقد عثر عليه في افغانستان ـ قندهار وايضا في سيلان.([2])
ـ المجوسية او الزرادشتية:
وهي ديانة ايران القديمة قبل الاسلام. وهم يدعون ان(زرادشت) قد عاش حوال 2000 عام ق.م . علما بان ايران لم تعرف الكتابة الا بعد احتلال(الاخمين الايرانيين) للعراق عام 536 ق.م . ثم ان كتاب المجوس المقدس (أفستا: الابستاق) لم يتم العثورعلى أي نسخة قديمة منه، الا بعض الوريقات التي تحوي على بعض الاشعار التي ربما ويفترض لها علاقة به. والمتفق عليه تاريخيا ان كتابهم المقدس قد دون لاول مرة بعد اكثر من ثلاثة قرون من الاسلام.[3] ولكن المجوس يدعون بانه كان مكتوبا وقد حرقه(الاسكندر المقدوني)، ثم بعدهم حرقه (المسلمون)؟؟!!! لكن ليس هنالك اي مصدر او شهادة تؤكد إدعائهم هذا.([4])! علما بأن اقدم معابدهم:(معابد النار) تعود الى(الدولة الايرانية الساسانية) التي قضى عليها العرب المسلمون. اي ان الساسانيون هم الذي حولو هذه الديانة المجوسية الرعوية البدائية "الشفاهية"، الى ديانة رسمية مع معابد خاصة بها.([5])
ـ اليهودية:
تدعي بان كتابها المقدس(التوراة) قد كتبه(موسى) حوالي 1300 ق.م . ولكن جميع الابحاث الحديثة بما فيهم المؤرخون تتفق على ان التوراة قد بدأ تدوينها منذ القرن السادس ق.م في بابل (بعد السبي) وفي فلسطين، من قبل عدة جماعات مختلفة وفي فترات مختلفة، وتم جمعها فيما بعد، بحيث احتوت على نصوص مكررة ومتناقضة، واسماء شخصيات تختلف اسمائها في نفس النص. ([6])
المسيحية:
وهي محل جدالات مستمرة حول صحة شخصية المسيح إذ كما صرحت احدى العالمات: «لا يوجد وصف واحد ليسوع أقنع جميع أو حتى معظم العلماء» وأن جميع صور يسوع تخضع للنقد من قبل مجموعة منهم) وحسب اقدم المصادر التاريخية هنالك اكثر من عشرين شخصا ادعى انه(المسيح)!([7]) كذلك هنالك جدالات حول صحة تواريخ ومؤلفي الاناجيل وهل هم فعلا تلاميذ المسيح، وحول ماهية لغتها، لان اقدم نسخة عثر عليها تعود الى 250 م، أي بعد حوالي قرنين من صلب المسيح. والغريب ان هذه الاناجيل الاولى قد كتبت كلها باليونانية،([8]) رغم ان المسيح لم ينطق كلمة واحدة يونانية، لأن لغته هي(الارامية) وبها نطق آخر عبارة وهو على الصليب:( (إيلي إيلي لما شبقتني؟: الهي الهي لما تركتني؟).
***
سليم مطر ـ جنيف
........................
* لمطالعة هذا الموضوع مع قسمه الاول، بالاضافة الى الصور والخرائط والمصادر العربية والاجنبية، في موقعنا بعنوان: الى المتشككين بتاريخ الاسلام الاول وكتابه ونبيه، نعم هذا من حقكم، ولكن لا تتعاموا عن الحقائق التالية:
[1] - ابحث عن: ويكيبديا بمختلف اللغات: تاريخ الكتابة: History of writing
ان (الخط البراهمي) هو الخط الهندي الهندوسي الحالي، وان أقدم نقوشه وأشهرها هي المراسيم المنحوتة في الصخور للملك (أشوكا ) في شمال وسط الهند، والتي يرجع تاريخها إلى 250-232 قبل الميلاد. ابحث عن ويكيبيديا: الخط البراهمي: Brahmi script
اما ما يسمونه افتراضا (الكتابة السنكسريتية) الهندية، فان اقدم آثارها هي: مخطوطة جريد النخيل - Palm-leaf manuscript ، وتعود الى بضعة قرون قبل الميلاد. ابحث كذلك عن: مخطوطة باور
كذلك للتفصيل ابحث عن: Spitzer Manuscrip
كذلك موضوع بالفرنسي: الكتابة الهندية عبر التاريخ
Les écritures indiennes au fil de l’histoire
ـ من المهم التوضيح ان اقدم (كتابة مفترضة) في الهند هي(السندية: باكستان) التي تعود الى عدة آلاف ق.م. لكنها بالحقيقة غير مؤكد بانها كتابة، بل هي مجرد نقوش على الفخاريات لم تترك أية مدونات ولهذا يتمكن العلماء حتى الآن من فك رموزها، وهنالك اتفاق على انها محاولات اولية لرموز كتابية!!
ـ نجلب انتباه القراء والباحثين، الى عميلة الخداع والايهام الخطيرة التي يمارسها بعض المؤرخين الغربيين لاسباب (عنصرية آرية)، عندما يقولون: ان تاريخ النص الديني المجوسي وكذلك الهندوسي يعود الى ثلاث آلاف عام ق. م، رغم ان اقدم كتابة هندية وايرانية تعود الى بضعة قرون قبل الميلاد!؟ ولكن هولاء الباحثين يلجئون الى ما يسمى (التحليل اللغوي: الفيلولوجي) لـ(يفترضوا؟!) ان هذه النصوص الدينية اقدم بكثير من تاريخ تدوينها وتاريخ الشواهد الاثرية على وجودها.
فمثلا، لو قام شخص في وقتنا الحالي بتأليف نص باسلوب قرآني، فهل هذا دليل على ان زمن تأليفه يعود فعلا الى عصر القرآن؟؟!!
فانتبهوا الى هذا الخداع اللغوي المقصود، والى الاختلاف الكبير بين (تاريخ النص: Text ) الذي يعتمد الافتراض اللغوي، و(تاريخ المخطوطة: manuscrip) الذي يعتمد التحليل الاثاري للنص المكتوب. لهذا فانه مثلا، ان افضل طريق للبحث عن التاريخ الحقيقي لاي عقيدة او كتابة ، البحث عن:(اقدم مخطوطة مكتوبة)، فمثى بالنسبة للكتابة الهندية والهندوسية، بعد جهود بحثية كبيرة لامعرفة التاريخ الحقيقي ، وجدنا هذه العبارة المناسبة للبحث:
ما هي اقدم مخطوطة هندية وهندوسية؟
Hinduism: What's the oldest Hindu manuscript available
[2] ـ عن الجدالات عن تاريخية البوذية، ابحث عن:
(rouleau de Gandhara) (canon pâli)
(Un manuscrit bouddhique vieux de 2000 ans restauré et numérisé)
[3] ـــ عن المجوسية وكتابهم الافستا ابحث عن:
ـ Avesta - World History Encyclopedia
ـ طالع: آرثر كريستنسن: إيران في عهد الساسانيين، ص130، 131.
ـ كتاب بالعربي تفصيلي مهم عن تدوين الأفستا في العصر الإسلامي:
ــ تحريف الزرادشتيين للديانة الزرادشتية في العصر الإسلامي/ د. خالد كبير علال.
[4] ــ طالع: أقدم مصدر تم فيه ذكر اسم (زرادشت) يعود إلى القرن الرابع ق. م، إذ ذكر أحد المؤرخين اليونان أن الفرس يقولون: إن (زرادشت) عاش قبل ستة آلاف عام.
ــ L’Avesta, Zoroastre et les sources des religions indo ــ iraniennes par Jean Kellens
ثم إن الطائفة المجوسية بقيت حيّة وإن ضعفت وقل عدد أتباعها، لكنها من المستحيل أن تستمر بدون كتابها المقدس إذا كان فعلا مكتوبا!! ثم لماذا اضطروا إلى تدوينه في القرن الرابع الهجري، إذا كان موجوداً؟! وقد أضافوا إليه الكثير من المؤثرات الإسلامية والمسيحية، وادعوا أنها موجودة منذ القدم!
ــ مثلا، عن حكاية (المعراج) المجوسية، (أردا فيراراز ــ ناماغ) (كتاب أردا وياراز)، فإن الباحثون اتفقوا على أنه دون في القرن الرابع الهجري بجانب كتابهم الأفستا. طالع:
ــ الموسوعة الإيرانية بالإنكليزية: encyclopaedia iranic/ مفردة(ARDĀ WĪRĀZ)
كذلك ابحث: Zoroastrian visions of heaven and hell/ The British Library
ــ إيران في عهد الساسانيين ــ ارثر كريستنسن ــ ص40 ــ ص41.
ــ عن مشكلة تاريخ زرادشت ونصوص المجوسية: هنالك جدل دائم بين المختصين الغربيين لتحديد الفترة التي عاش فيها (زرادشت) بعضهم يبلغ حد 2000 ق.م، وبعضهم يهبط إلى القرن الأول أي زمن المسيح! لأن المشكلة تكمن في عدم وجود أية أدلة آثارية وشهادات تاريخية على وجوده أصلاً. (هيرودوتس الرابع ق.م) لم يتحدث عن زرادشت بل ذكر (دين الفرس)، و(إنجيل متي) يتحدث عن (المجوسية 2/ 1ـ 16). أما الشهادات التي تذكر اسم (زرادشت) فهي باليونانية واللاتينية وتعود إلى القرن 1 م أمثال الإيطالي (Pliny the Elder) و(نيقولا الدمشقي)، وكلها نقلا عن مصادر شفاهية وأقاويل تتحدث عن زمن بعيد لقرون مختلفة. طالع بالفرنسي:
ــ Jean Kellens/ L’Avesta, Zoroastre et les sources des religions
ــ بل هنالك من يعتقد بأن هنالك (عدة زرادشت، وليس واحداً)، والطريف أن جدل المختصين يعتمد (فقط فقط فقط) على تقدير تاريخ (لغة ومعاني) النصوص المنسوبة إلى المجوسية والتي تتحدث عن نبيهم. علما بأن أقدم نسخ هذه النصوص الحالية يعود تاريخ كتابتها إلى ما بعد الإسلام، وهي نصوص (الخليقة: بنداهيش Būndahišn.). ابحث بالإنكليزي والفرنسي والألماني: Zoroaster
ــ كذلك طالع:
آرثر كريستنسن: إيران في عهد الساسانيين، ص130، 131.
[5] ـ نفس المصدر السابق: أشرف على هذا النهوض الديني المجوسي الكاهن (كارتير Kartir: القرن الثالث م)، وهو (الموبدان الأكبر: أي الرئيس الأعلى لكهنة المجوس)، الذي جهد لجعل المجوسية الديانة الرسمية للإمبراطورية، على أمل مواجهة الاكتساح المسيحي والمانوي القادم من العراق.
وعلى غرار شخصيتي (ماني البابلي) و(النبي عيسى) جهد المجوس لإبراز شخصية نبي خاص بهم أحيوه من تراثهم الشعبي: (زرادشت)، ربما من شخصية زاهد إيراني قديم مقدس. كذلك بدأوا بتدوين بعض النصوص الشعرية الدينية التي نسبوها لنبيهم بأسم: (الزند الزرادشتي: أبستاق ــ الافستا: Avesta)! الذي ارجعوه الى شخصية زراشت، كما ارجع اليهود توراتهم الى موسى قبل قرون طويلة من كتابته الفعلية في بابل.
[6] ـ عن اليهودية وموسى ابحث عن ويكيبيديا:
ـ (تاريخية الكتاب المقدس: Historicity of the Bible)، كذلك: (حقيقة وجود موسى:
historicity of moses
وللتفاصيل الكاملة، طالع ملفنا الكامل عن اليهودية: اليهودية، ليست سماوية توحيدية، بل بابلية كنعانية؟! سليم مطر
[7] ـ للتفاصيل المباشرة السهلة عن المسيحية والمسيح، ابحث عن: ويكيبيديا:
ـ (نظرية أسطورة يسوع/ Christ myth theory)
(مصادر لتاريخية يسوع/ Sources for the historicity of Jesus)
[8] ـ عن تااريخ الاناجيل ابحث بالعربي عن: ويكيبديا: إنجيل
وعن الجدالات حول لغتها، ابحث عن: عبرانى أم يونانى.. ما لغة الكتاب المقدس الأصلية؟.. ومتى ترجم للعربية؟