قضايا
لمياء حطاب: التعليم العالي في العراق ومسارات جديدة في التحديث
عُد التعليم العالي في كل دول العالم هو المدخل الرئيس للتقدم والتطور في كل مجالات الدول المتقدمة، فهو الذي يؤسس لتحديث الإدارة والمصارف والتعليم الأساس "الإبتدائي والمتوسط والثانوي" والتعليم الجامعي، فهو ينظم المنهج الدراسي ومنهج التعليم بمختلف تخصصاته، الطبي والتقني " الهندسة والتكنولوجيا" فضلا عن مناهج المجموعة الطبية بمختلف أنواعها، فهو لابد أن يواكب هذا التحديث لكي يتكيف مع ما يجري مع التعليم في كل دول العالم.
تؤكد لنا التجارب النفسية والتربوية على مستوى الفرد كيف أن الفرد المتكيف تماما مع مجتمعه في الحياة اليومية ربما يصل إلى درجة من الآلية وعدم القدرة على التجديد تجعله قليل التلقائية والإبداع في مجال تخصصه، لا نقول أنه مسلوب الإرادة بقدر ما يمكن أن يكون متآلف مع أزمات مجتمعه. أما لو نظرنا إلى التطور على أنه يشمل القدرة على التغيير والتجديد تجعله مع درجة من الرفض للواقع الذي قد تتحول إلى درجة من عدم التكيف.
أما على مستوى المجتمع نستطيع أن نرى كيف أن المجتمع وهو في مرحلة التجديد أو التغيير وهو يعايش الصناعات والأجهزة والتكنولوجيا وأدوات التواصل بكل نجاح لأنها تفرض عليه مواكبة هذا التطور والتحديث ويمكنه أن يجاريه ويستمر معه في قبول أحدث المنتجات العلمية في العالم ويتقبلها ومنها الأجهزة الكهربائية والموبايلات وبناء البرامج المختلفة التي يؤثر على شريحة كاملة من الشباب، وأنظمة التواصل الاجتماعي فضلا عن موجات الملابس والموضة والماركات وغير ذلك.
تؤكد لنا التجارب أن في مختلف دول العالم التي تعرضت إلى أزمات وثورات وحالات الحصار وفرض العقوبات الدولية وغلق الحدود، إلى انغلاق التواصل مع العالم، وفيه ينسحب المجتمع من مواكبة التطور والتحديث ولكن ما أن تبدأ دورة الحياة يعود الانفتاح على العالم الخارجي بعد الوصول إلى درجة الاستقرار، حيث بات من المؤكد أنه لابد أن يجمع الفرد وكذلك المجتمع والمؤسسات التربوية والتعليمية بين ثورة التكنولوجيا القادمة من الخارج وتأثيرها على المجتمع، وقدرته على المواكبة وهو أمر فيه من الحالة السوية الصحيحة، والمفروض أن يواكب هذا التطور التعليم أيضًا بكل مراحله لأنه جزء من التطور الكلي لمجالات الحياة، ففي العراق لم نلاحظ مواكبة التطور والتحديث في المناهج والأساليب الدراسية وطرائق التدريس، وخلق دافعية الطلبة نحو التعليم ومشاهدة تأثيرات التكنولوجيا في الصناعات التي وصل لها الغرب، ظل الفرد العراقي مبهورًا بما حققته الصين أو كوريا الجنوبية بصناعاتها العملاقة فضلا عن التطور الذي وصلت له تركيا في صناعاتها وقدرتها على تجديد السياحة والتعليم ومناهجها الدراسية التي صنعت إنسان جديد واعي مواكب للتطور والتحديث في كل مجالات الحياة.
ويمكننا القول إذا لم يستطيع التعليم العالي في العراق وهو المحرك للتطور والتحديث في احداث تغيير من خلال برامجه ومناهجه وأساليب التعليم فإنه سوف يظل في حالة تدهور ومعه يتدهور الأساس في ذلك وهم الشباب وهي مادته الأساسية، وهو المحرك الرئيس في البناء، يبدأ يتشكك ويثور ويسعى إلى التغييرات الجذرية ومن خلال تلك الثورة يبحث الشباب عن هويته الجديدة في العالم خارج وطنه، ولكي لا تكون أساليب التعليم في العراق أساليب وأنظمة جامدة ومتحجرة تقاوم وتصد أية مبررات لأي فكر جديد وأي تحديث أو تطور، عليه أن يعيد الحسابات في هذه المهمة الشاقة والصعبة.
***
د. لمياء حطاب رحيم
الكلية التربوية – البصرة