قضايا
نبيل الربيعي: الفكر التقدمي وتأثيره على الشباب المراهق
الفكر اليساري التقدمي هو الخميرة الإنسانية الأولى دون شك لكل مراهق ثوري في زمن المراهقة، وخميرة اليسار واليسارية ضرورة للوعي النقدي ولكل أديب ومثقف، لكن التحول قد يحصل حال اكتمال الفكر بعد سن المراهقة، وقد تكون خاتمة العلاقة مع جميع الأحزاب، لأن الفتى السياسي في عمله الحزبي في سن المراهقة كان وحشاً كاسراً في تمسكه بموقفه ودفاعه عن فكره وعقيدته، لكن استمرارية العمل السياسي والحزبي حتى سن الكهولة سيصبح جحشاً ينفذ ما يرغب به قيادات الحزب من اعمال ومهمات سياسية وحزبية، وهذا ما يؤكده الدكتور ميثم الجنابي في كتاب (العراق حوار البدائل) وقد حاوره مازن لطيف، إذ يؤكد (من لا يكون يسارياً ثورياً زمن المراهقة فهو وحش! ومن يبقى يسارياً ثورياً بعدها فهو جحش!) ص32.
علماً أن وجود الأحزاب والأفكار جميعاً ضرورة ولكن بوصفها جزءاً من منظومة عليها أن تحتكم إلى الاعتدال وتسترشد به في الحياة العامة والخاصة للأفراد والجماعات والمجتمع والدولة والثقافة.
وقد أوصلتني تجربتي السياسية والحزبية إلى أن الأحزاب السياسية جميعاً لا يمكنها أن تكون ميداناً ولا ممراً للحقيقة والبحث عنها. والأحزاب السياسية اليوم جميعها هي مصيدة شرسة لقتل الثقافة والمثقفين والروح النقدي الحر. وهو السبب الذي جعل منها أن تقتل أنبل القلوب وأصفى العقول وأشد العزائم دون أن يخامرها الشك بأن ما تقوم به هو عين النبل والعقل والعزيمة! وهي نتيجة يمكن العثور عليها عند الأحزاب المسترشدة بعقائد دينية ودنيوية.
فالأحزاب اليوم هي تجمعات قوى اجتماعية رثة، وأقليات ضعيفة، تعاني من أزمة النمو والتكامل، وتقلد بطريقة فجّة كل موضة إيديولوجية يدفعها المركز المتخلف! من هنا تحولت بعض الأحزاب إلى تجمعات يصعب تحديد هويتها، لأنها منذ البدء بلا هوية وإنما تابعة لدول أخرى ترعاها، فتحولت إلى مسخ ومن ثم إلى صراع حزبي دموي، بحيث أصبحت فكرة الحزب والقيادة الحزبية رديفاً للمؤامرة والمغامرة وانعدام الأخلاق، ورديفاً لكل الرذائل الواقعية والممكنة، وبالتالي صعوبة توقع ظهور شخصيات سياسية لها وزن وطني ودولتي، وإنما ظهور شخصيات طفيلية همها المناصب والمكاسب والكذب على الجمهور واعضاء الحزب، وبعض القيادات تجدها ناقصة وجاهة أو خرجت من مجتمعات قروية متخلفة فتأخذ من الأحزاب قيادات لملأ النقص فيها. والشيء الوحيد الذي تتفنن به تلك القيادات السياسية هو احتراف الخديعة والدخل والمكر والكذب، بوصفها الصفات المعوضة عن غياب الكفاءة المعنوية والمهارة العلمية والاحتراف العلمي.
وليس مصادفة أن تكون الأحزاب السياسية في العراق هي احزاب أهواء إيديولوجية. إنني لم أعثر لحد الآن على دراسة جديدة واحدة كتبها أي من قياديي الأحزاب السياسية المعروفة في العراق، أو حتى عند الحزب السياسي بأكمله، يمكن اعتبرها دراسة ذات ابعاد وطنية واستراتيجية متكاملة أو ذات أفق يشمل رؤية واضحة الآفاق تطور الدولة بمختلف ميادينها على أسس فكرية مستقلة وعلمية. لككني أجد جميع الأحزاب لها اجترار للأهواء الإيديولوجية، وحالما تنظر إلى تاريخها الآن فأنك تصاب بالغثيان من هذه الكمية الهائلة والسطحية بلا سياسة ولا فكر.
***
نبيل عبد الأمير الربيعي