قضايا
عمرون علي: من أجل أخلاق سياسية
(كثيرا ما تخدع المظاهر البراقة الشعب فيسعى الى حتفه بظلفه. وكثيرا ما يسهل التأثير عليه بالآمال الكاذبة والوعود المتسرعة بسهولة)... ميكيافللي
(الحمار قد يختار التبن على الذهب)... هيراقليطس
مدخل عام
تشتغل الأخلاق كمبحث فلسفي على بيان ما هو أخلاقي، وتبحث في الأسس والمعايير التي تبنى عليها القيمة الخلقية ويفكر رجل الاخلاق في الراهن وكيفية ترجمة المبادئ الأخلاقية الى معاملات في الحياة اليومية. بينما تتساءل الفلسفة السياسية عن معنى السلطة والحقوق والعدالة والملكية وتتحدث عن الالتزام السياسي.. فالسياسة في معجم روبير هي: " فن حكم المجتمعات الإنسانية "، وتاريخيا لم تكن السياسة في علاقة متوترة مع الاخلاق دائما - كما هو واقع في عصرنا هذا مع تزايد معدلات الجريمة والفساد السياسي وعودة الأنظمة الاستبدادية ومع بروز مشكلات الموت الرحيم، والإجهاض، وحقوق المثليين، وأبحاث الخلايا الجذعية، واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء مما ولد حالة من السخط الشعبي وعدم الثقة في اخلاق الطبقة السياسية- بل عرفت اشكالا من التوافق والانسجام لاسيما في العصور القديمة سواء في الفلسفة اليونانية او الفلسفة الإسلامية والمسيحية. حيث كان ينظر الى الأخلاق والسياسة على انهما من مظاهر الحكمة والقيم العملية ورمزا للفضيلة. هذا التوتر في العلاقة بين السياسة والأخلاق انفصالا واتصالا يدفعنا الى التساؤل:
هل نجاح الممارسة السياسية يقتضي التضحية بالأخلاق؟
هل يمكن للسياسة أن تقوم دون بعيدا عن الفضيلة؟
هل من الممكن ممارسة السياسة دون التضحية بالمعايير والقيم الأخلاقية؟
يمكن ان نميز هنا بين اطروحتين: أطروحة منطوقها يدور حول فكرة ان السياسة والاخلاق متصلان وهم ينطلقون من مسلمة مفادها ان غاية الدولة اخلاقية وهذه الغاية تتمثل في تحقيق العدل ومن ثمة سعادة الانسان. ففي كتابه الاخلاق الى نيقوماخوس وضع ارسطو السياسة فوق علم الاخلاق وهي عنده علم العمران الذي تقوم عليه مطالب الانسان كلها وكتب قائلا: ” نقطة أولى يظهر انها بديهية، وهي ان الخير يتبع العلم الأعلى بل العلم الأساسي أكثر من جميع العلوم. وهذا هو على التحقيق علم السياسة.. انه في الواقع هو الذي يعين ماهي العلوم الضرورية لحياة الممالك، وماهي التي يجب على اهل الوطن ان يتعلموه، والى أي حد ينبغي ان يتعلموه، ويمكن ان ينبه فوق ذلك الى ان العلوم الأعلى مكانة في الشرف هي تابعة للسياسة، أعنى العلم الحربي والعلم الإداري والبيان " [1] وهكذا في السياسة اليونانية، يتم التعرف على المواطن على هذا النحو فقط من خلال اندماجه في المجتمع السياسي والسبب العملي الذي يوجه عمل المواطن اليوناني يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأخلاقيات "[...] التي تُفهم على أنها مجموعة من التقاليد والعادات وقيم الحياة في البوليس او ما يسمى المدينة.
أما في الفلسفة الإسلامية تطرق ابن رشد الى مشكلة التغيير السياسي وبناء الدولة وفق فلسفة تنويرية واسس قانونية أخلاقية حيث انطلق ابن رشد من مقاربة وصفية تحليلية فتحدث اولا عن أنظمة الحكم المختلفة ومنها: التيموقراطية (مدينة الكرامة) وتقوم على حكومة النبلاء وأصحاب الطموح الباحثين عن الشهرة وهي تنتج عن حب السيطرة والعنف، وحكومة الخسة والخساسة، وحكومة الطغيان (التغلب).. وهو يتحدث عن حكومة الطغيان وصف ابن رشد الطاغية بالسكران وبان نفسه مليئة بالعبودية والجور لايقدر على ضبط نفسه ومراقبة رغباته، هو بالمحصلة مريض نصب نفسه طبيبا لمعالجة الاخرين، ووفق مقاربة سيكولوجية حلل ابن رشد نفسية الشعوب الواقعة تحت حكم الطغيان ولاحظ انها شعوب تشعر بالحزن والقلق وتعيش محطمة في مهاوي الياس والفقر، وانهم تحت ضربات الطغيان وسياط الاستبداد يتجهون الى البحث عن قوت يومهم ومن ثمة ينزل سقف تفكيرهم فلا يتجاوز البحث عن الخبز.
لذلك تبنى ابن رشد الديمقراطية (السياسة الجماعية) كمنهج في الحكم ديمقراطية أسسها على مبدأين: هما الارتقاء بالحرية في أوسع معانيها والالتزام بالقانون والمبادئ الأخلاقية وجاء من بعده ابن خلدون: " حسن التصرف في الحكم يعود إلى الرفق، فإن الملك إذا كان قاهرا باطشا شمل الناس الخوف والذل وإذا كان متخلقا اشربوا محبته واستماتوا دونه في محاربة أعدائه " و نجد الماوردي يقول: " السياسة العادلة هي التي تجمع بين الاقوال والافعال وتدفع الحاكم الى عدم المعاقبة الا على ذنب "
ونفس الموقف نجده عند سانتهلير في مقدمة كتابه الذي ترجمه عن أرسطو المسمى « الأخلاق عند نيقوماخوس» عندما بين صلة السياسة بعلم الأخلاق فقال: "إن السياسة ليس لها مبدأ واحد لم تستمده من الأخلاق، فماذا عسى أن يكون التشريع في الممالك إذا كان لا يستند إلى علم الأخلاق؟ وما عسى أن يكون حال الحكومة وقد خلت من العدل؟ وما مصير الجمعيات الإنسانية بلا أخلاق؟ ولاحظ الفيلسوف البريطاني راسل أن العلاقات الدولية عندما ابتعدت عن الاخلاق اصبح أساسها الصراع والتنافس والسبب في ذلك الانفعالات السلبية مثل الحقد والكراهية وعلى السياسة أن تخرج من دائرة العاطفة وتعود إلى زاوية العقل وذلك من خلال الالتزام بالمبادئ الاخلاقية ومن هنا جاءت مقولة راسل: " الشيء الوحيد الذي يحرر البشر هو التعاون وان يتمنى المرء الخير لنفسه وللآخرين " وجاء في ميثاق الأمم المتحدة ما نصه: " نحن شعوب العالم القينا على أنفسنا أن نحمي الأجيال المقبلة من ويلات الحرب وان ندافع عن الرقي الاجتماعي في جو من الحرية" وهذه الاحكام مستمدة في الاصل من فلسفة كانط في كتابه " مشروع دائم السلام الدائم " * والذي وضع فيه ست مواد أساسية تبين الشروط السلبية للسلم أولها: " ان أي معاهدة للسلام لاتعتبر كذلك اذا انعقدت نية وضعها على امر من شانه اثارة حرب من جديد " وثلاثة مواد تضع الشروط النهائية والايجابية للسلم ولذلك يعتبر كانط من أنصار هذه الأطروحة والذي استعمل مصطلح الواجب الأخلاقي أي طاعة القانون الأخلاقي احتراما له وليس للمنفعة أو خوفا من المجتمع , والأخلاق عند كانط تتأسس على ثلاث شروط: "شرط الشمولية " وهذا واضح في قوله: " تصرف بحيث يكون عملك قانون كلية " و شرط احترام الإنسانية أي معاملة الناس كغاية وليس كوسيلة , وأخيرا ضرورة أن يتصرف الإنسان وكأنه هو مشروع الأخلاق.
كما نجد جون راولز يتساءل في كتابه العدالة كإنصاف: عندما ننظر الى المجتمع الديمقراطي نظرة تعتبره نظاما منصفا من التعاون الاجتماعي بين مواطنين معتبرين أحرارا وتساوين نسال ما المبادئ التي تلائمه اكثر من سواها ؟ ويقتضي هذا التساؤل التفكير في تطبيق العدالة الاجتماعية بطريقة عملية وهذا الامر مشروط بتقاطع وتوافق المؤسسات السياسية مع المؤسسات الاجتماعية وكيف تجتمع وتتناسق وتتكامل انطلاقا من منظومة أخلاقية، صحيح ان السلطة السياسية هي دائما سلطة اكراهية الا انها سلطة مواطنين يفرضونها على انفسهم مواطنين احرارا ومتساوين وقد أشار الى ذلك جون جاك روسو في كتابه العقد الاجتماعي قائلا: " ان القابضين على السلطة التنفيذية ليسوا اسياد الشعب بل هم موظفوه او خدامه..ان الشعب يقدر ان يعينهم وان يقيلهم كما يشاء " وهكذا المجتمع الحسن التنظيم هو المجتمع الذي ينظمه وبكفاءة مفهوم سياسي للعدالة وذلك بوجود قضاء مستقل وتحديد قانوني للملكية وبناء الاسرة للوصول الى العدالة الأخلاقية من خلال قوتين أخلاقتين هما الشعور بالعدالة كالتزام والزام أخلاقي والقدرة على الارتقاء الى الخيرية وهنا يظهر البيان الأولي لمبادئ راولز للعدالة كما يلي[3]:
وهناك أطروحة معاكسة يدور مضمونها حول فكرة أن السياسة والاخلاق منفصلان وهم ينطلقون من مسلمة انه من الضروري استبعاد القيم الأخلاقية عن مجال السياسة وان ماهية الاخلاق تختلف عن الممارسة السياسية. ومن ابرز ممثلي هذا الاتجاه ميكافللي ففي كتابه الأمير كتب قائلا: " كلنا نعرف مدى الثَّناء الذي يناله الأمير الذي يحفظ عَهْدَهُ ويحيا حياة مستقيمة دون مَكْرٍ، لكن تجارب عصرنا هذا تدل على أنّ أولئك الأمراء الذين حققوا أعمالا عظيمة هم من لم يصن العهد إلا قليلاً وهم من استطاعوا أن يؤثروا على العقل بما لَهُ من مَكْرٍ، كما استطاعوا التغلب على من جعلوا الأمانة هادياً لهم" وتصب بقية النصوص في كتاب الأمير في نفس الاتجاه حيث تبتعد السياسة عن النظرة المعيارية وتتغذى من الواقعية في الطرح لذلك في مستهل مقال السياسة والأخلاق علاقة متوترة أشار أليساندرو بينزاني الى اننا نتعامل مع مفهوم شخصاني للسلطة السياسية، حدده ميكيافللي بالقدرة على قيادة السكان المتجمعين في منطقة معينة والقدرة على الدفاع عن حدود هذه الأخيرة. مثل الأشكال الأخرى للسلطة مستدلا بان شواهد
التاريخ بينت لنا أن الامراء الذ ين لم يلتزموا بالأخلاق حققوا انتصارات ودام حكمهم طويلا ومن هنا جاءت مقولته (الغاية تبرر الوسيلة والضرورة لا تعترف بالقانون) يمكن العودة هنا الى كتاب مطارحات ميكافللي والذي تحدث فيه ضمن احد ابوابه عن ما يسهل اقناع الشعب به وما يصعب " اذا كنت تبغي اقناع الشعب بشيء ما تحتم عليك ان يبدو هذا الشيء في احدى صورتين، صورة المضمون وقوعه، أو صورة القضية التي لا أمل فيها، وصورة الشيء الذي يحمل طابع الجرأة أو صورة الشيء الذي يحمل طابع الجبن " على اعتبار انه عندما تكون الاقتراحات المعروضة على الشعب من النوع الذي يبدو مضموناً حتى ولو انطوى على الكوارث مختفية فيه، أو من النوع الذي يحمل طابع الجرأة حتى ولو كان خراب الجمهورية كامناً فيه، يكون من السهل دائماً اقناع الشعب بها ويكون من الصعب دائماً وبنفس الطريقة اقناع الجماهير باتباع سبيل يبدو لها منطوياً على الجبن أو اليأس حتى ولو كانت السلامة والامن قائمين فيه وهناك شواهد عدة، من رومانية وغير رومانية، ومن قديمة وحديثة تقيم الدليل على صحة ما قلت، فمثلاً ساءت نظرة الشعب في رومة الى فابيوس مكسيموس، عندما فشل هذا في اقناعه بأن من خير الجمهورية، ان تمضي ببطء في حربها مع هانيبال، وان تلجأ الى الدفاع بدل الهجوم، فلقد رأى الشعب في نصيحته جبناً لا ينطوي على أيه فائدة ملموسة، ولم تكن لدى فابيوس الحجج الكافية لحملهم على تبين وجهة نظره. وتكون الشعوب عادة على درجة كبيرة من العمى وعدم الادراك في القضايا التي تتعلق بسلامتها، فعلى الرغم من ان الشعب الروماني قد اقترف الخطيئة بتخويله قائد الفرسان عند فابيوس، بالهجوم على هانيبال، على الرغم من ارادة فابيوس نفسه، وعلى الرغم من ان هذا العمل، الذي تم السماح به رسمياً، كان من المحتوم ان يقضي على الجيش الروماني حتماً ويصيبه بالهزيمة، لو لم يسارع فابيوس بما امتاز به من حسن ادراك الى انقاذ الوضع، الا ان هذا الشعب لم يفد كثيراً من هذه التجربة.. والآن دعوني اقدم مثلاً آخر على هذا السلوك من تاريخ رومة. كان هانيبال قد قضى ثماني سنوات او عشراً في ايطاليا، وكان قد أعمل في الرومان تقتيلاً وذبحاً ذات اليمين وذات الشمال، في طول البلاد وعرضها، عندما جاء ماركوس سنيتونيوس بنيولا وهو انسان وغد على الرغم من انه سبق له ان اشغل منصباً في القوات المسلحة الى مجلس الشيوخ، وعرض عليه، اذا سمح له المجلس بتأليف جيش من المتطوعين يجمعه من أي مكان في ايطاليا، ان يقدم له هانيبال في وقت قصير، حيا او ميتاً. وبدا طلب هذا الوغد في عيني اعضاء مجلس الشيوخ شيئاً ينطوي على الحمق والجنون، ولكن لما كانت الحقيقة تشير الى انهم اذا رفضوا العرض، وعرف الشعب برفضهم، فستنشب في المدينة اضطرابات وستحل الكراهية على اولئك الذين ينتمون الى عضوية المجلس، ولذا فقد اجابوه الى طلبه مؤثرين تعريض كل من يلحق بالرجل الى الخطر، على ان يثيروا سخطاً جديداً عليهم بين جماهير الشعب، وذلك ادراكاً منهم لما يلقاه مثل هذا العرض من ترحيب عند العامة، ولما سيجدونه من صعوبة في اقناعهم لو حاولوا ذلك. وهكذا مضى الوغد على رأس جماعة من الدهماء يفتقرون الى النظام والانضباط باحثاً عن هانيبال، فهزمه هذا وقتله مع كل من كان بسیر تحت قيادته في أول معركة التقى بها معهم. وفي بلاد اليونان، لم يستطع نيكياس، وهو رجل عرف في اثينا، بسعة حكمته وثقل وزنه، اقناع شعب المدينة بحماقه ما ينوونه من غزو صقلية، مما أدى الى اتخاذهم قراراً خالفوا فيه مشورة كل من يقدر
ويؤكد جوليان فروند في كتابه ماهية السياسة على انفصال السياسة عن الاخلاق قائلا " إن الأخلاق والسياسة لا سبيل الى تماثلهما قط" وتبرير ذلك في نظره ان السياسة هي فن الممكن وترتبط بضرورة من ضرورات الحياة وهي تنظيم المجتمع وحماية الدولة وتقوم على الحيلة والصراع فطابعها واقعي اما الاخلاق فهي تهتم بما يجب ان يكون وبكمال الفرد فطابعها مثالي.وتاريخيا نجد أنظمة سياسية أسست مشروعها على القوة ونبذت كل القيم المرتبطة بالأخلاق وعلى رأسها السلام والتسامح يقول موسوليني: "إن السلام الدائم لا هو بالممكن ولا هو بالمفيد، إن الحرب وحدها بما تحدثه من توتر هي التي تبعث أقصى نشاطات الإنسان وهي التي تضع وسام النبل على صدور أولئك الذين لديهم الشجاعة لمواجهتها" ومن الأمثلة التي توضح ابتعاد الساسية عن دائرة الاخلاق مقولة قوبلز وزير اعلام هتلر الذي كان يقول: " الكذبة كلما كبرت سهل تصديقها " وهناك مقولة مشهورة للسياسي البريطاني الشهير تشرشل: "لا عداء دائم، ولا صداقة دائمة، بل مصالح دائمة"
ولكن هل يمكن للحكم القائم على القوة والمكر والحيلة والخداع أن يدوم؟ ألا يؤدي ذلك إلى زعزعة الثقة بين الحاكم والمحكوم وبالتالي انهيار الدولة؟ الا يمكن القول ان السلطة التي تبتعد عن الاخلاق سلطة مطلقة وهي بالضرورة مفسدة مطلقة
من الناحية الواقعية يمكن القول ان تدهور العلاقات السياسية في العالم في عصرنا هذا كان بسبب الابتعاد عن القيم الاخلاقية والبحث فقط عن المصالح الضيقة وهذا سلوك يقضي على كل أشكال التعايش الديني، العرقي، الفكري واللغوي ومثال ذلك حرب روسيا على أوكرانيا او الحرب في السودان... ويمكننا أن نعرض هنا موقف الُمفكر الجزائري مالك بن نبي من باب الاستئناس ففي كتابه شروط النهضة قال: " إذا كان العلم بلا ضمير خراب الروح فان السياسة بلا أخلاق خراب الأمة ". وشريعة الإسلام ترفض الصراع بين السلطة الروحية والسلطة السياسية ويعتبر الأساس في الحكم هو الأخلاق قال رسولنا عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام: " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" وقال تعالى: (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) وهذه النظرة تجسدت في اول خطبة للخليفة ابي بكر الصديق رضي الله عنه.
وفي مقابلة مع هنري هود هل الحرب محفورة في الإنسان وهل هي بهذا المعنى حتمية؟ بعبارة أخرى، هل السلام الدائم بالمعنى الكانطي خيالي؟ أجاب ان الحرب ظاهرة تبدو عالمية في المكان والزمان. إنها متجذرة في الإنسان كما هو الإنسان. لذلك هناك بالتأكيد شيء ما في الإنسان يدفعه إلى الحرب. إن فكرة هوبز القائلة بأن "حالة الطبيعة" للإنسان تؤدي إلى "حرب الكل ضد الجميع"، على الرغم من التناقض، صحيحة تمامًا. يفسر ذلك حقيقة أن الإنسان يعرف قانونه الطبيعي، لكن حالته الطبيعية غالبًا ما تكون حالة ناتجة عن عدم تطبيق هذا القانون الطبيعي. هذا ما يخبرنا به القديس توما: "غالبًا ما يتصرف الحيوان العقلاني بطريقة غير معقولة". وبالتالي، إذا أردنا السلام، فسيتعين علينا تغيير سلوكنا بشكل جذري، وعلينا أن نجبر أنفسنا على أن نكون حكماء وأتقياء ومقدسين، لكن الكثيرين لا يريدون أن يكونوا كذلك.
كتخريج عام
يمكن القول ان الأخلاق والسياسة من المشكلات الكلاسيكية في الفكر الفلسفي ومع ذلك لا تزال مطروحة للنقاش والجدال والبحث والتقصي وعليه يجب اخلقة العمل السياسي يتعلق الامر بضرورة اداء الافراد لواجباتهم الاخلاقية والقانونية في الوظائف العامة، والتزام رجل السياسة واحتكامه الى صوت الضمير واداء واجباتهم التي تم انتخابهم من أجلها في مجتمع سئم افراده من كثرة الأخبار المتعلقة بفضائح الفساد.
***
الأستاذ عمرون علي أستاذ مادة الفلسفة
..........................
المراجع المعتمدة
[1]- علم الاخلاق الى نيقوماخوس، ارسطو، تعريب احمد لطفي السيد، مكتبة دار الكتب المصرية، ص: 171.
[2]- مطارحات ميكافللي، نيقلو ميكافلي، تعريب خيري حماد، منشورات دار الافاق الجديدة، بيروت لبنان، ص: 390-392.
* يمكن العودة الى كتاب مشروع للسلام الدائم لكانط ترجمة عثمان امين.
[3] العدالة كإنصاف، جون رولز ترجمة، حيدر حاج إسماعيل، مركز دراسات الوحدة العربية.