قضايا
المؤرخون وحقائق التاريخ، كيف نفهمها؟
التاريخ والحضارة مرتبطان احدهما بالاخر أشد الأرتباط، ولا يستطيع أحد منا ان يتحدث عن الحضارة حديثا معقولاً الا اذا عرف ما هية التاريخ، ويبقى العقل الانساني هو محور الروابط بينهما لفتح ابواب السيادة له على هذا الكوكب الكبير.
حضارات العقل القديم المعمقة عند المصريين والعراقيين انتهت بنهايات بقيت أثارها شاخصة للعيان، الحضارة المصرية انتجت الاهرامات التي عرف عنها سر الوجود، وانتجت الدواء لأول مرة في التاريخ، والتحنيط لجثث الموتى والذي لزال الى اليوم يلفه أسراره الغموض، مجهول الهوية دون معرفة سر الأبتكار والخلود، والغرف المغلقة في الاهرامات التي لم تفتح ولم يعرفها العلم الحديث حتى الآن، وشرائع كتبت في برديات لا زال يلفها الغموض تنتظر من يكشف سرها للوجود.
وحدائق بابل المعلقة لم يعرف اسرارها العلم الحديث، والكتابة والقلم والقوانين والزقورات والعجلة التي تجرها الخيول مبتكراتهم دون معرفة مبتكريها من العراقيين وغيرهم، بالمقابل ماذا انتجت حضارة المسلمين، سوى الغزوات والنهب والسلب وما ملكت ايمانهم من أغتصاب نساء وحقوق الاخرين، والمرأة دون عقل ودين، والسلطة والمال والسيف المسلط على الرافضين، لذوي الامر، دون الاخرين، والحكومات الظالمة تتحكم بالمظلومين. في الأمر غموض، فالنص المقدس جاء بتكريم العلم والقلم والاستقامة والعدالة وحفظ الحقوق، فلماذا كان التطبيق معكوسا عند المسلمين، هذا ما يجب ان يعرف بوضوح دون تعتيم، والذي لا زال مجهولا يلفه الغموض.
نعم المسلمون وشعاراتهم التي تقطر دما من سيوفهم، "الله أكبر والسيف يجز الرقاب" وما زالوا هم الذين اوقفوا حقيقة العقل الحضاري والقانون عند اصحاب الحضارات وابتكارات القديم،،كفاية مدحاً بالماضي وذماً بالحاضر الجديد، اين خزعل الماجدي لينقل لنا، حقيقة الوجود وسرالخلود،؟ لينبه لمنهج دراسي جديد، عسى ان ينفتح باب العقل في التجديد؟ بعد ان قرأنا من مناهجهم كل تخريف.
من هنا فواجب المؤرخين اليوم ان يُفهموا الناس حقائق مقومات نظرية المعرفة في التاريخ بينهم باعتبار ان العقل الانساني هو اول مخترعات الانسان التي مهدت له مفاهيم الحضارة والتي ارتقت به الى القدرة على عقل الاشياء والقبض عليها مما سمى بالانسان الى المكانة الحضارية الرفيعة قبل مجيء دولة الأغتصاب والتخريب، دولة المسلمين بعد عصر الرسالة المجيد. فهل يعقل ان الله انزل الدين ليفرق بين البشر في الحقوق أم ان من رافقوا الدعوة لم يكونوا مؤمنين،؟وهو الذي يقول "اعدلوا ولو كان ذا قربى؟ نريد جوابا من مؤسسة الدين، الصامتة صمت القبور؟، ومن يعترض فليقل لي ماذا أنتج الاسلام بعد محمد(ص) للعالمين سوى الاستبداد والفرقة والسيف ونكران الحقوق؟
مع الاسف الشديد ان نظرية المعرفة عند المسلمين لا زالت قاصرة عن ادراك المحرك الحضاري للمنتج الانساني، كونها غير مصاغة صياغة حديثة لابل قاصرة وغير مستنبطة حصرا من النص المقدس الكريم الذي طالما تحدثنا عنه دون علم صحيح وما دمنا بهذا التوجه القاصر، لن نستطع ان نصل الى مفهوم المنهج العلمي في التفكير ليمنحنا ثقة بالنفس وجرأة على التعامل من اي انتاج فكري حديث ومعاصر نتيجة التفكك الفكري والتعصب المذهبي واللجوء الى مواقف فكرية او سياسية تراثية مضى عليها مئات السنين دون تغيير.
كل هذه التوجهات القاصرة في نظرية المعرفة عندنا قادتنا الى كيل الاتهامات بالكفر والالحاد والزندقة والهرطقة والجبرية والقدرية الى نظرية التحديث والمعاصرة حتى وقعنا في مرحلة تصور اعداء الاسلام لما انتجه الاخر، فبقي المنهج العلمي عند غالبية مفكرينا يواجه التشنج والسذاجة وضيق الافق حتى اصبحنا بحاجة ماسة الى جدلية الفكر المعاصرفي مشكلة الفلسفة الكبرى في تحديد العلاقة بين الوجودالازلي ومرحلة التطور العقلي دون ان نستطيع ان نقف على الارضية المعرفية العلمية للقرن الواحد والعشرين.
هذا التصور الناقص جعلنا نعيش ازمة فقهية وفكرية حادة متخذين من قدسية النص وسيلة لمحاربة أفكارالاخرين، اذن، ما لم ننتج فقه فلسفي جديد معاصر مستندا الى تأويل النص لاتفسيره المتعدد الناقض والمتضارب لانعطي البديل في انتاج نظرية أصيلة في المعرفة الانسانية، منطلقة علمياً من النص المقدس لكي يكون المنطلق الفلسفي الذي ينتج عنه الحل الفقهي الفكري السليم.سنبقى نهرول في غياهب التاريخ. معتقدين ان كل فكر مضاد لنا هو عدو لنا بالضرورة دون تثبيت.
اذن ما الحل لنجتاز المرحلة السوداوية اليوم، الحل يكمن بالدرجة الأولى في أكتشاف محتوى النص المقدس الحقيقي التأويلي لا التفسيري كما جاء في الآية 7 من سورة آل عمران، "وما يعلمُ تأويلهُ الا الله والراسخون في العلم ". فسر النص بعد ان كان التلازم بين اللغة والتفكير ووظيفة الاتصال لم تستكمل بعد عند المفسرين، فضل الترادف اللغوي لا يعبر عن التفكير القائم على ادراك المشخص، ولم تكن فيها التسميات قد استكملت بعد تركيزها في تجريدات من هنا نستطيع ان نقول بضرورة ربط التوجهات القرآنية بالمنطلقات التطبيقية لتحديد مسار الدولة في الحقوق بين السلطة والمواطن التي فقدناها منذ عصرقيام الدولة بعد الرسول (ًص)، فالرسول جاء بدين حق وليس في مخيلته تكوين دولة بل تكوين أمة" هذه أمتكم امة واحدة وانا ربكم فأعبدون الانبياء 92".ساعتها سنتمكن من نشر الوعي التاريخي الحقيقي لواقع التغيير الذي نادت به الديانات الثلاثة اليهودية والمسيحية والاسلام في الوصايا العشر، وان اختلفت صيغتها الواحدة عن الاخرى قليلا، من هنا تبدأ مرحلة التغيير.
بعدهذا الجهد سنتجه نحو قبول النظريات العقلية في المعرفة الانسانية ورفض النظرية الدينية القاصرة على التفسير العاطفي، لنتقدم بخطوة جريئة باعلان انتهاء نظام النبوة والرسالة والايذان بان الانسانية قد بلغت سن الرشد وعليها تحمل مرحلة الاعباء لتقليص الفكر الديني المقوقع وتوجهاته المصيرية الجامدة بغية التقدم خطوة جريئة نحو معرفة التحرر من الجبرية الاوهام، واقوال الفقهاء والانتقال لمفهوم الحرية.
بعد هذا التوجه الكبير سنتخلص من الفكر الديني التقليدي ونتجه نحوالعلمانية العلمية لتحرير الانسان من الخضوع للطبيعة والتحرر من سيطرة الطبقات التي أحلت لنفسها أحتكار المعرفة وما سموه بأهل المعرفة والعرفان الذين استغلوا الثروة والسلطة لهم دون الاخرين، والتوجه الاكيد نحو التوحيد الذي يستهدف المساواة بين الناس وبين الرجل والمرأة معاً ليعلو الحق على النقص، لتصبح الحياة شراكة بين المؤمنين.
والمرحلة الاخرى والهامة جدا هي تفسير النص القرآني"أطيعوا الله والرسول وآولي الامر منكم"فالوا جمعا لا مفرد، وهي اليست جمعا لولي وهم المقدمون من الجماعة، وليسوا على الجماعة كما فهمت خطئاً تفسيريا لذا لابد من تأويل النص تأويلا معرفيا للخلاص من مشكلة احتكار أداة الحكم التي رفضها الاسلام والتي نواجهها اليوم. وبهذا التوجه الصحيح نتخلص من احتكار السلطة والثروة والمعرفة والسلاح المحتكر بايديهم وحصرها في الأمة، هنا نصل وبكل تأكيد الى جدلية الانسان والبناء الحضاري املا في ايجاد ولادة حضارية جديدة غابت عنا مئات السنين.
اذا استكملنا هذه الخطوات الصعبة والمهمة ونجحنا فيها ننتقل الى محور الزمن لنجدد الشهادة في القرآن دون تدخل الفقه الميت عليها الذي فرق الامة الى مذاهب لا وجود لها في القرآن قط، بعدها ننهي نظرية الجرح والتعديل والخلاص من نظرية الناسخ والمنسوخ، تمهيدا لاعتماد نظرية الأعتدال للخلاص من نظرية الخوارج والحاكمية الدينية المتمثلة بالمرجعيات الوهمية وولاية الفقيه المخترعة منهم ليكونوا هم سادة الناس بالباطل دون نص مقدس مكتوب.
هنا تصبح نظرية المعرفة الاساس لتحديد حقوق الانسان وتحديد المسارات الانسانية لتتحول النظرية الى دستور ثابت على طريقة وثيقة الما كناكارتا البريطانية، التي انشأت امة وشعب مهما اختلفوا فيما بينهم يكون القانون المدني هو الاساس في الحقوق.
علينا ان نعترف بالتقصير والندم حين اخذتنا العاطفة وابتعدنا عن العقل وصدقنا ما قاله المؤرخون والفقهاء ورجال الدين من اكاذيب التاريخ منذ عهد الخلافة الاولى مرورا بالامويين والعباسيين، حين نقلنا النص للقارىء دون تحقيق فكتبنا على خلاف الحقيقة والمعقول. فأذا لم ننحِِ النص القديم المنقول منهم ونبدأ بكتابة التاريخ وفق قراءة تأويلية جديدة سنبقى ندور في متاهات الحدس والتخمين.
حكومة تحكم المسلمين منذ اكثر من 1400 سنة، بلا دين صحيح ولا قانون، بينما رجال المكنا كارتا كونوا دولة وحقوق بالقانون وهم بلا دين، كما نعتقد ونقول، فترى كيف كونوا دولة الحضارة والقانون، كتبنا مئات الاطاريح الانشائية ولم نقف على القانون كما كتبنا في دول الوهم مثل المهدية والفاطمية والبويهية والسلجوقية ولم نسئال انفسنا لماذا كان التغييرفي بلادنا المنهوبة اليوم، كان من اجل الخيانة والسرقة والسلطة وبيعه للاخرين؟
تحدثنا عن الوهميات وصفقنا للدارسين وما كنا نعلم نحن باقلامنا المتخلفة نقتل حقيقة الاسلام في التغيير، كان علينا ان نفكر كيف فكر الاخر في
التغيير، فبقينا نؤمن بالنص (اطيعوا الله والرسول وآولوا الامر منكم) هذا النص بقراءته الخطأ تحولنا الى داعش والقاعدة وطالبان والمرجعيات الفقهية لاولي الامر في التنفيذ، فمالم نتخلص من هذا التخريف في نظرية الكبائر، والاحاديث المزورة، ونظريات الخوارج والحاكمية، ولن نبني دولة الاعتدال والقانون، سنبقى في مناهج التاريخ الديني، ولادين،
***
د.عبد الجبار العبيدي