قضايا
ثقافة الخوف
كل أحزاب الإسلام السياسي تنتج بالضرورة سلطة طائفية قمعية لأن الإسلام السياسي لا يمكن أن يسعى أو يقدم أي نوع من أنواع الديمقراطية وتداول السلطة في المجتمع هذه قضية عُرفت بالتجربة قبل النظرية.
فطبيعة الإسلام السياسي هي طبيعة متطرفة وإقصائية وأحادية يؤمن بها أتباعها كمهمة تأريخية مقدسة ومن يخالفها أو يختلف معها كافر ضال.
إذ لا يقبل الإسلام السياسي التعايش مع الآخر المختلف وينفي استقلالية الفرد ويقدس العنف.
وهذا ما يجعله يتماهى مع العنف السياسي والقمع المادي. حيث تفضي سلطته بالضرورة إلى الدولة العسكرية والدولة البوليسية الاستخباراتية من أنظمة الاستبداد القائمة على العنف والارهاب المادي كالسجن والتعذيب والاعدام.
والارهاب المعنوي كإلغاء التعددية والتنوع وثقافة التسامح.
وبذلك يصنعون دولة الخوف للقضاء على كل حقيقة لا تتلائم مع رؤاهم وكل حقيقة تظهر عندما يختفي الخوف.
في الدولة العلمانية السؤال في الدين يمكن أن يتحول مع الحرية الفكرية التي توفرها إلى سؤال عن الدين نفسه وعلاقته بالسياسة. السؤال المقبول والمسموح فيه في الدولة الدينية هو سؤال استكمال (المطلوب شرعياً) حيث لا سؤال خارج هذا المطلب فلا سؤال عن الممنوع ولا سؤال عن حيثيات المقدس حتى يستكمل إطار الديكتاتورية الدينية حدوده. أما السؤال الذي يحفز العقل على الشك والنقد والبحث فهو مرفوض من حيث المبدأ بسبب إنطواء السؤال على مجالات لا يمكن للدين أن يوافق عليها ويدخل في خانة الكفر والضلال.
على العكس في الدولة العلمانية حرية الرأي والاعتقاد تعد الحجر الأساس حيث يكون القانون الإنساني هو الضامن للحياد والديمقراطية والحريات فلا يوجد حرية رأي مقيدة أو تابوهات دينية مقدسة أو رموز سياسية فوق النقد والمسائلة.
ولا تتوقف العلمانية عند مبدأها الأول فصل الدين عن الدولة بل هي تفعيل مستمر لعقلنة الذهن الديني وتقديم رؤية عقلية تاريخية إنسانية للعالم. فالعلمانية موقف نقدي موجه إلى العقل البشري لمنع تغول المسلمات اللاهوتية والاستذهان الديني المبني على الأسطورة ومنهجها الخرافي. وهذا هو السبيل الوحيد للتحرر والحربة
لأن الحرية في الدولة العلمانية حق طبيعي وليس قانوني فقط فكل ما يجب أن يمارسه القانون في الدولة هو تنظيم ممارسة الحريات العامة والخاصة بشكل لا يجعلها تضر أو تتعدى على حريات الآخرين.
الفرد في الدولة الدينية يستمد ثقافته من الوعي الجمعي السائد خوفاً من التفكير خارج الصندوق ولهذا فهو يعيد انتاج نفس ثقافته الرثة في كل مرة بشكل دائري كما يدور حمار المطحنة.
وبهذا تجرد الثقافة من مضامين الوطنية والمواطنة بعد أن تم حصرها في مجرد التغاير الطائفي ثم التناحر والتقاتل. ولأن المجتمع- كواقع حركي لا كفكرة مجردة- يحتاج إلى أفراد وأفراد من نوع خاص كما تقتضي الأيديولوجيا الطائفية فقد تم شطب هذا الفرد المواطن بواسطة أنظمة لا تعيش إلا على الاستبداد الطائفي.
فلم ينظر للثقافة باعتبارها "إسمنت التلاحم الاجتماعي" (بتعبير غرامشي) حتى لا يتم الطمع في اعتبارها مصدر تغيير وتبدل في أنساق التفكير والإدراك.
وكانت الحصيلة الثقيلة بعد محو الفرد المواطن وبعد تجريف "المجال" الذي من خلاله تظهر السياسة كضرورة لإشاعة ثقافة التعايش إشاعوا "ثقافة الخوف" والخوف كالعنف يوجع الإنسان ويشوه عقله ويتسبب له في اختلالات نفسية لا تنمحي.
لقد تم الحط من قيمة الثقافة الوطنية وهذا يؤكد أن هناك خوف مؤكد منها ومن شيوعها لذلك لا مجال للهوية الثقافية والتعددية الثقافية وثقافة المشاركة والحقوق الثقافية للأقليات. وإذا ما حصل من اهتمام بالتعددية ففي الغالب في إطار من تلازم الثقافة الطائفية والأيديولوجيا. ويتحدد هذا التلازم من خلال طرائق الإيحاء بالتمويه أو التحريف أو الإخفاء ومن خلال فكرة تضارب المجتمع بدلا من توافقه وتكون الدولة الطائفية هنا هي المنتج الوحيد للإيديولوجيا. ومن ثم استبداديتها واختراقها للمجتمع بدافع تثبيت الوضع من منظور غلبة التقليد على التجديد والخضوع بدل الحرية. والرسالة هنا واضحة وصريحة في ظل هذه الغطرسة وهي: أن لا يخطئ أحد في تقدير الأمور أي يقف بالضد من هيمنة الأيديولوجيا الطائفية. فهي السند الثقافي للتسلطية. فلا مكان لـ"أهل الثقافة" ولا مكان للنخبة ولو الساكتة. المكان هو حصرا للمثقف الطائفي التابع الذي يقوم بدور "الترجمان" ودور "المبلغ بالنتائج وهو المثقف نفسه الذي يتصرف إذا اقتضت الضرورة كعضو في الميليشيا المسلحة تكريسا للإستبداد خلال الأزمات.
الخلاصة:
لسان حال المستبدين يقول: يجب أن نبقيك خائفا لكي نبقي عقلك مشلولا عاجزا عن التفكير عاجزا عن النقد وبالتالي عاجزا عن التحرر.
***
سليم جواد الفهد