آراء
جمال محمد تقي: الحروب بين الصدفة والضرورة! (2)

في القص الديني وسرديته الشائعة، الصراع ديدن، والحروب سجية ووسيلة لبقاء الاصلح والاقوى والاذكى والاكثر ايمانا بالله، القادر على نصر من يشاء وخسف الارض بمن يشاء انه هو وليس غيره من يحمل الاسماء الحسنى، فهو الجبار والمتكبر والسلام والقهار، هو الوحدة بين الشيء وضده، الله ثقب اسود وابيض في آن واحد لكل آلهة البشر منذ وحشيتهم الى بربريتهم الى مدنيتهم، يكون او لا يكون؟ الله فعل، كن فيكون!
هنا نخص الديانات التوحيدية المتناسلة تحديدا، والتي غرفت بعناية من بحر الماثيولوجيا الرافدينية جواهرها، كأساطير الخليقة والطوفان، ونواميس الموت والحياة، واختراعات، البشر انصاف الالهة، وإسرائهم للسماء السابعة للقاء مجمع الالهة، وحبكة صراعات الالهة الخيرة والشريرة، في العوالم العلوية والسفلية، وتوالدها التطوري الذي اقام نظام الكون المادي والروحي، ففي البدء كان البحر بموجه العاتي ممثلا بالإلهة نامو التي انجبت الإله آن إله السماء وكي إلهة الارض وبزواجهما انجب إنليل إله الهواء الذي فصل الارض عن السماء وهكذا ولدت نانا إلهة القمر واوتو إله الشمس، تعدد الالهة لا ينفي مرجعيتها، سيرورتها الاولى الى حيث إلوهية البداية الواحدة، والاولوية كانت للماء، وجعلنا من الماء كل شيء حيا، الملائكة مخلوقات من ذات المجمع الربوبي، انها متخصصة بوظائف محددة كملاك الموت عزرائيل الذي يقبض الارواح ثم يسلمها الى الإله كور رب العالم الاسفل، وجبرائيل ملاك الرحمة والتواصل والملائكة الوصيفة كميكائيل وروفائيل الذين يسبحون باسم الرب ويتمثلون لارادته وخدمته بمطاردة الشياطين، ملائكة تتنكر بحسب الحاجة وبقوى خارقة من نفحات الرب، تطير باجنحة خارقة وقوية كما قوة الثور المجنح!
دخلت الالهة بحروب عديدة كانت سببا للاستمرار والبقاء والتطور، ومن دم ولحم الالهة الميتة تصنع الالهة المنتصرة حياة جديدة الانسان احد مخلوقاتها، من ضلع آدم صنع الرب مخلوقة حواء، التي انجبت بنكاحها مع آدم ايام جنة عدن قابيل مع تؤمته الانثى اقليما، ثم انجبت هابيل وتؤمته لبودا، وكيف قتل قابيل هابيل، تنافسا وعصيانا لوصايا الرب، والانبياء فلاسفة وثوار ومصلحين وبعضهم ملوك ومخترعين بطاقات روحية تستلهم من الرب شرعية وحصانة وراية ايديولوجية مقدسة لتحقيق تغييرات ثورية شاملة لواقع تاريخي ملموس، مأزوم ويحتضر، وتحديدا للانبياء المتطلعين لدين له دولة وعليه كانت الحروب احدى اهم الركائز الشرعية للحروب المقدسة والعادلة بحسب شريعة الرب !
الاديان التوحيدية تعاطت فعليا مع ظاهرة الحروب كونها حاجة لكبح جماح الشر والدفاع عن النفس إزاء المعتدين والكفار والامثلة كثيرة، ربما تميز عنها المسيح بنبرته الداعية لاعطاء ما لقيصر لقيصر وما لله لله، فدعوته ومعجزته كانت تجاوزا للغيتو التوراتي الذي اعتبر العبرانيين هم ابناء الله وشعبه المختار دون الاغيار، فكانت نظرته اكثر اتساقا مع روح التحرر من مفاسد المال والنفاق الديني والسياسي السائد، والقوة الاخلاقية لدعوته كانت مؤثرة بملحمية مثله الشخصي الذي كلما تعتق كلما تجرد من حسيته حتى صار ايقونة لفكرة الخلاص، بسبب اخلاصه حتى الصلب، وبطولته في تحمل الالم عن خطايا البشر !
الحروب الدينية بعد اختتام عهود النبوة المقدسة، اصبحت شائعة بدمويتها وفجورها واستهتارها في كل الارجاء، وخاصة في القارة الاوروبية، وتحديدا حروب الكاثوليك والبروتستانت، درجة لا يتصورها اي إله او نبي، بما فيهم يسوع نفسه !
من حروب الردة الى حروب ملوك دول الطوائف الاسلامية، الى الحروب الصليبية، حروب متوالدة لا علاقة لها بالدين كإيمان، وانما تستخدم الدين كغطاء وآصرة لما له من طاقة روحية غائرة في العقل الباطن للبشرية منذ طفولتها الاولى، لتلبية نداءات التغيير المسكونة باستدامة مصادر العيش والاستحواذ !
يقول ابن خلدون: ان الحروب والمقاتلة لم تزل واقعة في الخليقة منذ برأها الله.
يتبع الجزء الثالث
***
جمال محمد تقي