آراء

فارس قائد الحداد: لماذا يطالبون بعلمانية الدولة اليمنية؟

من الممكن الحديث عن ضرورة العلمانية اليوم وقبل الغد للدوله اليمنية كمشروع نهضوي وحضاري وديمقراطي وخاصة بعد سقوط وفشل الاسلام السياسي بكل مذاهبه وجماعاته التي كان لها نصيب في قيادة مؤسسات الدولة في الفترة الماضية او في الوقت الراهن هي من تولت قيادة البلاد في الداخل والخارج وساهمت في تدمير الدوله والوطن والشعب وعندما نتكلم عن العلمانية بانها ليست كما صورها اعداءها وخصومها من القوى المتطرفة في الاديان سوء كان على المستوى اليمني او العربي او الدولي بتلك الصوره المشوه ولو نظرنا الى العلمانية في مفهوم فصل الدولة عن الدين وغيره. فركائزها الأساسية تقوم على الاحترام والضمانات والمتطلبات والعيش المشترك. وتشكل كل هذه الأمور مجموعة حقوق وواجبات للدولة والأديان والأفراد. ومن مبادئها:

احترام تنوع الجماعات والمذاهب الدينية

ان الدولة العلمانية تتطالب باستقلالية السلطة السياسة استقلالية تامة وفصل الدولة عن الدين الذي لا سلطة له على الدولة والقرار السياسي اي بمعني لا يتدخل الكيانات الدينية وقادتها في سياسات الدولة وقرارتها كما لهذه الأخير سلطة عليها ايضا ولهذا فالعلمانية تطالب بفصل الدين عن الدولة بهدف الحفاظ على مكانة الدين من الإساءة اليه ومنع الكيانات والجماعات الاسلاموية من استغلال الدين استغلال رخيص في تحقيق اهدافها واجندتها المشبوه مثلما يحدث اليوم في بلادنا حيث استغلت كل الجماعات الاسلاموية بكل مذاهبها الدين وسخرت الدين تسخير قذر في الوصول إلى اهدافها المتقزمة ومشاريعها الصغيرة التي افضت الى تدمير البلد والدولة واغراقه في مستنقع الحروب والصراعات الدموية وبمعنى أن العلمانية تؤمن بحرية تنوع المذاهب والجماعات الدينية فكل مذهب له فكره ومعتقده بحيث لا يتدخل اي مذهب بشؤون المذهب الاخر ولا الأديان والمعتقدات الاخرى ولا يتدخل في الدوله بحيث تضمن الدولة حماية كل الخيارات الدينية ايا كانت ولا تسمح في سيطرة مذهب معين في ادارة الدولة لانه سيمارس الارهاب بكافة اشكاله على حساب المذاهب والاديان الأخرى والإقصاء والعنصربة والتعصب لصالح مذهبه وهنا يبدأ مسلسل الصراع الديني والمسلح على حساب الشعب مثلما هو حاصل في الجمهورية اليمنية اليوم.

كما تؤمن العلمانية بان كل تدخل سياسي في ما يختص بالتوجهات الدينية أمر مشروع بمعني تتدخل الدولة السياسية في اطار التوجهات الدينية في حالات مشروعه كثيرة. وبما إن العلمانية لا تنطوي على حياد الدولة عن كل المذاهب والاديان بل انها سلطة الضبط العليا باعتبارها دوله للجميع وفوق الجميع: فعليها ألا تمنح أية أفضلية لخيار ديني دون غيره. واستناداً إلى مبدأ المساواة لا تمنح الدولة العلمانية أي امتياز عام إلى أي من العبادات والأديان والمذاهب كما أن علاقات الدولة التي تقيمها مع كل التوجهات الدينية قائمة على انها الدولة وسلطة الضبط العليا على كل المذاهب والاديان بحيث لا تسمح ان يستبد مذهب بالمذهب الأخرى والاديان الأخرى او يشكل خطراً عليه استنادا لمبدأ الفصل القانوني.

كما أنه يجب على كل الجماعات الدينية الامتناع عن فرض أي هيمنة دينية على الدولة ومؤسساتها او على الفرد والمجتمع والمذاهب والاديان الأخرى وأن ينأى عن أي بعد سياسي. فالعلمانية لا تقبل باي توجه ديني قد يرغب من خلاله التحكم في مسار النظام الاجتماعي أو السياسي، للدولة باسم الافكار التي يحملها هذا المذهب او الدين وتحترم العلمانية مبدا حرية التعبير الديني في المجال العام، وهي حرية مشروعة وجوهرية للحوار الديمقراطي، وبين الهيمنة على المجال العام، الذي يعد أمر غير شرعي. ومن حق ممثلي هذه الخيارات الدينية المختلفة أن يشاركوا بصفتهم هذه في الحوار العام، على غرار أي من مكونات المجتمع.

ويستفـيد من هذا كل من الكيانات الدينية والدولة على حد سواء: فالأولى تركز على مهمتها الدينية وتجد فيها فضاء حرية التعبير المسموح له بحدود. والثانية، ان الدولة وموظفيها لها مسارها السياسي ولا تنتمي إلى كيان ديني ومتجردة من اي ولاءات دينية وغير مقيدة بأي رابط مذهبي، لانها تعد ملكاً لجميع المواطنين.

ضمان حرية المعتقد

تضمن الدولة العلمانية حرية المعتقد بين ابناء الشعب. وتضمن الممارسة الحرة للشعائر الدينية لكل التوجهات الدينية وتتولى الدولة مسؤولية حمايتها ويحق للدوله عند وجود مؤشر الخطر مصادرة واغلاق اي توجه ديني او مذهبي عندما يخرج عن اطار القانون او يخل بامن النظام العام او يشرعن لافكار تهدد مصالح الناس والشعب والدولة العليا مع مراعاة القيود، المنصوص عليها فيما، وذلك لصالح النظام العام". ولا يمكن للدولة أن تحجب "بستار من الجهل" الواقع الديني. وفي العلاقات مع العبادات، فإن الدولة تسهر على تمكينها جميعا من التعبير عن نفسها وفق حدود معينه بحيث لا تتجاوزها. كما تسمح كذلك للكيانات الدينية الأكثر ضعفا أو الأقل عددا أو الأحدث عهدا بالتمتّع بهذه الحرية وذلك مع مراعاة مقتضيات النظام العام. تضمن العلمانية لجميع الخيارات الدينية الإطار الشرعي الملائم لهذا التعبير بحدود معينه لا تتجاوز الخطوط الحمراء.

وعلاوة على حرية العبادة والتعبير، فإن الدولة العلمانية، بصفتها ضامنة لحرية المعتقد، تحمي الفرد ايضا وتسمح بحرية الخيار للجميع، بأن يكون لهم توجه ديني او مذهبي معين، وبأن يغيّروا من هذا الاتجاه أو أن يعدلوا عنه. إن الدولة العلمانية تحرص على أن لا تسمح لأي جماعة دينية أو أي طائفة فرض انتماءها أو معتقداتها وأفكارها على شخص ما بالإكراه او القوه باعتبار ذلك جريمه بحقوق الانسان امتثالا لقوله تعالى " لا اكراه في الدين "، وبشكل خاص بسبب أصول هذا الأخير. إنها تحمي كل مواطن ومواطنة ضد أي ضغوط جسدية أو معنوية تمارس بذريعة الخضوع لأوامر الجماعة الدينية هذه او تلك وإن الدفاع عن حرية المعتقد الفردي والجماعي حق اساسي ومشروع ضد أي نوع من الشرعنه المتطرفة يأتي اليوم مكملاً لمفهومين مركزيين في، ألا وهما فصل الدين عن الدولة.

وينطبق هذا الأمر بدايةً على المدرسة، حيث ينبغي تمكين التلاميذ من اكتساب العلم وبناء الذات في جو من الطمأنينة من أجل أن يتملّكوا استقلالية الرأي. ويتعين على الدولة أن تمنع اي توجه ديني ان يمارس العنف والترهيب للفرد والمجتمع لبث افكاره ومعتقداته بالقوة حماية من التأثير على عقولهم بحيث تضمن التعليم لجميع ابناء الشعب وبما يخدم حماية الأجيال من الانحرافات الدينية والفكرية والمذهبية الخاطئة التي سينعكس آثارها سلبا على امن واستقرار وسلامة الشعب اضافة الى ظرورة حماية المناهج الدراسية وابعادها عن كل التوجهات الفكرية الدينية والجهوية والمذهبية والطائفية المقيته بحيث تكون مناهج تعليمية تضعها الدولة وفق اسس علمية ووطنية بحته بما يتواكب مع تطورات العلم وتتعدد مشاربه ولا تتدخل التوجهات الدينية او المذهبية في تأليفها او اعدادها تحت اي مبرر حماية لها من اي تدليس مذهبي او ديني وحفاضاً على مستقبل الدولة والوطن والاجيال بما يبني لا يهدم ويخدم مصالح الدولة والشعب العليا، ولا ينبغي أن تصبح المدرسة صدى لأهواء وافكار جماعة اسلامويه دينية محددة وإلا تعرضت للفشل والإفلاس في مهمتها التربوية.

لا يمكن للدولة العلمانية أن تبقى غير مكترثة أمام زعزعة النظام العام وممارسة الضغوط والتهديدات والممارسات العنصرية أو الداعية إلى التفرقة تحت ذرائع دينية أو طائفية من شأنها نسف الأسس التي تقوم عليها المدرسة.

والعلمانية في التصوّر الفرنسي ليست مجرد "حارس حدود" يقتصر عمله على فرض احترام الفصل ما بين الدولة والدين وما بين السياسة والمتطرف الديني. وانما تسمح الدولة بتوطيد القيم المشتركة التي ترتكز عليها الروابط الاجتماعية في بلدنا. ومن بين هذه القيم، المساواة بين الرجل والمرأة والتي على الرغم من كونها من الإنجازات الحديثة قد احتلت حيزا هاما في تشريعات وقانون ودستور الجمهورية اليمنية. إنها عنصر من عناصر التشريع الجمهوري اليمني. ولا يمكن للدولة أن تبقى مكتوفة الأيدي إزاء أية إساءة لهذا المبدأ. وبقيامها بهذه المهمة، فإن العلمانية لا تحل محل المقتضيات الدينية الأخرى. إنها مجرد تأكيد على أن الدولة تدافع عن القيم المشتركة للمجتمع بكل مكوناته الذي انبثقت منه باعتبارها سلطة الضبط العليا فوق الجميع. وإذ تنطلق العلمانية من رؤية وطيدة للمواطنة المتساوية التي، تتجاوز الانتماءات الطائفية أو المذهبية أو العرقية، فإنها تولد للدولة التزامات تجاه المواطنين

ضمان الحرية والتعبير

تضمن الدولة العلمانية لكل افراد الشعب حرية الرأي والتعبير باعتبارهما جزء اصيل من حريتهم التي ولدوا مكرمين بها ولا تسمح العلمانية اي مساس بتلك الحقوق والحريات الأساسية للانسان تحت اي مبرر كان.

للحديث بقيه.

***

د. فارس قائد الحداد - صحافي وحقوقي يمني

في المثقف اليوم