آراء

هاني جرجس: دور الوعي والمشاركة المجتمعية في تعزيز إعادة تأهيل المفرج عنهم

يُعد المجتمع أحد العوامل الأساسية في نجاح عملية إعادة تأهيل المفرج عنهم، حيث يتطلب الأمر تضافر جهود الجميع لدعم هذه الفئة وضمان اندماجها الفعّال في المجتمع بعد قضاء فترة العقوبة. فالمجتمع الذي يمتلك وعيًا كافيًا ويدرك أهمية إعادة تأهيل هؤلاء الأفراد يكون أكثر استعدادًا لتقديم الدعم والمساندة، مما يساهم في خلق بيئة أكثر تقبلًا وأقل تمييزًا.

أحد الجوانب المهمة في هذا السياق هو تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية تقبل المفرج عنهم. في العديد من الحالات، يواجه هؤلاء الأشخاص تحديات كبيرة تتعلق بالوصمة الاجتماعية التي تلاحقهم بعد الخروج من السجن، مما قد يعرقل جهودهم في إعادة بناء حياتهم. لذلك، يُعد نشر الوعي حول قضايا المفرج عنهم ضروريًا لتحفيز المجتمع على تجاوز الصور النمطية والمساهمة في تقبلهم بشكل إيجابي وداعم.

يمكن للوعي المجتمعي أن ينعكس في ممارسات ملموسة، مثل تأييد حقوق المفرج عنهم في الحصول على فرص عمل ودعمهم في تأمين مسكن مناسب. كما ينبغي على المجتمع أن يدرك أن هؤلاء الأفراد بحاجة إلى فرص حقيقية لإعادة بناء حياتهم بعيدًا عن السلوكيات الإجرامية، مما يعزز فرصهم في التصحيح والاندماج الاجتماعي.

تشجيع المجتمع على المشاركة في جهود إعادة الإدماج يُعد من الركائز الأساسية لضمان نجاح عملية التأهيل. في الواقع، لا يقتصر دور المجتمع على تقبل المفرج عنهم، بل يمتد إلى المشاركة الفعّالة في مساعدتهم على تجاوز التحديات التي قد يواجهونها. ويمكن للمجتمع أن يقدم الدعم من خلال البرامج الاجتماعية والنفسية التي تهدف إلى تحسين مهارات المفرج عنهم الحياتية والاجتماعية، مما يسهم في تعزيز فرصهم للاندماج الإيجابي المستدام.

تلعب مؤسسات المجتمع المدني دورًا كبيرًا في هذا السياق. من خلال برامج دعم موجهة، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية، يمكن للمنظمات غير الحكومية أن توفر الموارد اللازمة للمفرج عنهم، مثل التدريب المهني، المساعدة في البحث عن عمل، ودعم التعليم. تسهم هذه المبادرات في مساعدة المفرج عنهم على اكتساب مهارات جديدة تعزز إدماجهم الاقتصادي والاجتماعي. 

يُعد الدعم النفسي والاجتماعي أحد المجالات الهامة التي يحتاج فيها المفرج عنهم إلى مساندة المجتمع. فالمفرج عنهم غالبًا ما يكونون أكثر عرضة للمعاناة من القلق والاكتئاب نتيجة فترة السجن الطويلة والعزلة الاجتماعية التي مروا بها. ويمكن للمجتمع تقديم دعم معنوي من خلال حملات توعية وأحداث تفاعلية تهدف إلى تخفيف العبء النفسي عنهم، مما يعزز شعورهم بالانتماء للمجتمع ويقلل من إحساسهم بالاستبعاد.

يمكن أن تشمل المشاركة المجتمعية أيضًا مبادرات تطوعية، حيث يساهم الأفراد المتطوعون في تقديم إرشادات مهنية أو اجتماعية للمفرج عنهم. فكلما كان المجتمع أكثر استعدادًا للمشاركة في جهود إعادة الإدماج، زادت فرص المفرج عنهم في التكيف والاندماج بشكل أفضل.

لا ينبغي أن تتحمل المؤسسات الحكومية وحدها مسؤولية هذه الجهود، بل يجب أن تعمل بالتعاون مع المبادرات المجتمعية. فعلى سبيل المثال، يمكن للحكومات توفير برامج تدريبية بالتنسيق مع المنظمات المجتمعية لدعم المفرج عنهم ومساعدتهم على اكتساب مهارات عملية تسهل اندماجهم في سوق العمل وتأمين وظائف مستقرة.

يُعتبر التعاون بين القطاعات المختلفة من أهم عوامل نجاح هذه المبادرات. يجب على الحكومة، المجتمع المدني، والمؤسسات التعليمية والتدريبية أن تتكاتف لتوفير بيئة شاملة للمفرج عنهم. يضمن هذا التعاون توفير الدعم على المدى الطويل ويشجع المفرج عنهم على الاستمرار في الجهود المبذولة لإعادة التأهيل.

توسيع نطاق الفرص لهؤلاء الأفراد يتطلب أيضًا دعمًا من الشركات الخاصة. يمكن للقطاع الخاص المساهمة من خلال توظيف المفرج عنهم، مما يوفر لهم مصدر دخل ثابت ويسهم في تقليل احتمالية عودتهم إلى الجريمة. كما أن الشراكات بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني قد توفر حلاً مستدامًا للعديد من المفرج عنهم.

تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن دور المجتمع في دعم الرعاية اللاحقة لا يقتصر على تقبل المفرج عنهم فحسب، بل يمتد إلى المشاركة الفعّالة في توفير الفرص لهم لبناء حياة جديدة. من خلال تعزيز الوعي والمشاركة المجتمعية، يمكن للمجتمع أن يسهم بشكل كبير في تقليل معدلات العودة إلى الجريمة وخلق بيئة أكثر استقرارًا للمفرج عنهم، مما يعزز تكاملهم الاجتماعي والنفسي بشكل مستدام.

من الضروري إذن أن يعمل المجتمع على توفير بيئة داعمة تشمل التأهيل المهني والتعليمي، بالإضافة إلى الدعم النفسي المستمر للمفرج عنهم. ولا شك أن الشراكات بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني تساهم في توفير حلول مستدامة تضمن استقرار المفرج عنهم ونجاحهم في إعادة بناء حياتهم بعيدًا عن السلوكيات الإجرامية.

***

د. هاني جرجس

في المثقف اليوم