آراء

أنور ساطع أصفري: مستقبل الطاقة عربياً والمصادر البديلة

حينما نتحدث عن آبارٍ باطنية أيّاً كانت، فإن هذه الآبار لها عمر معيّن ومن ثُمّ تخفت وتتلاشى، وقد يتم اكتشاف آبارٍ جديدة، ولكنها بالتالي سوف تتلاشى مثل غيرها. وخاصّة أن معظم آبار النفط في العالم العربي مكتشفة ويعمل بها منذ عام 1936 من القرن الماضي، وتتلاشى في نهاية هذا القرن كما هو متوقّع، لذلك معظم دول العالم أصبحت تبحث عن الطاقة البديلة التي لا بُدّ منها، والتي هي على الأغلب نتاج الطبيعة من خلال الخيار الأمثل لاستخدامها من مصادرها المتوفرة، والتي تحقق المكاسب الكافية، وبالتالي تتلاشى أو تتناقص الأضرار الناتجة من استخدام الطاقة ذاتها، مثل الاستخدام المستمر للوقود الأحفوري الملوّث كالفحم والنفط والغاز الطبيعي والتي تتسبب في الاحتباس الحراري ورفع مستوى الوفيات للمصابين بأمراض تلوّث الهواء كلّ عام.

في ألمانيا وأمريكا وكندا وأينما اتجهت تجد الألواح الشمسية الضخمة بمساحاتٍ واسعة، وتوربينات الرياح التي يمكن أن تغذي مباشرة الشبكة. كما يشمل سيناريو توليد الطاقة المتجددة نسبة مقدارها 100% من خلال توربينات الرياح البرية والبحرية، و الكهروضوئية الشمسية على أسطح المنازل، وفي محطات توليد الطاقة، والطاقة الشمسية المركّزة.

كما أن الطاقة النووية هي أهم أنواع الطاقة البديلة، والتي تُعتبر الأمل الكبير لإنتاج وتوليد التيار الكهربائي، حيث أصبحت إقامة مفاعلات نووية سلّمية لإنتاج الطاقة من الأشياء البديهية التي تسعى معظم الدول لأجلها.

ووفق المصادر الاحصائية، فإن معظم دول العالم بحلول عام 2030 ستكون قد استخدمت أو استهلكت 80% من الطاقة عن طريق الطاقة البديلة، وأمّا بحلول عام 2050 فإن النسبة ستصل إلى 100%، وذلك لتفادي الآثار الخطيرة لتغيّر المناخ.

وألمانيا حالياً اعتمادها على الطاقة البديلة يصل إلى حوالي 40% من الاستهلاك العام، وهذا رقم متطوّر نسبيّاً.

والطاقة البديلة نأخذ بعين الاعتبار أنها لا تلوّث البيئة، وتحافظ على الصحة العامّة للكائنات الحيّة، إن كان إنسان أو حيوان أو نبات، نضف إلى ذلك أنها اقتصادية واستمرار توفّرها مضمونٌ ومأمون، ومن ناحية أخرى فإنها تستخدم تقنيات ليست معقّدة.

فلو أخذنا البلاد العربية بشكلٍ عام فإنها تتمتّع بأشعةٍ الشمس بشكلٍ دائمٍ، وأحياناً على مدار العام، وهذا لا يتوفّر في البلاد الأخرى، وبشكلٍ عام فهناك مناطق جغرافية عديدة في العالم العربي تنقصها الطاقة، في الوقت الذي يتمتّع فيه الوطن العربي بكمٍ لا متناهٍ ووافر من خيرات الطبيعة، ومصادر الطاقة المتجددة والبديلة، الاستثمار الجاد نحو الطاقة البديلة لم يأخذ دوره وافياً لأسبابٍ عديدةٍ منها غياب الدور الإيجابي للحكومات العربية، وعدم جدّية صُنّاع القرار بالأخذ بهكذا منحى، وبنفس الوقت هناك بعض الدول التي ما زالت منشغلة في أزماتها وحروبها، لكن القطاع الخاص بدأ ينشط بشكلٍ مقبول في مصر وأيضاً القطاع الخاص في سورية نشط مؤخراً وبدأ بشكلٍ متسارع يعمل في مجال الطاقة الشمسية البديلة.

هنا نستطيع أن نقول أن مفهوم الحضارة تكمن في قدرة الإنسان على الاستفادة من المحيط الذي يُقيم فيه وتسخير الإمكانيات لصالحه ولصالح البيئة ولصالح الإنسان.

فبعد حوالي ثمانون عاماً من استخدام النفط في المنطقة العربية لاحظ الجميع الآثار السلبية، حيث تلاشت العديد من الصناعات على حساب قطاع النفط، وهذا ممّا جعل هذه المجتمعات مجتمعات مستهلكة، إضافةً إلى الأزمة المعروفة بالاحتباس الحراري، وتغيّر في أنماط الطقس والمناخ بشكلٍ متصاعد حول العالم كله وليس منطقتنا وحسب، وظهور الكوارث الطبيعية من أعاصير وفيضانات، إضافةً إلى الجفاف ونقص المياه، وهذا ما شاهدناه هذا العام في العديد بل الكثير من دول العالم ومنطقتنا.

الوطن العربي ينقسم إلى دولٍ منتجة للنفط، وأخرى مستوردة للنفط، وكلا القسمين يشهد نموّاً متصاعداً للسكان المترافق مع إستهلاك متصاعد أيضاً للطاقة التقليدية الغير نظيفة، وهذا كلّه شكّل تلوّثاً بيئياً للماء والهواء والتربة أيضاً.

فالسعودية تأتي في المرتبة 20 من بين أكبر 30 دولة مطلقة لغاز ثاني أُكسيد الكربون تليها مصر ودولة الإمارات.

البلاد العربية تتمتّع بشدةِ الإشعاع الشمسي، وأصبح من السهل جداً توليد الكهرباء من خلال الألواح الشمسية وبشكلٍ مباشر، وأصبح تخزين هذه الطاقة مُتاحاً بفضلِ التقنيات الحديثة، ومن خلالها يتم صنع شبكةٍ هجينة من طاقة شمسية ورياح، ويتم ربطها بالشبكات الوطنية، ألمانيا نجحت في سدّ ما يُقارب نصف حاجتها من الطاقة بفضلِ هذا النظام الهجين، الذي يجمع الطاقة الشمسية والرياح.

البعض يتساءل، لماذا هناك عرقلة للانطلاق نحو الطاقة البديلة في بلادنا العربية ؟،

أعتقد أن المشكلة تكمن في أن الاستثمار في الطاقة الشمسية يحتاج إلى رأسمال كبير للإنطلاق نحو هذا المشروع، كما أن تخزين الطاقة الشمسية مُكلفٌ أيضاً، فتكلفةِ كيلو وات بهذه الطريقة يُكلّف حوالي نصف دولار، بينما تكلفة الكيلو واط بالطريقة التقليدية يُكلّف حوالي ربع دولار، ويستطيعون أن يُغطّوا هذا الفرق البسيط من المال المنهوب من المال العام عن طريق الفساد المتفشي، وأيضاً ولأن الكهرباء شبه رخيصة في عالمنا العربي لذلك غاب الإبداع في الولوج إلى منظومة الطاقة الشمسية، ويكتفي الوطن العربي والذي يُعتبر أكثر البلدان استهلاكاً للطاقة التقليدية الملوّثة للبيئة في توليد الكهرباء.

لذلك لا بدّ من رؤيةٍ وطنية واضحة تخدم الانسان والانسانية جمعاء والبيئة، والبدء في وضعِ خططٍ استراتيجية لتحقيق الاستفادة من الطاقة المتجددة، والطاقة الشمسية المستدامة.

علماً أن الولوج في هذا المجال يوفّر عدة ملايين من فرص العمل، ويحدّ بالتالي من نسبة البطالة المنتشرة في البلاد.

وأيّاً كانت الأمور فإن العمل بالطاقة الشمسية البديلة لا بدّ منه، ولا بديل عنه، وعلى الوطن العربي أن لا تفوته فرصة خلق تكنولوجيات عربية لاستغلال الطاقة الشمسية وهي لا تزال في بدايات تطورها مثل صناعة الخلايا الفوتوضوئية والمجمّعات الشمسية، وخاصة أن الوطن العربي يتمتع بوفرة مساحات الأراضي الصحراوية والتي تنعم بسطوعِ الشمس على مدارِ العام، و بالامكان استغلالها عن طريق إنشاء مزارع لإنتاج الطاقة الكهربائية، مع إمكانية تصديرها للدول الأخرى مستقبلاً أيضاً.

يجب أن يستغلّ الوطن العربي أرضهِ وشمسهِ ورياحهِ ويستثمر فيهم لِما فيهِ خدمةِ الإنسان والنبات والحيوان والبيئةِ بشكلٍ عام.

***

بقلم الكاتب الإعلامي: د. أنور ساطع أصفري

في المثقف اليوم