آراء

عبد الجبار العبيدي: بين عرب قبل الإسلام.. وعرب إسلام الوحدة

هل يستحقون العرب قبل الإسلام أصحاب قوانين مجلس الملأ والشعر والأدب والمعلقات والمعاهدات التجارية تسميتهم بعرب الجاهلية كما علمنا المنهج الدراسي الفاشل اليوم.. أم كانت التسمية كيدية.. والا لماذا نقرأ الآدب الجاهلي والمعلقات السبعة بإلزامية.. نعم لأنها كانت كيدية. وهل فهم عرب الإسلام النصوص الدينية الإسلامية عن معرفة لغوية مستدركة ومستكملة لتجريداتها الحسية.. أم كانت بالنسبة لهم لُغز مُحير ملفوف بالغموض فسره الفقهاء تفسيرا سطحيا كيفما شاؤوا كما هو شأن المفسرين الإسلاميين في القرون الاولى، حينما كانوا غير مدركين لواقع التغيير التاريخي في أمة العرب والأديان ؟.

نتيجة هذا التصور المبهم اصبح العربي كالاعمى الذي يقود بصيراً فضل الطريق ودخل الإسلام دون تأني ومعرفة بالنص المقدس بعد ان كانت الاغلبية على الديانة المسيحية تتبع ورقة بن نوفل خال خديجة بنت خويلد زوجة الرسول محمد، ام كان واعيا له.. ولماذا ورقة بن نوفل مستشار النبي محمد لم يصبح مسلماً؟

فهل السيف اجبر العربي على الدخول في الإسلام ام ان دخوله كان توافقياً؟.. وهل كان العربي قبل مجيء الإسلام من اصحاب دين ثابت حقيقته لن تتغير وهي عبادة الاصنام والتماثيل الممزوجة بمناسك الحج ورمي الشيطان بالحجر، حتى ان هذه العبادة ظلت راسخة في أذهانهم بعد إسلامهم، كما في رمي الحجر على ابليس (الشيطان) في مناسك الحج اليوم.. وهي مناسك غير إسلامية وليس لدينا فيها نصوص.. وهي بالنسبة لهم حقيقة مطلقة وكأنها وثيقة منقوشة فوق حجر.. حتى اصبح الحج تقليدا إسلاميا عند المسلمين بعد مجيء الإسلام ولا ندري كيف اضاف له العباسيون (132 للهجرة) هذا التقليد الذي لم نعرفه قبلهم.

من هنا اصبحت السياسة عند العربي اعتقاد بلا مبادئ، ومعرفة علم بلا قيم، ومتعة شخصية بلا ضمير، وقيادة مكاسب بلا تضحية ، مجرد عقيدة وتقليد ولا غيرغلفوه بالمغفرة المصطنعة منهم. وهذا ما أثبته الواقع التطبيقي اليوم.. حين اصبحوا كالمنافق الحقيقي الذي لا يدرك خُداعة، لانه يكذب بصدق. ولا زالوا الى اليوم لم يتغيروا.. فنستطيع ان نقول ان الإسلام اليوم هو غير إسلام محمد الاصل بعد ان فقد العدل والاستقامة معاً.

كل هذا جعلهم منذ البداية يؤمنون بحياة غيبية دون برهان.. تلاعبت فيهم أفكار فقهاء التخريف، ولا زالت العقيدة راسخة في الاذهان دون تقدم لفقدانهم عقيدة المبدأ والتصديق. هنا الفرق بين المؤمن بالمبادى.. وبين الذي كان قد أتخذها عقيدة لهوولعب.. دون ايمان. لذا تجسدت فيها كل موبقات الزمان.. كما نراها اليوم في مشايخ الدين جهلاء الأيمان، المستمدين دينهم من البخاري وابو هريرة وغيرهم من الكذابين والمنافقين في الأديان..

فالخيانة والقتل والفساد والأعوجاج والكذب والخروج على العدالة والمنطق هي، هي منذ مجيئهم بعد الرسول والى اليوم حين كانوا ولا زالوا يستسيغون ضرب الحقوق والانسان معا شاعرين او قل معتقدين أنهم أحسن الناس ودينهم أحسن الاديان الشفيع لهم على مر الزمان.. ولم يعرفوا ان الشفاعة تتجسد في العدل والاستقامة لا في اراء فقهاء الزمان.. ، لذا فنظرتهم للانسان الاخر نظرة دونية لا تقبل حقوق الانسان - الفتوح الإسلامية وما جرى فيها من اعتداءات على انسانية الانسان مثالاً- هؤلاء لا يمكن للطبيعة الانسانية ان تقبلهم فيها لذا بقوا كما هم وسيبقون الى اخر الازمان اغبياء عقيدة وهمية لا علاقة لها بالخالق والانسان.. لا تستسيغهم الامم ولا تقبل منهم مشاركة في الحياة والاديان.. بعد ان رفضوا فلسفة حياة الانسان.

فلاسفة اليونان اعتقدوا ان الوجود عندهم موت يتلاشى، والموت وجود يزول، فالخير والشر والكون والفساد أمور تتلازم وتنسجم مع النظام العام تتغير مع الزمن. من هنا قال الفيلسوف ارسطو(322ق م) بالكون والفساد.. والفساد عند افاطون حركة تغيير وليس بما نفهمه اليوم ضمن حركة التاريخ الأصلاحية. هذا التوجه التاريخي لم يفهمه المسلمون منذ ان جاء دينهم الذي فسروه خطئاً الى اليوم.

لكن نظرة العرب قبل الإسلام الى تلك الحركة الدائمة كانت اقرب الى الواقع من اليونانيين والمسلمين معاً حين ادخلوا مفهوم التاريخ بحركة الكون وتعاقب الليل والنهاروتغير الأزمان وتطور حركة الايمان حين قال شاعرهم عدي بن زيد العبادي:

من رآنا فليوطن نفسه            أنه موفٍ على قرب زوال ِ

عصف الدهر بهم فأنقرضوا   وكذلك الدهر حالا بعد حالِ

اي كانوا يؤمنون بحركة صيرورة التاريخ.. والإسلام أيد هذه الفكرة يقول القرآن الكريم: "قل سيروا في الأرض فأنظروا كيف بدأ الخلق العنكبوت آية 20" اي كيف بدأ الإسلام وكيف تطور لكنه توقف حتى اصبح اليوم عقيدة بلا ضمان نتيجة سلطة الطغيان. لماذا.. ؟

هذه النظرة الفلسفية الواقعية، أماتها المسلمون اللا مؤمنون بالفلسفة التطورية.. بأعتبارها سبب الحياة والموت، لذا لم يقدموا لنا البرهان الفلسفي على التطورالأكيد فبقوا على ماهم عليه من جمود عقلية التفوق على الاخرين لاهين بالمرأة والجنس والتعالي على الاخرين والجنة والنار وحور العين -آوهام فقهاء التخريف -.. وعندما قامت الحركة الفلسفية الإسلامية قتلوا الفلاسفة والنابهين ومقتل ابن رشد والحلاج وغيرهم كثير.. نموذجا..

لقد عايش العرب قبل الإسلام نظرية الاحساس بالتاريخ وحركته لكن هذا الاحساس يقوم على حركته باتجاه واحد هما الحياة والموت والتغيرات الطبيعية نحو صيرورة التاريخ ولو استمر العرب بتنظيماتهم الاجتماعية والفكرية التطورية التي بدأوابها، لكنا اليوم مثل اليابان والصين.. بينما المصرين كانوا اوسع منهم خيالا حين اكملوا دورة الحياة بحياة اخرى بعد الموت وما فيها من نعيم او جحيم.. (مجرد تصور). لكن الجميع لم يصلوا الى ما وصل اليه اليونان من ربط الحياة بالموت كظواهر طبيعية، وتولد الاشياء بعضها بحركة التاريخ من بعض.. وانسانية الانسان في الحقوق والواجبات.. .

بينما الفيلسوف توكيد اليوناني قال لا جديد بحوادث التاريخ، والتاريخ ليس الا دائرة شريرة كلما اتم البشر الطواف فيها عاد من جديد.. لذافأن فلسفته ماتت دون تحقيق.

أما الفرس بفلسفتهم التاريخية الزرادشتية وخاصة في عهد اردشيربن بابك (ت242م) في وصيته المعروفة التي حذر فيها ملوك الفرس من الاغترار بالدنيا والجاه والسلطان، وأكد ان الزمان لا جديد فيه سوى الوجود والافول والزوال، فالحقوق هي التي تحفظ الأنسان. فهل يفهم الفرس اليوم ما قاله الاجداد. ام تبقى الانانية وكراهيتهم للأخرين وللعرب بشكل خاص هي الأساس، لذا فأن موتهم حضاريا سيتحقق كما نراهم اليوم في افول النسيان.. يخطأ العرب اليوم اذا اعتقدوا ان الفرس سيكونون يوماً لهم أعضاد.

ان الحياة فيها سر لم يكتشف بعد ان فهموه هو سر التغيير والزوال هما مصدر ظلم الانسان للانسان، لذا عليه ان لا يغتر فالدائرة شريرة لابد من تلقفها له وعودته الى ما كان. على الانسان ان يعي الزمان وغدر الزمان. فالباطل لا يدوم.. والحق المغتصب انتقامه للمظلوم من شيم الزمان لا يمر دون عقاب.. ففي الطبيعة اسرار لم يعرفها الانسان الى اليوم رغم تباهيه بالاديان، وهي الظلم والخيانة والفساد لا تقبل ولا تمر دون عقاب.. قال زرادشت الفارسي ان الحقد لا يزول من القلوب حتى لو مرَعليه الف زمان وزمان.. لذا من قال لك ان الفرس ينسون العرب وفتوحاتهم لاراضيهم وأسر ذراريهم وبيعهم في اسواق النخاسة الذي اعتبروه غدر الزمان، فلابد من اخذ الثأر منهم لا سيما وحتى اليوم لن ينسوا انتصار جيش      العراق عام 88 عليهم حين جرعهم السُم في قبول الانتصار.

على المسلمين ان يفهموا ان الإسلام ادخل على الفكر العربي عمقا بالغاً بازدياد العربي احساسا بالموت والحياة والحساب وما سيلقيه بعد الموت لكن ايمانهم مجرد تصور وليس عقيدة. فلو فهموه عقيدة ما تجرؤأ على الباطل في الأنسان، وهكذا بمرور الزمن تطورت دورة العمران حتى تحدث ابن خلدون عن دورة العمران الاربعة وكيفية العودة الى ماكان. فليس المهم ان نكون مسلمين نؤدي الشعائر والصوم والصلاة والدعاء وخطبة يوم الجمعة في المساجد من الآميين، والمذاهب المفرقة والتعصب وزيارات الاربعين الوهمية لها دون علم وايمان..

لكن المهم علينا ان نفهم القانون في الحقوق بين الانسان والأنسان ذكرا أو أنثىى او حتى الحيوان .. في وقت الى اليوم يعتقدون ان المرأة اذا مرت من امامهم تفسد صلاتهم ولا ندري اية صلاة وما فيها يقولون.. وهل ان المرأة جاءت من خارج دائرة الأنسان (انا خلقناكم من نقسٍ واحدة). اذن ما رأيكم لو مرت مريم ام المسيح وفاطمة الزهراء أم الحسين هل تفسدا صلاة المؤمنين.. نريد منهم جوابا؟.. ان كانوا مؤمنين شجعان..؟

كل هذا المصائب التي تحملناها ولا زلنا غارقين فيها من جراء عدم تطبيق نظرية انسانية الانسان وفقدان الاستقامة والعدل عند المسلمين.. بعد ان افهمتنا المرجعيات الدينية المتخلفة المصطنعة من المذاهب صاحبة الحق المقدس الوهم، ان حقوقنا مضمونة امام الله لمجرد اصبحنا مسلمون.. "أقتل أنهب افسد خون مجرد تذهب الى الحج تغفر الذنوب.. فوقعنا في وهم التاريخ.. هكذا سمعتها من احد مسؤلي مؤسسة الدين الذين زاروا واشنطن بنفسي في واشنطن يحدث السامعين.

,انه كاذب افاك لم يفهم الا مصلحة المذهب الوهم في التحقيق. وهنا سر التخلف في سلطتهم الجائرة البارحة واليوم على الناس اجمعين . فالإسلام دين فلسفة معمقة ثابتة ترمي لتحقيق العدل المطلق والاستقامة ولاغير.. فطريق العدل والمبادئ هو وحده يضمن للمجتمع استعادة التوازن والثقة، حتى لو تم في ثورة فيها تضحيات. هذه هي مبادئ ثورة تشرين19 التي قتلها الحاكم الظالم بمساعدة اعدء الشعب من الفرس الغرباء الكارهين والحاقدين على امة العرب والمسلمين..

فطريقهم لم يأتِ لظلم الاخرين وقتلهم وسبي ذراريهم في الفتوحات الباطلة كما قالوا ونفذوا، وانما الدين جاء لأحتواء خلافات المتعارضين، يقول الحق: "من شاء منكم فليؤمن ومن شاء فليكفر أنا أعتدنا للظالمين ناراً" فالإسلام يدعو الى الحرية في معتقدات الانسان حتى اصبحنا بنكرانها بنظر التاريخ أقسى من المغول.. بينما غالبية الديانات لا تعترف بهذا الخطأ فاستطاعت ان تتجاوز التخلف في الوجود.. فتقدمت ونحن لا زلنا الى الوراء در. فهل سنصحى على التاريخ. أم نبقى نغالي دون ثبت.. من برهان فلا يصح ان ينسب الفعل الى فاعلٍ غير مختار.. ؟ أنتبهوا.. فقد فات الآوان..

من يعترض على ما نقول.. عليه ان يرد ردا علميا بالأثبات.. لا بالعاطفة التي جمدت عقولنا وأوصلتنا الى التوقف الانساني.. ؟

***

د. عبد الجبار العبيدي

في المثقف اليوم