آراء

اسعد عبد الله: العوامل المساهمة في صناعة الطاغية

ذبلت سنوات العمر بسبب وصول الطاغية صدام لكرسي حكم العراق عام 1979، وكان وصوله للحكم اكبر مصيبة حصلت للعراق في اخر مائة عام، فادخل العراق في حروب عبثية دمرت اقتصاد البلد وجعلت من شباب العراق وقودا لحرب لا نفع منها، فكانت حرب ايران (1980- 1988)، ثم حرب الكويت (1990 – 1991)،  ثم الحصار الاقتصادي الدولي الذي سحق المجتمع (1990 - 2003)،  وقام الطاغية صدام بتحويل العراق الى سجن كبير، واعتمد سياسة نشر الرعب داخل نسيج المجتمع، واعتمد نهج تفتيت وحدة المجتمع عبر دعم طائفة على حساب باقي الطوائف، لهذا نجد من المهم دراسة كيف يتم صناعة الطاغية؟ 

تتجسد ظاهرة الطغيان في التاريخ والسياسة عبر أشخاص وموارد متنوعة تتعاون لتشكيل شخصيات تمارس السلطة بشكل تسلطي، لكن دعونا نتسائل: كيف يتم إنتاج الطاغية؟ وما العوامل التي تسهم في صنعه؟

 اولا: العوامل الثقافية والاجتماعية

تبدأ صناعة الطاغية من السياق الثقافي والاجتماعي الذي ينشأ فيه، فغالبًا ما تكون المجتمعات التي تفتقر إلى التعليم الجيد، وحرية التعبير، أكثر عرضة لظهور الطغاة، وهو ما حصل (كما حدث مع صدام)، وما زال يحصل في مجتمعنا بالأصنام الجدد، ويمكن أن تؤدي هذه الأيديولوجيات الثقافية التي تعظم من قيمة الزعامة الفردية إلى خلق بيئة تمجد الطغاة وتمنحهم الشرعية.

ويمكن القول ان صناعة الطاغية تتأثر بعدد من العوامل التي تلعب دورًا مهمًا في تشكيل القادة الاستبداديين وكيفية ظهورهم واستمرارهم في السلطة. وإليك أيها القارئ بعض هذه العوامل:

1. التقاليد والثقافة السياسية: المجتمعات التي لديها تاريخ من الحكم الاستبدادي أو التي تفتقر إلى تقاليد ديمقراطية قوية، قد تكون أكثر عرضة لظهور الطغاة. حيث إن التقاليد الثقافية التي تروج للسلطة المطلقة والاحترام الأعمى للزعامات تلعب دورًا كبيرًا في صناعة الطاغية.

2. الاقتصاد والبطالة: الأزمات الاقتصادية، تكون بيئة مناسبة لولادة طاغية، مثل ارتفاع معدلات البطالة والفقر، حيث يمكن أن تخلق حالة من عدم الرضا بين الشعب، مما يؤدي إلى دعم شعبي للطغاة الذين يعدون المقهورين بتحسين الأوضاع الاقتصادية وتحقيق احلامهم.

3. الرقابة الإعلامية: ان السيطرة على وسائل الإعلام وتوجيه الرسائل الإعلامية من قبل الدولة، يمكن أن يسهم في خلق صورة إيجابية عن القائد الاستبدادي، مما يساعده في الحفاظ على سلطته، كما فعلها صدام في سنوات حكمه.

4. الدعاية الشعبية: استخدام الدعاية لتعزيز صورة القائد وبث الخوف من "الأعداء" الخارجيين والداخليين، وهذا الامر يعزز من مكانة الطاغية، ويكثف من الشعور بالولاء بين الجماهير... وهكذا نجح صدام في زرع الخوف والرعب في كل شارع وفي كل زقاق، وتحول العراق لجمهورية الرعب والقلق.

5. توظيف الدين: بعض الطغاة يستخدمون الدين لتبرير سلطتهم أو لتأكيد شرعيتهم، مما يعمق من ارتباطهم بالجماهير ويعزز من شرعية حكمهم، كما فعلها صدام بعد هزيمته في حرب الكويت، حيث لجاء للخطاب الديني، وتبنى مشروع الحملة الإيمانية! وانه عبدالله المؤمن الذي يسعى للاصلاح.

6. العوامل النفسية: الشخصية الكاريزمية للقائد (الطاغية) تلعب أيضًا دورًا؛ فتأثير القادة القوي وقدرتهم على التخاطب مع مشاعر الناس يمكن أن يسهل عليهم الاستحواذ على السلطة، والمجتمعات الجاهلة تنجذب للقوي المتجبر، وهكذا كان صدام شديد القسوة هو وجماعته.

7. ثقافة الطاعة: في بعض المجتمعات، قد تكون هناك تقاليد ثقافية تعزز الاحترام الأعمى للسلطة، مما يسهل قبول الطغاة كجزء من النظام الطبيعي. يتم تعليم الأفراد أن الطاعة للسلطة أمر ضروري، مما يقلل من الدعوات للاعتراض أو المعارضة.

إن فهم هذه العوامل يمكن أن يساعد في التعامل مع التحديات التي تطرحها الأنظمة الاستبدادية، ويعزز الجهود نحو تحقيق الديمقراطية والحفاظ على حقوق الإنسان.

ثانيا: الظروف الاقتصادية

تعتبر الظروف الاقتصادية من العوامل الرئيسية التي تساهم في ظهور الطغاة، مثل الفقر والبطالة والفساد الاقتصادي، وجميعها تعزز من حالة الاستياء بين الجماهير، مما يمهد الطريق لظهور سياسي واثق يعد بتحسين الظروف، في هذه الحالة، يستخدم الطاغية القضايا الاقتصادية كوسيلة لكسب الدعم وتوسيع الشعبية، وقد شهدنا عبر التاريخ ان الظروف الاقتصادية تلعب دورًا محوريًا في ظهور الطغاة واحتفاظهم بالسلطة.

وفيما يلي بعض النقاط التي توضح كيف تؤثر الظروف الاقتصادية في صناعة الطاغية:

1. الأزمات الاقتصادية: عندما تعاني البلاد من أزمات اقتصادية، مثل الركود، التضخم المرتفع، أو البطالة العالية، يصبح الناس أكثر عرضة للتوجه نحو قادة يعدونهم بالاستقرار والازدهار، هذه الأزمات تخلق بيئة يسهل استغلالها من قبل الطغاة.

2. الفقر وعدم المساواة: في المجتمعات التي تعاني من فقر مدقع وعدم المساواة الاقتصادية، يمكن للقادة الاستبداديين أن يستغلوا مشاعر اليأس والإحباط بين الناس، من خلال وعود بتحسين الأوضاع كما فعلها صدام، أو تقديم الدعم الاجتماعي لمجموعات معينة.

3. الفساد والاستغلال: الفساد المستشري في المؤسسات الاقتصادية يمكن أن يعزز من قوة الطغاة، حيث يمكنهم تقديم أنفسهم كـ "مخلصين ومصلحين" يحاربون الفساد وينظفون النظام، بينما يسيطرون في الحقيقة على الثروات من خلال أساليب غير قانونية.

4. التوزيع غير العادل للموارد: ان تقاسم الثروات بشكل غير عادل بين الفئات الاجتماعية يمكن أن يكون له آثار خطيرة، حيث يستغل القادة الاستبداديون هذه الانقسامات لتعزيز ولاء قواعدهم، ويطلقون وعودهم بتحقيق العدالة الاجتماعية بهدف كسب اكبر عدد من الجماهير،  من دون السعي لتحقيق ذلك.

5. التدخل الخارجي: في بعض الحالات يمكن أن يدعم قادة دول ذات مصالح اقتصادية معينة أنظمة استبدادية لتأمين وصولهم إلى الموارد أو الأسواق، مما يمكّن الطغاة من الاستمرار في السلطة بغض النظر عن الظروف المحلية.

6. استخدام الأزمات كفرصة: الطغاة عادة ما يستغلون الأزمات الاقتصادية لتبرير الإجراءات القمعية أو توسيع سلطاتهم، متذرعين بأن الحفاظ على الاستقرار يستدعي اتخاذ تدابير غير ديمقراطية.

 بالتالي فإن الظروف الاقتصادية ليست فقط عاملاً مسهمًا في صعود الطغاة، بل أيضًا أداة يستخدمها هؤلاء القادة للبقاء في السلطة.

 ثالثا: القمع والرقابة

يمتاز الطغاة باستخدام القوة والقمع كأدوات أساسية في حكمهم، وترتكب انتهاكات حقوق الإنسان، وتُفرَض الرقابة على الإعلام، وتُقضى على أي معارضة تحت غطاء السعي لتحقيق الأمن والاستقرار، ويصنع الطاغية نظامًا يخدم مصالحه الشخصية والسياسية على حساب حقوق الناس وحرياتهم (كما كان يفعلها صدام)، ان القمع والرقابة يلعبان دورًا حاسمًا في "صناعة" الطاغية والحفاظ على سلطته.

وإليك أيها القارئ الكريم كيف تساهم هذه العوامل في تعزيز الأنظمة الاستبدادية:

1. إسكات المعارضة: ان القمع يهدف إلى تكميم الأصوات المعارضة للحكومة، من خلال استخدام العنف أو التهديد ضد المعارضين، ويمكن للطغاة أن يمنعوا أي تحركات جماهيرية أو احتجاجات ضد حكمهم، مما يسهل عليهم البقاء في السلطة دون تحديات، وهكذا كان صدام يقمع بكل قسوة اي صوت معارض، كما فعلها  بالمقابر الجماعية لشيعة الوسط والجنوب.

2. أجهزة الأمن: ضمن الدولة القمعية يتم إنشاء أجهزة الأمن والاستخبارات القوية لرصد الأنشطة السياسية والاجتماعية، ويهتم الطاغية كثيرا بهذه الاجهزة، حيث تعمل على تجريم المعارضة وتشويه سمعتها، مما يمنح النظام القدرة على التحكم في الديناميات الاجتماعية والسياسية.

3. مراقبة المعلومات: الرقابة على وسائل الإعلام وتقييد الوصول إلى المعلومات المستقلة يسهم في تشكيل وعي الجمهور، حيث تقتصر المعلومات المتاحة على رواية واحدة وهي السلطة، وتُروج للنظام وتقلل من شأن المعارضة، ويصبح من الصعب على الناس تنظيم أنفسهم أو مقاومة القمع.

4. زرع الخوف: من خلال استخدام أساليب التخويف، مثل الاعتقالات التعسفية والاحتجاز والسجون السرية، يعمل النظام على خلق خوف دائم بين الناس، وهذا الخوف يحبط أي محاولة للتغيير أو الاحتجاج، مما يمكن الطغاة من المحافظة على سلطتهم.

5. تفكيك المجتمع المدني: القمع يؤثر سلبًا على منظمات المجتمع المدني والجماعات المستقلة، والتي قد تكون قادرة على تحدي السلطة، عند تقويض هذه المؤسسات يصبح من الأسهل على الأنظمة الاستبدادية السيطرة على المجتمع.

6. ترويج الإيديولوجية الرسمية: من خلال استخدام الرقابة، يمكن للطغاة تعزيز الإيديولوجية الرسمية التي تدعم شرعيتهم، وتسمح الأنظمة الاستبدادية بترويج روايات معينة حول القوة والنفوذ، ومن كثرة الترويج لسنوات وبشكل يومي تصبح قناعات في عقول الناس، مما يعزز من قبول الجمهور لسلطتهم.

7. التلاعب بالهوية الوطنية: الطغاة يقومون أحيانًا باستخدام الخطاب القومي أو الديني لتبرير القمع، للضحك على السذج، وتبرير افعالهم الشنيعة، مما يساعد في تجنيد دعم شعبي، ومن خلال أسلوب الخبث حيث يتم تصوير المعارضين على أنهم أعداء الوطن، عندها يسهل تبرير استخدام القوة ضدهم.

 بهذه الطرق، يسهم القمع والرقابة في بناء نظام استبدادي، يعزز من قوة الطاغية ويقلل من فرص التغيير الديمقراطي.

***

الكاتب: اسعد عبد الله عبدعلي

 

في المثقف اليوم