آراء
كريم المظفر: ماذا بعد فوز بوتين في الانتخابات؟
فاجأ اعلان لجنة الانتخابات الروسية المركزية، بفوز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بنتيجة قياسية في الحصول على نسبة أصوات وصلت الى نسبة 87.28، بعد مشاركة ملفتة للشعب الروسي وصلت الى اكثر من 83 مليون ناخب في هذه الانتخابات، يمثلون نسبة 74% من مجموع الناخبين المسجلين والبالغ عددهم 120 مليون، يمثل اعلى نتيجة حصل عليها الرئيس بوتين خلال جولات الانتخابات السابقة، في حين لم يصل بقية المرشحين الثلاثة للانتخابات الى حاجز 4% من أصوات الناخبين، الدوائر الغربية بشكل كبير، بعد ان كرست هذه الدوائر الاستخبارية والإعلامية كل جهودها، لزعزعة الوضع الداخلي، وتمويل حملات على مواقع التواصل الاجتماعي، لتضليل الشعب الروسي، ومحاولة ثنيه عن المشاركة، وبالتالي تعطيل الانتخابات .
العالم الغربي تلقف وباهتمام كبير هذه النتائج، وراحوا بتصريحاتهم المتوقعة حتى قبل اجراء الانتخابات، بعدم اعترافهم بنتائجها، او انها غير شفافة، او انها تفتقر الى ابسط مقومات الشفافية، وغيرها من بقايا " الأسطوانة المشروخة " التي تعود العالم على سماعها، من العالم الغربي، ضد أي بلد يقف بوجه مطامعهم ونواياهم الاستعمارية، في غضون ذلك وجه زعماء العالم برقيات تهنئة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بالفوز الكبير الذي حققه في انتخابات الرئاسة الروسية، وأجمعت البرقيات من رؤساء دول الامارات والصين والبحريني وعمان وسوريا والجزائر والكويت وقطر وكازاخستان وبيلاروسيا وفنزويلا، ورئيس الوزراء الهندي وعشرات الدول الأخرى، أن نتائج التصويت، تؤكد الدعم الكبير الذي يحظى به الرئيس بوتين في هذه المرحلة الحساسة التي تمر بها روسيا، وأعربوا عن أملهم في مواصلة تطوير العلاقات مع روسيا، وتمنوا ان للعلاقات القائمة بين بلدانهما وروسيا الاطراد والتطور والازدهار.
وفيما يواصل زعماء العالم إرسال برقيات التهنئة للرئيس فلاديمير بوتين، اعتبر الاتحاد الأوروبي أن الانتخابات الرئاسية الروسية التي أظهرت فوزه الساحق "لم تكن حرة"، وقال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، ان إعادة انتخاب فلاديمير بوتين رئيسا لروسيا جرت في انتخابات استندت الى "القمع والترهيب"، والانتخابات "لم تكن حرة أو نزيهة"، في حين اكد وزير الخارجية البريطانية ديفيد كاميرون، ان نتائج الانتخابات في روسيا تظهر مدى "القمع" في عهد الرئيس بوتين، "الساعي إلى إسكات أي معارضة لحربه غير الشرعية".
ولم يكن مفاجئا لاحد ان الشعب العربي كان أول من هنأ الرئيس فلاديمير بوتين بفوزه في الانتخابات الرئاسية الروسية، وعبر رواد "إكس" على فوزه الساحق بولاية جديدة لست سنوات، وتنافس آخرون حول من هنأ الرئيس الروسي أولا وقال أحدهم: "الف مبروك لأكون اول مواطن جزائري يهنئ بوتين"، ورد آخر بالقول: "راجع التغريدات نحن أول من هنأ بوتين با الفوز"، في حين تمنى آخر: "بالتوفيق للشعب الروسي بعد نجاح الإنتخابات رغم الهجمات والتشويش والتشكيك في نزاهتها وقوة المشاركة فيها، والمزيد من الأرق والقلق لحلف الضباع وأمهم شيطان العالم"، في حين قال احد المهنئين من لبنان حيث يلقب الرئيس الروسي بـ"أبو علي بوتين"، وكتب "ما بتلبق لغيرك الشيخ أبو علي بوتين"، "الف مبروك ابو علي بوتين، والمقهور اليوم خلي يضرب راسو بالحيط ويروح يشرب حتى الثمالة، بركي بينسى شواي"، والف مبروك للرفيق ابو علي بوتين".
وجلب خطاب الفوز للرئيس بوتين، في مركزه الانتخابي الرئيسي، والذي أعرب فيه عن شكره للمواطنين الروس الذين حضروا إلى مراكز الاقتراع، وأدلوا بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية التي انتهت، أهتمام المراقبون، واعتبروه انه يتضمن رسائل عديدة، لقضايا مهمة سواء في الداخل والخارج، ففي الداخل ذكًر بوتين أولئك الذين ذهبوا بمعداتهم ضد بلدهم، وضد وطنهم، بانه في الوقت الذي لا توجد عقوبة الإعدام في روسيا، توعدهم بأن التعامل "مع هؤلاء الناس دائما، الآن وفي المستقبل، سيكون كالتعامل مع أولئك الذين هم في منطقة قتال".
كما ان أن قلة عدد الشكاوى في مقر الانتخابات الرئاسية الروسية يعكس برأي بوتين، جودة العمل المبذول، ووصف نتائج الانتخابات، بأنها علامة ثقة من جانب المواطنين وأملهم في إنجاز كل شيء، وان نتائج هذه الانتخابات اكدت وحدة الشعب الروسي والتفافه خلف قيادته، وانه (أي الشعب) عبر من خلال تصويته عن ثقته بالنهج والسياسة التي ينتهجها بوتين، الذي اكد ان المحاولات الخارجية للتدخل في الانتخابات الرئاسية الروسية، لن تتوقف، و "سيتصرفون بشكل أكثر تطورا، لكنهم لن يغيروا أهدافهم بشأن روسيا الاتحادية"،
هذا النجاح الكبير في تنظيم الانتخابات في روسيا، والشفافية التي سارت عليها هذه المرة، بشهادة المراقبين المحليين والأجانب الذين حضروا الانتخابات، دعت الرئيس الروسي، الى القول إن هناك كل الأسباب للاعتقاد بأنه لا توجد ديمقراطية ملحوظة على الأقل خلال الحملات الانتخابية في بعض الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، وأن استغلال الموارد الإدارية والنظام القضائي أصبح وصمة عار عالمية على واشنطن .
وتؤكد القيادة الروسية إن بلدهم ليست على مفترق طرق، وإنها تسير على الطريق الاستراتيجي لتطورها ولن تبتعد عنه، وانها لو لم تفعل روسيا ذلك (حماية أبناء شعبها في العالم) لكانت ستبدو كدولة من الدرجة الثالثة أو الرابعة، وإذا لم تتمكن روسيا من حماية نفسها، فسيستخف بها الجميع ولن يأخذها أحد بالاعتبار، وبالتالي العواقب يمكن أن تكون كارثية.
اما الرسالة الخارجية للرئيس بوتين، فقد حملت دعوات عديدة في معالجة الملف الاوكراني، وتجديد تأكيد روسيا بالانفتاح الى أي مبادرات او مساعي " حميدة "، لوقف القتال، وأن روسيا تؤيد مفاوضات السلام، ولكن فقط إذا لم يكن ذلك وكما عبر عنها بوتين، بسبب نفاد ذخيرة العدو، والتأكيد أن موسكو ستنطلق من مصالحها بشأن أي قضايا مطروحة، و إذا كانوا جادين حقا ويريدون بناء علاقات سلمية وحسن جوار بين الدولتين على المدى الطويل، وليس التوقف مؤقتا لإعادة التسلح لمدة عام ونصف أو عامين، أنه لا يمكن للصواريخ الغربية، بما في ذلك الصواريخ البريطانية والأمريكية أن تغير الوضع في ساحة المعركة .
وروسيا التي سبق وان أعلنت شروطها لوقف القتال، هي تلك الشروط التي كانت أوكرانيا على استعداد للتوقيع عليها في مفاوضات إسطنبول 2022، لولا تدخل رئيس الوزراء بريطانيا الأسبق بوريس جونسون، وإقناعه للرئيس الاوكراني بعدم التوقيع على الاتفاق، ولكن هذا الرفض ترتب عليه شروط ووقائع جديدة، ليس شرط ضمان أمن روسيا وحده، بل أيضا الاخذ بعين الاعتبار جميع التغيرات التي حصلت على الأرض، مع إمكانية انضمام مقاطعة خاركوف إلى روسيا، والتي لم يستبعد بوتين أن تضطر روسيا إلى إنشاء منطقة عازلة في المناطق التي يسيطر عليها نظام كييف، مشيرا إلى أن عمقها سيكون بمثابة عائق على الأسلحة المدمرة وطويلة المدى.
كذلك خاطب الرئيس الروسي، فرنسا، التي تقود لواء العداء على روسيا اليوم، وبإمكانها، ان تلعب دور في التسوية السلمية للأزمة الأوكرانية، دورا لا يؤدي إلى تفاقم الصراع أو إثارته، والحديث هنا عن السبل الممكنة للتسوية السلمية، وبهذا المعنى، يمكن لفرنسا أن تلعب دورها في ذلك ، وأن الخطاب العدواني لباريس هو محاولة للتغطية على مشاكلها في السياسة الداخلية، ودعاية انتخابية للمجلس الأوربي ولحصول الحزب الحاكم في فرنسا على مقاعد مهمة فيه .
وحول مدى احتمال نشوب صراع واسع النطاق بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، فإن التحذيرات الروسية مستمرة بهذا الخصوص، ويشار هنا الى الحملة الغربية المسعورة عن الهجوم الروسي "المزعوم"، والهستيريا التي تعيشها الدول الاوربية، ومساعيها لتعزيز ترساناتها العسكرية، واجراءاتها للاستعداد للحرب مع روسيا، واعراب نائب الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ميرسيا جيوانا عن اعتقاده، أن دول الناتو في حال إعادة انتخاب بوتين، يجب أن تستعد لعدة سنوات أخرى من التوتر في العلاقات مع روسيا، كلها عوامل مهمة للتأكيد في رسالة بوتين، أنه في حالة نشوب صراع واسع النطاق بين روسيا وحلف "الناتو"، سيكون العالم على بعد خطوة واحدة من حرب عالمية ثالثة، وليس مرجحا أن يكون أحد مهتما بذلك .، كما إن روسيا من وجهة النظر التقنية العسكرية، مستعدة لحرب نووية، وأن "الأمور تسير باتجاه الصدام المباشر"
كما أن أعلان الكريملين على لسان متحدثه ديميتري بيسكوف، باستعداد روسيا لإجراء مفاوضات بشأن مجموعة كاملة من المواضيع الأمنية، بما في ذلك قضايا نزع السلاح النووي وعدم انتشار الأسلحة النووية، جاء مكملا لما تحدث به الرئيس بوتين، عن إمكانية إجراء مفاوضات في ظل الظروف الحالية مع مناقشة مجموعة كاملة من المواضيع الأمنية، وتبدو تصريحات بوتين وإعلان الكريملين، قد لاقت صداها لدى العالم الغربي والولايات المتحدة على وجه الخصوص، والتي ومن خلال أعلان المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، في مناقشة مفتوحة بمجلس الأمن الدولي حول "السلاح النووي" و"عدم انتشار الأسلحة النووية، عرضت فيه استعداد واشنطن لإجراء مفاوضات ثنائية مع موسكو وبكين بشأن الحد من الأسلحة، دون شروط مسبقة، وقولها " الآن.. وكل ما يحتاجون إلى قوله هو نعم"، وأن الدول التي تمتلك أسلحة نووية يجب أن تحافظ على وقف اختياري لتجارب الأسلحة النووية، كما أشارت إلى أن من الضروري "التوصل إلى وقف إنتاج المواد الانشطارية التي تستخدم في الأسلحة النووية" ومواصلة المفاوضات بشأن معاهدة حظر المواد الانشطارية.
لقد أغرقت نتائج الانتخابات الرئاسية الروسية حلفاء أوكرانيا في ذهول، وان فلاديمير بوتين فاز بنتيجة مذهلة، وإن معظم السكان الروس يدعمون بوتين بالفعل، بعد أن حقق فوزا في الانتخابات، يمكنه الآن أن يقول: "أريد ما يريده بلدي "، وهذه إشارة إلى العالم الخارجي بأن المسار الحالي للاتحاد الروسي، سيستمر، وأن الرئيس الروسي يشعر بدعم هائل لسياسته، أصبحت حقيقة، وإن أكبر وأهم حالة من عدم اليقين الآن، هي ما سيحدث في الانتخابات الأمريكية في عام 2024، فرفض الولايات المتحدة الدعم والضغط الأمريكي على أوكرانيا لإجراء مفاوضات سيعني فوز بوتين.
لقد أصبحت الانتخابات الرئاسية الحالية للكرملين ليس فقط تحديا سياسيا داخليا، ولكن أيضا تحديا للسياسة الخارجية، ومن الآمن أن نقول إن الخطاب حول عدم شرعية الانتخابات في المصطلح الجديد سيصبح سائدا في الغرب، وربما سيجدون حتى صياغات حول كيفية ذكره، وتجنب عبارة "رئيس روسيا"، لكن الوقائع الجديدة تفرض على الغرب على الاعتراف بأن الرئيس بوتين هو رئيس روسيا الشرعي، ويجب التعامل معه فقط على هذا الأساس، وهو ما حدث بالفعل، فقد صرح مستشار شؤون الأمن القومي الأمريكي جيك ساليفان،، بأن بوتين هو رئيس روسيا، وسوف تتصرف الولايات المتحدة على هذا الأساس !!.
***
د. كريم المظفر - موسكو