آراء
كاظم الموسوي: طوفان الغضب الشعبي في العالم من اجل غزة خصوصا وفلسطين عموما
من مكاسب ملحمة "طوفان الأقصى" الكثيرة والكبيرة ، كسمة واضافة بارزة لما تحقق في مختلف الأصعدة والمستويات، مكسب انطلاق طوفان، اجل طوفان، غضب شعبي في العالم من اجل قطاع غزة خصوصا، ومن اجل فلسطين عموما، لما تعرض له القطاع في الانتقام الامبريالي الصهيوني من وحشية نازشية، (نازية/ فاشية) تجاوزت ما عرفه التاريخ من جرائم احتلال همجية، بدعم صارخ وعلني، واعادة القضية الفلسطينية مرة اخرى الى واجهة الاحداث والمانشيتات الرئيسية في وسائل الاعلام والتواصل والمؤتمرات الدولية والإقليمية وغيرها، رغم كل محاولات تصفيتها، والاعتداء على القدس الشريف والاماكن المقدسة في فلسطين المحتلة.
اتسم هذا المكسب الكبير بوعي سليم لعدالة القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني في التحرر من الاحتلال الصهيو إمبريالي ووسائله الوحشية في الاضطهاد والقمع والارهاب والاعتقال والحصار والابادة عموما وتجاوزها في الانتقام بعد معركة طوفان الأقصى بما لا يمكن الصمت او التغاضي او التفرج كما حصل سابقا او تراوح بين بين لأسبابه، الفلسطينية او العربية والاسلامية في طروحاتها المتهافتة نحو الاستسلام والتواطؤ العلني لتصفية القضية الفلسطينية والاعتراف بكيان الاحتلال و"التطبيع" المذل معه.
رسم هذا الطوفان الغاضب مداه الواسع في كل عواصم الدول الاستعمارية والداعمة او المشاركة في عمليات الانتقام الوحشي ضد سكان غزة خصوصا وامتداده الى مدن فلسطينية اخرى في الضفة الغربية المحتلة والقدس وحتى مدن احتلال عام 1948، اي عموم فلسطين المحتلة، ورفع شعارات له واضحة ومعبرة في الحرية لفلسطين وحق شعبها في التحرر الوطني والعودة لاهلها الى ديارهم دون مراوغة او مساومة وباشكال منوعة نهايتها توصل الى تصفية القضية الفلسطينية وهدر الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. واخذ الطوفان اشكاله المتنوعة، من التظاهر الواسع (بلغ في بعضها اكثر من مليون مشارك، في اوروبا والولايات الامريكية المتحدة وكذلك في بعض العواصم والمدن العربية) او الوقفات الاحتجاجية في مراكز المدن وساحاتها الرئيسة والمتضمنة لمقرات حكومية او مؤسسات رسمية للدول التي شاركت في العدوان الوحشي وانتهاك كل القوانين الدولية أو المعاهدات المتعلقة بحقوق الانسان والعدالة والقرارات والقيم الانسانية والمواثيق السياسية وبرامج او انظمة المؤسسات الدستورية والسياسية في تلك البلدان. مما عكس حالات اخرى لفضح طبيعة الإمبريالية والصهيونية والممارسات العملية في إزدواجية المعايير الدولية والاقليمية وتهميش القيم الانسانية والاجتماعية والثقافية والانسلاخ من الالتزامات الموقعة عليها واللازمة التنفيذ والاحترام من الجميع، فكيف بتلك الدول التي صدرت فيها وادعت مواقف مؤيدة لها ومروجة لافكارها ومحاسبة لغيرها باسمها؟!.
اشترك في طوفان الغضب الشعبي في العالم بعض قيادات احزاب سياسية حاكمة (في ايرلندا، اسبانيا، بلجيكا مثلا) او حتى معارضة لحكوماتها (في ايطاليا، كندا، هولندا، بريطانيا مثلا)، في تلك الدول المشتركة في العدوان والجرائم النازشية، وكذلك من اليهود المعارضين للصهيونية (في الولايات
١
المتحدة الامريكية، مثلا)، وهو ما يميزها ويعطيها زخما اعلاميا ومساهمة إنسانية في الغضب الشعبي، وكذلك اعضاء برلمانات وطنية او اقليمية، (دول منفردة، او الاتحادات، كالاوروبي او الافريقي او مشابهاتها)، او شخصيات سياسية بارزة في بلدانها، عاكسة مواقف متميزة في التصدي لقوى العدوان ومطالبتها بوقفه فورا والامتثال للقوانين الدولية وقواعدها في الحروب والسلم والأمن الدوليين ومحاكمة المجرمين والداعمين لهم ومحاسبة الحكومات التي تصر على استمرار العدوان وتعميق معاناة الشعب الفلسطيني، وتضحياته الجسيمة، التي تلوّن دماؤها وجوه المندفعين للعدوان والحرب على غزة وفلسطين عموما، ولم يرتدعوا من حجم الماساة التي تدور رحاها في غزة خصوصا، والتي تجري امام مرأى العالم كله، وموثقة بالصورة والصوت وبالنقل المباشر، بما تجاوز كل حدود قانونية او اخلاقية او انسانية عامة، وقدمت مثالا صارخا للتوحش والإجرام وانتهاك كل المعايير والقيم والقرارات والمواثيق وما يتعلق بها. وفضحت من جهة اساسية، لا يعرف بهذا الوضوح، قبل معركة الطوفان، العقل الغربي الرسمي في فهمه القوانين والانظمة الداخلية للمنظمات والمؤسسات الرسمية المحلية والدولية، واساليب التعامل معها وطرق تنفيذها والزعم بوزنها ووثيقتها واهميتها، كما وضعت مؤسسات دولية كالامم المتحدة وتوابعها على المحك وبينت خيبة الامل منها ومن عناوينها وإدعاءاتها بالاستقلالية والعمل الانساني والعالمي وعدم التفريق بين الشعوب، لا باللون او الانتماء العرقي او الديني او الجنس او العمر او الحجم او الثروة او التركيب الاجتماعي والاقتصادي والتنموي وغير ذلك. وكذلك كشف الطوفان تخاذل المنظمات الاقليمية كجامعة الدول العربية او رابطة التعاون الاسلامي وعرى اسس تاسيسها وطبيعة مسؤليتها ومسؤوليها وتشوه وجودها واستمرارها وفقدان الثقة والامل بمستقبلها.
ولاشك تجدر الاشارة هنا بدور الطوفان الشعبي واتساع غضبه في التاثير، المباشر او غيره، على سياسات بعض الحكومات الغربية التي ساهمت بالعدوان ودعم الكيان الصهيوني في كل جرائمه التي ارتكبها والتي لن تتقادم ولن يمسحها التاريخ ودائما يكلل فرسانها بالعار ومزبلة التاريخ، كما سجلها عن امثالهم وباقل المجازر والفضائح التي اقترفوها، ولكن المجزرة تبقى مجزرة والجريمة اسمها جريمة، ولن تمحى كوارثها، مهما غدر الغادرون او ساوم المساومون او تواطأ المذنبون او تخاذل الموهومون. ورغم ذلك فان الحكومات التي اسهمت باي شكل او مساهمة في العدوان والحرب والقتل والدمار والانتهاك والاجرام العنصري والهمجي والوحشي متصاعدا الى الابادة الجماعية، تظل تتحمل مسؤوليتها ودورها ومكانها التاريخي في ما حصل في غزة، وفلسطين عموما.
حكم التاريخ قاس كقسوة المجازر الوحشية، ولعل في طوفان الغضب الشعبي العالمي، وتنوعه وتعدد اشكاله، وتطوره واستمراره وتوسعه دائما سبيلا اخر او صورة اخرى لواقع البشرية وحقيقة الإنسانية التي تحاول القوى المهيمنة على القرارات الدولية والمرتهنة بروابط نازشية، عمليا وفكريا، تضليلها والراي العام بشتى الوسائل لادامة زخم ممارساتها الاجرامية وتهربها من مواجهة الحقيقة ومخاطبة التاريخ. وما قام به هذا الطوفان الشعبي يسجل له، ومثلما فاجأ طوفان الأقصى الجميع، فاجأ هذا طوفان الغضب ايضا، عاكسا الاحساس الانساني بوجوده وفعله وصموده بالضد من التوحش العنصري والمجازر الدموية والهدم الشامل والتخريب الهمجي، الذي تنقله صورة غزة اليوم.
كما عرى طوفان الغضب الشعبي في العالم جوهر الحكومات الغربية خصوصا وفضحها عندما اتخذت اجراءات تقييد للتظاهرات والمسيرات والشعارات ومنع رفع الاعلام الفلسطينية ولبس الكوفية او الزي الفلسطيني في بلدانها، على نحو غير قانوني ولا دستوري، مخالفة ابسط حقوق الانسان
٢
ومتناقضة مع زعمها بالالتزام او التوصيف بالنظم الديمقراطية، وكانت الاجراءات القمعية التي اتخذتها تلك الحكومات ادلة صارخة على طبيعة تلك الانظمة وخداعها وممارساتها في غسل الادمغة وكي الوعي الشعبي، وسجلت حالات مثيرة فعلا في بعض الدول في هذا الشان، ورد عليها طبعا الاحرار في تلك الانظمة والبلدان، كما حصل في داخل الاتحاد الاوروبي، (رمز التحضر الغربي)!، اذ انتقدت النائبة الايرلندية كلير دالي في قاعة البرلمان الاوروبي اكثر من مرة، مواقف رئيسة المفوضية الأوروبية (الألمانية) اورسولا فون دير لاين التي تؤيد العدوان الصهيوني، معرفة اياها ب"سيدة الابادة الجماعية"، ووصفت الاحتلال ب"نظام فصل عنصري وحشي"، واتهمت اعضاء البرلمان الاوروبي بدعم المجازر التي يرتكبها الاحتلال في غزة، وقالت: "ان الوضع تعدى كونه ابادة اسرائيلية لياخذ بصمة اوروبية ايضا". ومثل جرأتها خاطب برلمانيون وسياسيون في اكثر من عاصمة اوروبية حكوماتهم بتلك الروح النقدية الانسانية تضامنا مع غزة والشعب الفلسطيني ودعما لطوفان الغضب الشعبي العالمي والمطالبة بحرية شعب فلسطين وحق العودة وهدف الاستقلال ووقف العدوان فورا والمساهمة في اعمار غزة ومحاكمة كل المجرمين الذين قاموا بتلك المجازر والابادة وانتهاك كل القوانين والقواعد العالمية.
***
كاظم الموسوي