آراء
محمود محمد علي: ماذا تفعل مصر لو أُجبرت علي سيناريو توطين أهل غزة في سيناء؟
في الأيام الماضية تصدر خبر محاولات إسرائيل المستمرة إجبار الفلسطينيين بقطاع غزة على النزوح والفرار تجاه مصر، تمهيداً لتوطينهم في سيناء، والذي تنبأ به "معمر القذافي" قبل أن يرحل وكأنه يجلس بيننا اليوم حيث قال بأن " هدف إسرائيل في النهاية مصر .. فهي أكبر دولة تشكل خطر على الكيان الصهيوني مصر.. وبالتالي يحطموا أركان مصر ويضعفوا الأمة العربية حتى تُقدم مصر على طبق من ذهب للإسرائيليين وتقام دولتهم من الفرات إلى النيل "؛ أي ما بعد غزة ستأتي مصر، ثم يأتي ما بعد بعد مصر، فمخطط إسرائيل تتضح معالمه سريعا، فلا هجوم طوفان الأقصى المباغت كان السبب، ولا هناك فكرة جديدة خرجت برأس نتنياهو اليوم، ولكن المشروع قد وضع منذ زمن، وهذا هو الوقت المناسب، حيث الفلسطينيون إلى سيناء ثم سنلحق بهم إلي هناك لنأخذ بعض من أراضي المحروسة، ونصفي القضية ونصفي معها درع مصر الواقي .
ولكن كيف تبدأ لحظة التنفيذ ؟ .. والإجابة تبدأ من عملية طوفان الأقصى، حيث أخذت إسرائيل أخرجت خططها من الأدراج المغلقة، فخرج نتنياهو أمام العالم كله ليقول "أن ما حدث سيغير الشرق الأوسط"، وذلك في إشارة لتغير موازين القوة والسيطرة في المنطقة، والجيش الإسرائيلي وعلى لسان أحد المتحدثين باسمه، قال لسكان غزة بأن "معبر رفح لا يزال يعمل،اتجهوا إلى مصر"، وذلك في إطار دعوة رسمية لتهجير الفلسطينيين من أرضهم من جديد.
بيد أن مصر رفضت الفكرة بشكل مباشر، وقالت على لسان الرئيس " عبد الفتاح السيسي" بأن " أي عملية تهجير تصفية للقضية الفلسطينية وأن القاهرة لن توافق على مثل هذه العملية" "، وهنا أخذت عملية التهجير أضحت تمثل ملفا ساخنا، ومعها أخذت إشارات الاستفهام، فهل يُعقل أن تفكر إسرائيل بخطة بهذه السرعة ؟، ولماذا تريد من الفلسطينيين ليتجهوا لسيناء بالتحديد؟
إن إسرائيل بكونها تعرضت لفضيحة في عملية طوفان الأقصى، كان الأهم لها أن ترد على الفصائل الفلسطينية على أرض المعركة، وهذا ما قاله الكثير من المحللين، لكنها بدلا من ذلك طرحت ملف التهجير لأكثر من مليوني فلسطيني، وكأنها تعيد رسم خارطتها من جديد، فهي تريد إشعال المنطقة مرة أخرى من خلال التخطيط لتهجير أهل غزة لسيناء.
فسيناء تمثل نقطة استراتيجية، فلطالما حلمت إسرائيل بأن تكون لها،وعلى الرغم من انسحابها منها قبل سنوات طويلة، لكنها اتفقت مع مصر على شروط معينة، بحيث لا تمثل سيناء أي خطر من الجيش المصري أو غيره .
فأصل الأطماع يبدأ من الانسحاب، ففي عام 1979م عندما وقعت القاهرة وتل أبيب على اتفاقية كامب ديفيد للسلام، حيث كانت سيناء واحدة من أهم نقاطها، حيث وافقت إسرائيل من سيناء البالغة أكثر من 60 ألف كيلو متر مربع، وتمثل 6% من كامل الأراضي المصرية، لكن بشروط، فسيناء ستقسم لثلاث مناطق : أ، ب، ج، وتلك المناطق تحدد تواجد المصري فيها، ففي المنطقة " أ " الممتدة من منطقة قناة السويس إلى خليج السويس، يُسمح لمصر بنشر 22 ألف جندي مع 230 دبابة، وفي المنطقة " ب" والتي تقه من ضمنها منطقة العريش، يُسمح لمصر بنشر 4 آلاف جندي من حرس الحدود فقط، وأما المنطقة " ج" والملاصقة للحدود مع غزو وإسرائيل، فُسمح لمصر بنشر شرطة مدنية فيها مع انتشار قوة من الأمم المتحدة المشتركة، ويضاف لها المنطقة " د"، والتي تقع داخل سيطرة إسرائيل، ويُسمح لتل أبيب بنشر 4 آلاف جندي أرض جو فقط.
ومنذ توقيع المعاهدة اُعتبرت المنطقة، منطقة حظر جوي، حيث لا يسمح للطرفين باستخدام الطائرات الحربية فيها، لكن تخلل الاتفاق بندا بنص على "التفاهم بين الطرفين عند الضرورة "، وعندما تُذكر جملة عند الضرورة، فاعلم أنها ستكرر كثيرا في المستقبل.
إن مصر قد اتفقت مع إسرائيل في عام 2021م على تعزيز قواتها في المنطقة " ب"، " ج"، وذلك لمحاربة الإرهاب في سيناء مع السماح للجيش المصري بتنفيذ غارات فيها ـ وبالمقابل حصلت إسرائيل على شبه ضوء أخضر لأي تسلل على حدودها بالطائرات الحربية، وتقول العديد من التقارير أن تل أبيب نفذت غارات في عمق سيناء خلال الحملة ضد الإرهاب فيها .
وقد يسالني الكثير من القراء الأعزاء هنا، وذلك لن تلك التفاصيل هو ما سوف تستغله إسرائيل للتمدد في سيناء، حيث حسب الأقاويل بأن تل أبيب تريد من مصر تهجير الفلسطينيين للمنطقة "ج"، والتي تنتشر فيها مجموعات من الجيش المصري بعد تعديل اتفاق 2021م، وفي ذات الوقت نُفذت فيها غارات من الجانبين تقريبا، والنقل سيكون من خلال تجمع خيام في البداية ثم تتحول إلى مدنا للاستقرار، وبطبيعة الحال سيتم تسلل مجموعات من الفصائل الفلسطينية إلى سيناء وهو ما تحدث عنه الرئيس " السيسي" بأن بلاده لن تقبل بأن تكون منطلقا لهجمات ضد إسرائيل والتي عادة ما ترد تل أبيب من مكان انطلاق الهجوم عليها .
وبذلك وفي حال وافقت مصر على التهجير، ونقل قطاع غزة لسيناء فإن إسرائيل أو بعد 50 عاما ستجد الحجة المناسبة للتدخل في سيناء، حيث ستعود لحجة محاربة الفصائل الفلسطينية والقضاء عليها ثم الهجوم البري الذي سيقضم سيناء شبرا شبرا حتى تعود لسيطرة إسرائيل وصولا لقناة السويس الاستراتيجية .
إن رفض مصر ليس حاليا بل بسبب حسابات المستقبل، فتمدد إسرائيل في سيناء حتى ولو بعد مدو طويلة سيكلف القاهرة الكثير، فهي ستقفد 6% من أراضيها وستصبح إسرائيل متذرعة بقناة السويس الفاصلة بين البر المصري وسيناء، كما ستعطل تل أبيب الحركة عبر قناة السويس وقد تطالب بإداراتها وربما توقيفها كما حدث من ذي قبل .
يضاف إلى ذلك معضلة وهي أن أكثر من 4 مليون مواطن مصري، و2 مليون فلسطيني في الوقت الحالي سيمونون في خطر وعرضة للنزوح والتهجير مما يُزيد الضغط على المدن المصرية كلها .
والسؤال الأكبر والذي يُطرح هنا : كيف استجمعت إسرائيل قوتها بسرعة وفكرت بتلك الخطة ؟، وهل يمكن أن تسمح من خلال غزوها البري لجنوب قطاع غزة بتهجير أهالي غزة؟، أم أنها تنتظر تلك اللحظة منذ سنوات، فهي اليوم تنقل الصراع من داخل حدود فلسطين إلى مصر وكأنها تقول للعرب نعم سأخرج خارج الحدود وسأحتل أرضكم وسأحقق ما أريد ؟ ـ بينما تقف مثر اليوم برفض قاطع وجدار من الجيش سيمنع أي تغير بالمنطقة، والعالم يشاهد قصف غزو لحظة بلحظة .. إن خطة إسرائيل بات مكشوفة، فهل ستتحقق أم أن القاهرة لها رأي آخر ؟
وفي اعتقادي أن القاهرة لها رأي آخر في حالة لو تم تهجير الفلسطينيين عنوة لسيناء بسبب الضغط المتزايد عليهم من قبل إسرائيل والمتمثل في الهجوم الكثيف على جنوب غزة، وهنا ستضطر مصر إلى الرضوخ لدخول الفلسطينيين لسيناء حتى لا يدخل الجيش المصري مواجهة مع الفلسطينيين بسبب التزاحم على أبواب رفح .
ولما كانت مصر قد أعلنت أن حدود سيناء خط أحمر، فهنا قد تلجأ القاهرة لتطبيق فكرة الخط الأحمر إلى الدخول في حرب مع تل أبيب ليس من خلال الجيش المصري، ولكن من خلال الحرب بالوكالة، فتلجأ لنفس السيناريو الذي تفعله أمريكا ضد الروس في أوكرانيا، حيث ستلجأ لتسليح ودعم حماس وكتائب القسام من الباطن لضرب العمق الإسرائيلي وإضعافها بكل ما أوتيت من قوة،وهنا ستضطر مصر إلى التحالف مع إيران وتركيا لمساعدتها في تطبيق هذا المخطط الذي كانت تميل إليه إيران وتطبقه من ذي قبل.
إن مصر لن تفكر أبدا في الدخول في حرب مباشرة وصدامية مع إسرائيل ولن تعادي أمريكا وأوروبا والتي تعلم جيدا أنها في حالة لو دخلت في حرب مباشرة مع إسرائيل ستكون هى الخاسرة، والرئيس السيسي يدرك ذلك جيدا، حيث لن يسمح بأن تذهب إنجازاته في بناء الدولة المصرية خلال السنوات الماضية أدراج الرياح، فهو يعلم حيدا أن إسرائيل دولة نووية، وفي حالة لو تفوق الجيش المصري في حرب معها ستضطر إسرائيل لاستخدام السلاح النووي، هذا ناهيك من أمريكا وأوروبا لن يسمحا لمصر بذلك، فكلاهما يدركان ذلك جيدا، بأن معادة واستفزاز مصر الآن سيحول المنطقة كلها لحرب إقليمية، وهذا يُخشى عقباه.. وللحديث بقية.
***
د. محمود محمد علي – كاتب مصري
.....................................
المراجع
1- قناة استيب: بعد غزة الدور على سيناء.. هكذا تريد إسرائيل أن يكون التهجير وهذا ما سيحدث!